الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أخبار البحرين

انطلاق «مؤتمر الأمن الوطني والإقليمي لدول مجلس التعاون»

د. عبدالغفار: دول المجلس تحتاج إلى تحديد مفهوم استراتيجي شامل كل عشر سنوات

تاريخ النشر : الأربعاء ١٨ يناير ٢٠١٢



افتتح سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة نائب رئيس مجلس الوزراء صباح أمس الثلاثاء مؤتمر «الأمن الوطني والأمن الإقليمي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية: رؤية من الداخل»، الذي ينظمه مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة في الفترة من 17 إلى 18 يناير الجاري.
وتحدث في حفل افتتاح المؤتمر صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، والأستاذ الدكتور محمد جابر الأنصاري مستشار جلالة الملك للشؤون الثقافية والعلمية، والدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، والفريق ضاحي خلفان قائد عام شرطة دبي.
كلمة افتتاح المؤتمر
وفي كلمة الافتتاح قال الدكتور محمد عبدالغفار مستشار جلالة الملك للشؤون الدبلوماسية، رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «لقد عكف مركزنا على رصد الكتب والبحوث التي نشرت حول أمن منطقة الخليج العربي خلال السنوات الماضية، إلا أن معظمها قد صنف من قبل باحثين أجانب انصبت جهودهم على تحليل مسائل متعلقة بأمن الخليج وتطوير مفاهيم أمنية لا تضع في الاعتبار بالضرورة رؤى ومصالح دول مجلس التعاون».
وأضاف أنه «عندما شرعنا في التحضير لهذا المؤتمر، وضعنا نصب أعيننا ضرورة المحاولة لوضع دراسات وتقارير عن مفاهيم استراتيجية وقضايا أمن الخليج، من قبل الباحثين والمتخصصين من أبناء دول مجلس التعاون، وتشجيع القائمين على مراكز الدراسات الخليجية على ضرورة التعاون فيما بينها لتحقيق تلك الرؤية، أسوة بمعاهد الفكر في الدول المهتمة بقضايا المنطقة، ولتأكيد الدور الذي يمكن أن تضطلع به هذه المراكز في طرح مرئيات خليجية لمواجهة التحديات المشتركة وتعزيز الأمن والاستقرار في جميع دول المجلس، وتقديمها إلى صانعي القرارات الاستراتيجية لدولنا كما تفعل حكومات الدول المتقدمة التي تتخذ قراراتها بناءً على دراسات وخطط قصيرة وطويلة المدى».
وتابع «إن المتغيرات التي تمر بها المنطقة اليوم تؤكد لنا أن الأمن الوطني لم يعد شأناً داخلياً بحتاً، إذ إن أغلب مخاطر ومهددات الأمن الوطني قد أصبحت عابرة للحدود، وأخص بالذكر منها: التنظيمات المتطرفة وأيديولوجيات التعصب التي تهدف إلى تمزيق النسيج الاجتماعي لدول مجلس التعاون، والتي أصبح من الضرورة مواجهتها برؤية سياسية واستراتيجية شاملة تعالج متطلبات الإصلاح، وتصون المجتمعات الخليجية من مخاطر التدخل الخارجي».
وأكد الدكتور محمد أن «دول المجلس تحتاج إلى تحديد «مفهوم استراتيجي» شامل كما تفعل الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي كل عشر سنوات، ومن ثم تطوير سياسات حقيقية للدفاع المشترك تكون قادرة على ردع التهديدات والعدوان الخارجي في إطار مظلة استراتيجية خليجية مستقلة واسعة».
