الجريدة اليومية الأولى في البحرين


عالم يتغير


الديمقراطية ثقافة وممارسة والتزام بحكم القانون

تاريخ النشر : الأربعاء ١٨ يناير ٢٠١٢

فوزية رشيد



* المسألة هي إرادة الشعب، والشعب هنا للتذكير فقط مفهوم يندرج تحته (كل المكونات والأطياف والطوائف الشعبية)، ولا يعني بأي شكل طيفا سياسيا واحدا أو زعامات سياسية ودينية تحتكر تمثيل طائفتها ثم تقفز على ذلك الاحتكار التعسفي أيضا لتعتبر نفسها أنها تمثل كل الشعب، أي أنها تريد أن تحتكر الإرادة الشعبية من دون وجه حق.
جلالة الملك في خطابه صباح يوم الأحد الماضي حدد بشكل مختصر عناوين مهمة تحدد أسس المصلحة الشعبية وقد اتجهت إرادتها نحو استمرارية المشروع الإصلاحي والحفاظ على مكتسبات الميثاق، وتنفيذ مرئيات الحوار الوطني التي على رأسها (التعديلات الدستورية) وزيادة التنظيم في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وزيادة اختصاصات مجلس النواب، وفي المقابل أكد جلالته في خطابه مسألة مهمة هي التي سنتوقف عندها بما يخص المعارضة حين قال: (الديمقراطية ليست مجرد نصوص وأحكام دستورية وتشريعية، فالديمقراطية ثقافة وممارسة والتزام بحكم القانون واحترام للمبادئ الدولية لحقوق الإنسان مقترنة بعمل سياسي وطني جاد يمثل أطياف المجتمع كافة من دون إقصاء أو محاصصة).
وفي ذات الخطاب أيضا تم تأكيد أن (الإصلاح الدستوري والسياسي لا يتم أو يتواصل في فراغ، وإنما يرتبط ارتباطا موازيا ووثيقا بالإصلاح الاقتصادي وجهود التنمية، وبإصلاح اجتماعي يرعى مصالح أبناء هذا الوطن كافة).
* الفئة التي تطرح نفسها باعتبارها المعارضة أو الشركة الوحيدة التي تحتكر تمثيل الإرادة الشعبية وحين دخلت الحوار الوطني وخرجت منه بإرادتها تواجه وحدها اليوم نتائج خروجها عن الخط الإصلاحي العام وعن الخط الوطني العام. ولم يكن غريبا بل كان متوقعا تماما أن تبادر بعد دقائق من الخطاب الملكي إلى موقفها الرافض لتضيفه إلى جملة سلوكات (الرفض الدائم لكل شيء) وأن تعتبر أن التعديلات الدستورية سطحية وشكلية، رغم أن تلك التعديلات تتجاوز بكثير ما كانت تلح عليه قبل سنوات، ورغم أنها دخلت الانتخابات والبرلمان بعد ذلك ولم يكن قد تحقق منها شيء. إذاً المسألة بالنسبة إليها هي الرفض للرفض والمعارضة لمجرد المعارضة.
* المسألة أيضا ليست هنا لأن الخطاب في جوهره يلقي في وجه من تسمي نفسها المعارضة إشكاليات عدة مهمة يجب أن تعيها قبل أن تستمر في غيها، وفي خطابها الرافض للمرئيات الوطنية بعد أن أخذت حيز التنفيذ:
1- أولى تلك الإشكاليات في وجه هذه المعارضة هي أن الديمقراطية ليست مجرد نصوص وأحكام دستورية وتشريعية، فالديمقراطية ثقافة وممارسة والتزام بحكم القانون.
وفي هذا تحديدا أثبتت جمعية التأزيم وأتباعها أن لا صلة لها بالديمقراطية كثقافة وممارسة سواء من حيث تكويناها العقدي والسياسي، الخاضعان لدكتاتورية المرجعية الدينية الملتزمة بها، أو من حيث الممارسة الاستبدادية والإقصائية لإرادة المكونات الشعبية المخالفة لها، وهي إرادة الغالبية الشعبية من دون أي تزييف أو تزوير.
كما أن معارضة التأزيم أثبتت أنه حتى احتكارها لتمثيل طائفتها يدل على أنه احتكار لتمثيل غير حقيقي بدليل استياء مجموعات ورموز من الطائفة نفسها لخطابها ولسلوكاتها بل رفض لها، والذي أثبتته هذه المعارضة أيضا أنها لا تريد الالتزام بحكم القانون بل تعمل بكل الطرائق على إفراغه من محتواه وخاصة حين يتعلق الأمر بمخالفين أو جناة أو مجرمين تابعين لها.