أما على صعيد العمل الخليجي المشترك فقال الدكتور محمد إنه «لم يعد التعاون الذي مضى عليه ثلاثون سنة يفي بمواجهة الأخطار المحدقة بدول المجلس، لذا جاءت دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية الشقيقة في افتتاح قمة دول المجلس الثانية والثلاثين إلى الانتقال من حقبة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان واحد معبرة عن متطلبات هذه المرحلة الدقيقة التي نمر بها». مضيفاً أنه «جاء ترحيب مملكة البحرين بهذه الدعوة امتدادا لطموحات عبّر عنها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين عندما دعا إلى التفكير في دفع نظام التعاون لدول المجلس إلى مرحلة أكثر تطوراً في القمة الخليجية الثلاثين عام 2009، وفقاً لما تتفق عليه دول المجلس وللتأكيد أن تحقيق الوحدة الخليجية كان من أبرز الأهداف التي تسعى إليها مملكة البحرين». واختتم الدكتور محمد عبدالغفار كلمته بالقول إن «نص بيان استقلال البحرين، الذي تلاه المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة في 14 أغسطس 1971، على أن البحرين: «تبقي الباب مفتوحاً أمام أي مبادرة مستقبلية لتحقيق مشروع اتحادي يقوم على أسس دستورية سليمة». ولقد جاء هذا التأكيد في الأجواء السياسية التي عمت المنطقة لتكوين اتحاد لإمارات الخليج العربية».
تحديات الأمن الإقليمي لمجلس التعاون
«تحديات الأمن الإقليمي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية» هي عنوان كلمة صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، حيث أشاد في بداية كلمته بما يسعى إليه جلالة الملك حمد، وسمو ولي عهده، وسمو رئيس الوزراء لرأب الصدع بين أبناء شعب البحرين، وقال إن «بادرة لجنة تقصي الحقائق واستقلالية عملها وقرارها والتزام قيادة البحرين بتنفيذ توصياتها هي البلسم الذي سيشفي الجرح الدامي في هذا البلد الطيب». وأوضح قائلا «الشعبُ البحرينيلا نسيجٌ إنسانيٌّ فريدٌ جمعه التاريخ الطويل على أرض هذه الجزيرة لكي يستمر، كما كان دائماً، نبراساً للتعايش والتعاضد الحضاري بين أعراق شتى وديانات عديدة ومذاهب تجمعها كلمة (أنا بحريني)».
كما قال سمو الأمير إن «ما يواجه منطقتنا الخليجية من تحديات استراتيجية جراء ما يحدث من تحولات وتغيرات بنيوية في طبيعة العلاقات الدولية، التي تحتم التعامل معها بوعي وحرص شديدين لتجنب مخاطر هذه التحولات، وفي الوقت نفسه الاستفادة من الفرص التي قد توفرها لتعزيز أمننا واستقرارنا الداخلي والإقليمي».
وأوضح الفيصل أن «التحدي الأمني هو أخطر وأعقد ما يواجهنا من تحديات على المستوى الإقليمي، ورغم أن أمن منطقة الخليج هو قضيةُ أمنٍ دوليةٌ لأهميتها الاستراتيجية وأهمية مصادرها الطبيعية للعالم أجمع، فإن مسؤولية الحفاظ على أمنها واستقرارها تقع، أولاً وأخيراً، علينا نحن أبناء المنطقة دولاً وشعوباً، عرباً وعجماً، لأننا جميعاً أصحاب مصلحة في تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي».
وتابع أنه «كان الأمل يحدونا دائماً أن يكون التعاون والتنسيق بين الأطراف المعنية بأمن هذه المنطقة هو الخيار الأصلح للحفاظ على أمننا الإقليمي، بعد أن جربنا الغزو والحروب والصراع والتدخلات الخارجية خلال العقود الثلاثة الماضية، وما خلَّفته من تداعيات على الأمن الوطني والإقليمي على السواء».
وأكد سموه أن «خيار التعاون والتنسيق، هو السياسةَ الثابتةَ لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ تأسيس المجلس، لَكِنَّ شريكنا في مصلحة تحقيق أمن هذه المنطقة، على أسس سليمة تعود بالنفع على الجميع، اختار سياسةً أخرى تُعَرِّضُ الأمن الإقليمي لمخاطر دائمة تجلب التدخلات الأجنبية التي يريد التخلص منها بحسب ادعاءاته، وتُؤَجِّجُ المواجهات العسكرية التي يدَّعي أنه لا يرغب فيها، وتُربك الاستقرار في المنطقة والإقليم الذي يقول إنه يسعى لترسيخه، وتزيل الثقة بأهدافه ومخططاته التي يزعم أنها لخير المنطقة».
وقال سموه «كلنا نأمل أن تكون قيادة إيران إيجابيةً في تعاملها مع قضية أمن الخليج باعتبارها مصلحةً وطنيةً لها ولشعبها كما هي مصلحة لنا ولشعوبنا».
وأكد الفيصل قائلا «إن تَمَللاكَ السلاح النووي ليس ضمانةً لتحقيق هذا الأمن والاستقرار؛ بل هو مدعاةٌ للدخول في سباق تسلح ليس في مصلحة المنطقة، وفي الوقت نفسه سيكون هذا السلاح مدعاةً للتدخل الأجنبي غير الضروري الذي يرى أن مصلحته تكمن في الحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها لأهميتها له. وهنا فإن المسؤولية الكبرى تقع على إيران في مسألة الأمن الإقليمي لأنها هي مصدر التهديد الحالي له».
ولتعزيز الثقة بين دول ضفتي الخليج، قال الفيصل إنه حسبما أكد البيانُ الختاميلا لمؤتمر القمة لدول الخليج العربية الذي عُقد مؤخراً بالرياض، على القيادة الإيرانية «الكفلا عن تدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون، ومحاولة بث الفرقة، وإثارة الفتنة الطائفية بين مواطنيها، في انتهاك لسيادتها واستقلالها، والالتزام التام بمبادئ حسن الجوار، والاحترام المتبادل، والأعراف والقوانين والمواثيق الدولية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحل الخلافات بالطرق السلمية والحوار المباشر، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها، بما يكفل الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة». وفيما يتعلق بالملف الأمني فكل ما نطلبه هو: «التزام إيران بالتعاون التام مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والالتزام بمبادئ الشــرعية الدولية، وحل النزاعات بالطرق السلمية، وجعل منطقة الشرق الأوسط، بما فيها منطقة الخليج العربي، منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل والأسلحة النووية».
وأضاف سموه «إننا في دول مجلس التعاون لسنا طرفاً في النزاع الإيراني مع المجتمع الدولي حول برنامجها النووي، لكننا ملتزمون بشكل كامل بالشرعية والقوانين الدولية، لذا على إيران ألاّ تُؤَجِّجَ هذا النزاع، وعليها ألاّ تهددنا عندما نلتزم بالقرارات الأممية؛ لأننا لا نصغي إلى التهديد ونرفض افتعال المشاكل، وعليها تحييد مسألة أمن مضيق هرمز وأمن الطاقة الدولية عن هذا النزاع». وتابع «وفي هذا السياق فإذا رغبت إيران في حوارٍ صادقٍ بينها وبين دول المنطقة حول هذه القضية لضمان عدم جرنا إلى مواجهة مدمرة للجميع، فعلى القيادة الإيرانية أن تأتي مباشرة إلى قياداتنا؛ لا أن تلتفَ من خلف ظهورنا، وتتصلَ بفئات من شعوبنا لتزرع بذور الشك وتتسبب في إشعال الفتن. فإن صَفّت نيّتها فستجدُ أيديَنا ممدودةً وقلوبَنا مفتوحةً وعقولَنا مُرحَبةً».