هكذا هي في هذا المحك تحديدا ولم نذكر المحكات الأخرى. هي معارضة تأخذ من العلامات صفرا وبالتالي تسقط في امتحان الديمقراطية من حيث هي ثقافة وسلوك.
2- ثانية الإشكاليات التي تعانيها المعارضة وقياسا لما جاء في الخطاب الملكي فقط هي )احترام المبادئ الدولية لحقوق الإنسان( وفي هذا فشلت هذه المعارضة أيضا حين تعتبر أن الإنسان فقط هو التابع لها، بينما الأطياف الأخرى ورجال الأمن فهؤلاء ليسوا بشرا وليس لهم حقوق، والدليل على ذلك حين تتسبب هي بتحريضها وعبر أدواتها في إيذاء هؤلاء وحيث لم يصدر عنها قط إدانة لما تم ارتكابه من عنف وجرائم في حق الآخرين عبر من تسيرهم بخطابها، وبحسب ما كشفه تقرير بسيوني هي فقط تعرف المبادئ الدولية لحقوق الإنسان بما يدين الدولة ولكنها لا تعترف بها حين تكون هي المدانة، وتعاملها مع تلك المبادئ على شاكلة تعاملها نفسه مع تقرير لجنة تقصي الحقائق الذي أخضعته للانتقائية ولم تعترف بأخطائها، وفي هذا ما لا يمت إلى ثقافة الديمقراطية بشيء.
3- ثالثة الإشكاليات فقط ربطا بما جاء في الخطاب أيضا هي مدى احترام هذه المعارضة لـ(مبدأ التعايش المشترك والتسامح والألفة والمحبة)، فكل خطاباتها وسلوكاتها تصب في نقيض ذلك تماما، بل أصبحت هذه الفئة التي تسمي نفسها معارضة هي المسبب الأكبر للأزمات ولخطابات التحريض الطائفي ولبث الضغائن والكراهية في المجتمع. وكل ذلك نقيض ما تفترضه ثقافة الديمقراطية من أولويات وأسس وسلوكات.
4- رابعة الإشكاليات ربطا بالخطاب الملكي أيضا أن ما تسعى إليه الدولة من إصلاح اقتصادي وجهود تنموية وإصلاح اجتماعي يرعى مصالح جميع أبناء هذا الوطن، هو بالضبط ما تعمل هذه المعارضة على خلخلته وإعاقته عبر دعوات التأزيم المستمرة، وعبر تبني خطاب الفوضى والتخريب في الشارع واستعراض المليشيات مؤخرا، أي ببساطة هي تعرقل التنمية وتضرب الاقتصاد وتعتبر تراجعه نجاحا لها ولخطابها التأزيمي، وما حدث في فبراير حتى الآن خير دليل على ذلك.
* وفي هذا كله لا صلة لها بالديمقراطية أو المصلحة الوطنية أو مصالح جميع أبناء هذا الوطن، هي فقط معنية بالأجندة التي تحملها وتروج بها في الخارج لها بأنها تمثل بها إرادة الشعب البحريني، ولذلك هي أوجدت نفسها في زاوية الرفض من أجل الرفض، والمعارضة من أجل المعارضة، وخاصة أن غالبية المكونات الشعبية لا تتفق مع نوع رؤاها وتوقيت طرح تلك الرؤى في ظل الأوضاع الراهنة، وحين هي تتجاهل الإرادة الشعبية الحقيقية فأين هي من الديمقراطية وثقافتها؟
* جلالة الملك والقيادة السياسية تسير إرادتهم بشكل متسارع نحو تطوير الإصلاح والالتزام بالمبادئ الدولية وبالديمقراطية وبتوصيات لجنة تقصي الحقائق وتنفذها، أي أن التزامها بكل ذلك قول وفعل، ومن دون قفز على المراحل أو حرق لها، وبما يتواءم مع مصالح جميع أبناء هذا الوطن، فيما المعارضة الخائبة لا تعرف في الديمقراطية إلا النصوص، أما ثقافة الديمقراطية وممارستها فذلك أبعد ما يكون عنها، وفي الوقت الذي تتسم هي بالشكلية والسطحية والإقصائية تسارع لتقذف بالتهم المنطبقة عليها في وجه غيرها، وهذا أكبر علامة للإفلاسين السياسي والديمقراطي، وأن تبدأ بإصلاح نفسها قبل أن تتوهم أنها تعمل على إصلاح الإصلاح.