وحول العراق بيّن الفيصل في كلمته أن العراق كان «الدولة» فاعلاً رئيساً في معادلة التوازن الإقليمي الخليجي، لكِنَّ إخراجه منها بسبب الغزو الأمريكي الخاطئ له أخلَّ بهذه المعادلة الضرورية لاستقرار الوضع الإقليمي، وأُتيحت لقيادة إيران فرصةٌ للشعور بتفوق استراتيجي عملت على استغلاله؛ باستخدامها لعامل الطائفية البغيض؛ لإبقاء عراقنا في وضع استقطاب طائفي يُهمش دوره ويجعله أداة من أدوات سياستها الخارجية؛ بل تابعاً لها. وأضاف: «خرج الأمريكيون منه، وبعد أن اعتقدنا أن القادة العراقيين قد حققوا بعض التقدم في إعادة بناء الدولة العراقية؛ ليعود العراق مستقلاً وفاعلاً إيجابياً في محيطه وإقليمه، وأن ديدن قادته سيكون المصالح الوطنية للعراقيين النابعة من الوطنية العراقية التي هي طموح العراقيين، نرى أن الطائفي في تفكيره لا يمكن أن يكون وطنياً في فعله، وبالتالي فإن الأوضاع في العراق سوف تسوء، وهذا ما لا نتمناه».
وفيما يتعلق باليمن قال الفيصل «إن عدم استقرار الأوضاع في اليمن يشكل أحد التحديات التي يواجهها أمننا الإقليمي وأمننا الوطني، وعلينا ألاّ نتجاهل هذا التحدي، وأن نسهم في مساعدة اليمن على تجاوز صعوباته ومشاكله، والتغلب على عوامل عدم الاستقرار الكامنة في تركيبته. إن استقرار اليمن مصلحةٌ وحاجةٌ استراتيجية لأمننا الإقليمي والوطني».
وأكد الفيصل إداراك قادة دول مجلس التعاون لهذه الحقيقة. مضيفاً «أن مبادرة المجلس إلى حل الأزمة السياسية الحالية في اليمن ليست إلاّ تجسيدٌ لهذا الإدراك». وتمنى الفيصل أن تنجح هذه المبادرة وتؤدي إلى وجود يمن مستقر، إلا أنه يشدد على أهمية صوغ استراتيجية دعمٍ مستدامةٍ للارتقاء بالحالة اليمنية وبالدولة اليمنية إلى مصاف دول المجلس، مما يُسهل اندماجها في تفاعلاته، ويجعلها رصيداً لأمنه واستقراره بدلاً من كونها عبئاً وتهديداً لهذا الأمن والاستقرار.
وأوضح الأمير تركي «إننا في دول مجلس التعاون منكشفون استراتيجياً في مجالات كثيرة: عسكرية واقتصادية وأمنية وسكانية وتنموية. وعلينا لنكون آمنين في أوطاننا أن نُحَصِّنَ جبهتنا الداخلية بمزيد من الإصلاح؛ إصلاح الخلل البنيوي في اقتصاداتنا لتكون اقتصاداتٍ وطنيةً يجني ثمرة ازدهارها مواطنونا، وترسيخ مفهوم المواطنة كأساس لعلاقة المواطن بالدولة، وتوسيع دائرة المشاركة في نظمنا السياسية، وكذلك عملُ كل ما يرقى بمجتمعاتنا وشعوبنا لتكون قادرةً على مواجهة كل أنواع التحديات السياسية والأمنية التي تفرضها الأوضاع الإقليمية».
واختتم الفيصل بقوله «لقد سعدنا جميعاً بدعوة خادم الحرمين الشريفين قادةَ دول مجلس التعاون، في قمتهم الأخيرة بالرياض، إلى تجاوز المرحلة السابقة من التعاون إلى مستوى الاتحاد، وسعدنا أيضاً باستجابة أصحاب الجلالة والسمو قادة المجلس لهذه الدعوة». موضحاً أن «السير في هذا المشروع والسعي لتحقيقه بالكيفية التي تُرضي وتُطمئن وتُحقق طموحات الجميع كفيل بتحويل منظومتنا إلى حصانة لأمننا الوطني وضمانة لأمننظرة باتجاه المستقبل..
من جانبه ألقى سعادة الأستاذ الدكتور محمد جابر الأنصاري مستشار جلالة الملك للشئون الثقافية والعلمية ورقة بعنوان «نظرة باتجاه المستقبل.. ملامح الصورة المتغيّرة»، جاء فيها «نحن نعيش في زمن المتغيرات والمستجدات، ولدى النظر في مسألة الأمن الوطني والأمن الاقليمي لدول مجلس التعاون، بمنطقة الخليج العربي، فإن المسلمات التقليدية لأمن المنطقة بحاجة إلى مراجعة وإعادة نظر. حيث كانت النظرة التقليدية لهذا الموضوع تتركز حول حماية الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الغربية لأمن المنطقة. وقد يكون ذلك صحيحاً حتى اللحظة الراهنة. لكنه عرضة للتغيير في المستقبل القريب».
وفيما يتعلق بإيران فيرى الأنصاري أنها «تسعى إلى دعم تلك التحركات المناوئة بالإعلام أو بغيره، وإيران جارة مسلمة وهي قوة باقية دائماً، لكن الفارق في طبيعة النظام الذي يحكمها. فإن جاء نظام يرغب في المشاركة في التنمية الجارية، وفي الرخاء الاقتصادي الذي تنشده شعوب المنطقة، فلابد أن يشجع التعايش السلمي بين دولها، وإيران دولة غنية بإمكانها الاسهام في مثل هذه التنمية السلمية. وان جاء نظام أيدولوجي يرغب في السيطرة بإثارة تلك المكونات في الجانب الآخر، فإن المواجهة هي قدر الجميع، ولن يكسب منها أحد».
كما يرى الأنصاري أنه «ثمة لاعب آخر جديد، بالنسبة لأمن الشرق الأوسط والخليج هو اللاعب التركي الذي من المبكر إصدار حكم نهائي على دوره الذي ينظر إليه البعض كموازن لقوة ايران، وفي البداية بدت تركيا قريبة من إيران، ولكن توالت ومؤشرات أخرى على حدوث تباعد بين القوتين يحرص الطرفان على عدم ظهوره للعلن. وتركيا التي تُطرح نموذجاً للتوافق بين الاسلام والعلمانية حفاظاً على الدولة المدنية القائمة، وهي مسألة مهمة عربياً للغاية في اللحظة الراهنة، ينبغي تأييده ودعمه عربياً وإسلامياً. (....) ومن المتوقع أن تقف تركيا إلى جانب دول مجلس التعاون نظراً لمصالحها الاقتصادية حيث نمو الاقتصاد التركي من البواعث للسياسة التركية».
وينتقل الأنصاري إلى الهند وباكستان، ليضيف أنه «نظراً لقرب كل من الهند وباكستان من منطقة الخليج العربي، فإن ذلك يجعل كلاً منهما في وضع جغرافي أفضل لمواجهة أية قوة تهدد الأمن الخليجي، وبإمكان البحريتان، الهندية والباكستانية ردع أي قوة أخرى تهدف إلى المساس بإحدى دول الخليج العربي». ويؤكد بأن «هذه مسألة جديرة بالاهتمام. ومن مصلحة دول الخليج تشجيع «التعددية» في الهند (.....) ففي الهند ملايين من المسلمين يفوقون سكان الخليج العربي عدداً، وهم أهل اعتدال وتوسط (.....) وربما كان من المفيد إقامة صلات طيبة معهم في سبيل تطوير «الإسلام المعاصر» في لحظة تاريخية يتصدى فيها «الإسلاميون العرب» لمسؤولية الحكم في عدد من البلاد العربية. هذا في الوقت الذي ينبغي فيه أن تحرص دول الخليج العربية على علاقات متوازنة مع باكستان المسلمة المتحمسة دوماً للحقوق العربية. وعلى الهند وباكستان الادراك ان استمرار الصراع بين أي طرفين مسألة غير مجدية للطرفين».
وفيما يتعلق بالصين كقوة صاعدة في الشرق، فيقول الدكتور الأنصاري أن الصين «هي المرشحة لأن ترث الولايات المتحدة في النفوذ الدولي، ولهذا السبب فقد طوقتها الولايات المتحدة بطوق عسكري استراتيجي. فمن الغرب الهند، وهي قوة صاعدة تنافس الصين، ومن الشرق اليابان، وهي قوة لا يستهان بها».
ويضيف الدكتور الأنصاري بأنه «يتحدث بعض خبراء الاستراتيجية عن تحالف روسي صيني إيراني «خفي» في الساحة الدولية. ويتمثل ذلك في الدعم الروسي والصيني للنظام السوري، وتلك مسالة استراتيجية بالغة الأهمية لإيران، إلا أن الموقف الروسي والصيني من دول الخليج العربية يمكن النظر اليه من وجهة بترولية وإقتصادية وتجارية فالمصالح الروسية والصينية مع هذه الدول، تتطلب موقفاً سياسياً داعماً، وذلك ما يعوّل عليه».
وقال أيضاً أن «ثمة معلومات ان المملكة العربية السعودية، كبرى دول مجلس التعاون، قد لوّحت بالورقة الصينية لواشنطن، قبل ارسال قوات «درع الجزيرة» إلى مملكة البحرين، وان بكين قد رحبت بإيجابية بالوفد السعودي، رفيع المستوى، الذي قصدها لهذا الغرض. وكانت الولايات المتحدة حينئذ متأرجحة في تقديرها ورؤيتها، ومدى دعمها بين طرفي النزاع، كما ان الموقف الروسي من أحداث البحرين يبدو أقرب إلى الموقف الخليجي الرسمي بين مؤشرات عدة».
ويختم الأنصاري بالقول «ان اعتماد دول الخليج على الذات في الدفاع عن نفسها هو غاية المطلوب، وقد أثبت مجلس التعاون لدول الخليج العربية قدرته الدفاعية، بالتعاون مع اصدقائه، في حرب تحرير دولة الكويت، ثم في حماية المنشآت الحيوية بمملكة البحرين بما مكّنها من تجاوز الأزمة».
الأهداف الاستراتيجية الخمسة
كما ألقى معالى الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية كلمة في حفل افتتاح المؤتمر أكد فيها «أهمية الترابط والتكامل والتنسيق والتعاون فيما بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية عند النظر في المسائل المتعلقة بالشؤون الأمنية ذات الأهمية سواء للأمن الوطني لدول المجلس أو الأمن الجماعي على حد سواء وهو ما تضمنه النظام الأساسي لمجلس التعاون في مادته الرابعة».
وأضاف «إن منهج الشراكة بين دول المجلس منهج عملي ليس لأنه يساعد على اقتراح الأفكار ووضع الحلول المناسبة لها، ولكن لأنه سيزيد من القوة العسكرية والاقتصادية لهذه الدول، كما أنه بمثابة ظاهرة إيجابية تبعث إشارة قوية، تعبر عن التضامن والعزيمة والوحدة الوطنية الخليجية، إلى الحلفاء والأصدقاء وكذلك إلى الخصوم».
وقال «لقد حددت دول مجلس التعاون خمسة أهداف استراتيجية رئيسية تعمل بجد ومثابرة من أجل تحقيقها تأكيداً لسعيها الحثيث نحو التعاون والترابط والتكامل المنشود، وهذه الأهداف ذات صلة وثيقة بمحاور هذا المؤتمر المهم». وبين أن «هدفنا الاستراتيجي الأول هو تحصين دول مجلس التعاون الخليجي ضد جميع المخاطر المتمثلة في: التهديدات الدولية مثل العدوان الخارجي، والإرهاب، والاضطرابات المدنية الداخلية، والأنشطة الإجرامية الخطيرة المنظمة العابرة للحدود الوطنية». وأكد على الحاجة إلى تعاون شامل وممنهج بين جميع الأطراف».
وبين أنه قد «اتخذت دول المجلس خطوات عديدة لتعزيز قدراتها في مجالات مختلفة مثل قوات «درع الجزيرة»، ومعالجة مسألة مراقبة المجال الجوي الخليجي ودفاعه، وتنسيق الأنشطة البحرية، والنظر في مسألة حماية دول المجلس ضد الإشعاع النووي سواء أكان الإشعاع متعمدا أو ناتجا عن حادث طارئ». كما يرى أنه «لا يزال هناك الكثير مما يمكن عمله في مجال التعاون العسكري».
كما تساءل الزياني حول «الإستراتيجية المعتمدة من الدول الصديقة في دعم دول المجلس لتوفير الأمن والاستقرار في هذه المنطقة، ومدى اعتماد دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على أصدقائها في توفير أمنها. كما تساءل حول «القدرات الإضافية المطلوبة إذا أراد مجلس التعاون لدول الخليج العربية أن يصبح أقل اعتمادا على الأصدقاء».
وفيما يتعلق بالهدف الاستراتيجي الثاني فأوضح الدكتور الزياني أنه يتعلق بزيادة النمو الاقتصادي المستدام. وأبدى الزياني ثقته بأنه ثمة «فوائد ومزايا عديدة يمكن تحقيقها إذا بادرت دول مجلس التعاون بالتحدث بصوت موحد اقتصادياً ومالياً». ويعتقد «أن الموقف الاقتصادي والمالي الموحد لدول المجلس سوف يعزز الأمن والاستقرار في دول المجلس، وإن الاقتصاد المتين والمزدهر من أهم عناصر القوة لدول المجلس على المستوى الوطني والإقليمي، ولذلك فينبغي على دول المجلس استخدام هذه القوة الاقتصادية لكي تحافظ على أمنها واستقرارها وتحقيق المزيد من النمو والتطور والرخاء». وأضاف «أن دول العالم تحترم هذه القوة الاقتصادية لدول المجلس وكذلك فرص النمو والازدهار الاقتصادي المتاحة فيها، ويمكن لها أن تكون مساهماً رئيسياً في هذا النمو مستفيدة من الحرية الاقتصادية المتوفرة».
أما الهدف الاستراتيجي الثالث فهو التشجيع والحفاظ على مستوى عال من التنمية البشرية. وقال الزياني أن «قادة دول المجلس قد أولوا هذا الهدف أهمية وخاصة واعتبروه من الأولويات، إيماناً منهم بأن الإنسان هو محور التنمية المنشودة وهو هدفها ووسيلتها أيضاً». مؤكداً بأن دول المجلس حرصت على الاستفادة من الملكات الإيجابية للطبيعة البشرية من أجل توفير متطلبات كل مواطن من مواطني دول المجلس، وسعت، وبكل السبل، إلى خدمة مواطنيها، ورفع مستواهم الاجتماعي وتحقيق تطلعاتهم واحتياجاتهم من خلال مجموعة من الإجراءات مثل القضاء على البطالة، وتوفير فرص عمل للشباب، وتوفير أفضل مستويات التعليم والرعاية الصحية والسكن والخدمات الاجتماعية وغيرها من الاحتياجات».
وقال أنه: «الرغم من كل ذلك، فإن هناك من المواطنين ممن يبدي تظلماً وتذمراً، مما يمكن أن يؤدي في النهاية إلى التوتر والمشاكل الأمنية»، حيث تساءل حول «العوامل المسببة لهذه التوترات أينما وجدت وكيف يمكن تخفيفها من خلال الاستجابة الخليجية المشتركة، وهل هناك سياسات تعليم مشتركة هادفة إلى تشجيع الاعتدال ونبذ التطرف والغلو؟ وهل نقوم بما يكفي لتشجيع المشاركة الإقليمية والدولية في مراكزنا التعليمية والجامعات لنفتح أمام شبابنا فرص الاستفادة من التواصل الثقافي والتفاهم المتبادل؟».
وأشار إلى أن «أية مراجعة أمنية لن تكتمل دون النظر في أمر «العنصر البشري»، أن أية خطة عمل يتم وضعها نتيجة لهذا المؤتمر يجب أن تشير إلى طريقة معالجة عنصر التنمية البشرية».
أما الهدف الاستراتيجي الرابع فهو يتعلق بالحيوية والقدرة على التعافي من المخاطر والتوعية بالأزمات وإدارتها. وأشار الزياني إلى «أن دول مجلس التعاون تتجه إلى البدء في تشغيل مركز خليجي لإدارة الطوارئ سوف يضطلع بدور هام في تنسيق جهود التعاون وقت السلم بالإضافة إلى انه سيصبح بمثابة نقطة محورية لأنشطة الدفاع المدني بدول المجلس لمواجهة الكوارث، وإنشاء مركز خليجي لرصد الإشعاعات النووية وذلك بسبب ازدياد الخطر الإشعاعي في المنطقة». وبيّن أن كلا المركزين مثالين ممتازين على كيفية تحول التنسيق والتعاون، فيما بين دول مجلس التعاون، إلى التكامل.
وحول الهدف الاستراتيجي الخامس المتعلق بتعزيز المكانة الدولية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، قال الزياني أنه «قد تم بذل جهود كثيرة لتحقيق هذا الهدف من خلال المساعدات والدعم المادي الذي تقدمه دول المجلس إلى العديد من الدول المحتاجة إقليمياً ودولياً، بالإضافة إلى مساهمة دول المجلس في معالجة العديد من الأزمات وحضورها الفعال والمساهمة بإيجابية في جميع القضايا التي ترتبط بالأمن والسلم الدوليين». وساق الدكتور الزياني في هذا الإطار التأييد والمساندة من قبل دول العالم والأمم المتحدة للمبادرة الخليجية لتسوية الأزمة اليمنية، والمشاركة في الجهود المبذولة من قبل جامعة الدول العربية في ليبيا وسوريا، الأمر الذي يؤكد دور الدبلوماسية الخليجية وفاعليتها في الساحة الإقليمية والدولية. كما تساءل حول «كيف يمكن المحافظة على فاعلية وتأثير دور دول المجلس على الساحة الدولية والإقليمية؟ وتطوير هذا الدور مستقبلاً؟ وهل الجهود الدبلوماسية التي تبذلها دول المجلس تعبر عن مكانة دول المجلس وتأثيرها على الساحة الدولية؟».
كما أكد أن «أي سياسة تتطلب مزيدا من التكامل والتواصل والتنسيق في المسائل المتعلقة بأمن دول مجلس التعاون إنما هي نتاج تطور طبيعي بعد مضي 30 عاما من إنشاء المجلس، وإن مثل هذه السياسة لن تكون رادعاً لطموحات الدول المعادية فحسب، بل إنها سوف تزيد من تعزيز الوضع الأمني القائم لدول المجلس وأمن الأشقاء والأصدقاء أيضا».
واختتم الزياني كلمته بالتذكير بأن «القوة الحقيقية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الاستعداد الدائم لمواجهة كافة المخاطر والذي بدوره سيزيد من قيمة «الردع»، وحتى تكون قيمة الردع موثوقة يجب على دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أن تتخذ خطوات جادة ومثالية في الدفاع عن مصالحها، إذا اقتضى الأمر، اعتمادا على نفسها وبمساعدة أقل من الأصدقاء».
مهددات أمن الخليج العربي
كما شارك الفريق ضاحي خلفان قائد عام شرطة دبي في حفل افتتاح المؤتمر بكلمة قال فيها إن هذا المؤتمر الهام يأتي في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى عقد اللقاءات والاجتماعات والندوات والمؤتمرات التي تشخص لنا الوضع في منطقة الخليج العربي، هذه المنطقة الهامة للغاية».
وقد تطرق القائد العام لشرطة دبي إلى العديد من المهددات لأمن الخليج العربي منها ما هو داخلي ومنها ما خارجي. وأوضح أنه من المهددات الخارجية هو تراجع ثقة شعوب دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالدور الأمريكي في المنطقة وتساؤلهم حول تحقيق مصالحهم وأمنهم.
ورأى أن التنمية في الوطن العربي سجلت تراجعًا في العديد من الدول العربية، وقد لا يكون هذا هو الحال في بعض دولنا الخليجية ولكن لا شك أن «البطالة» كانت ولا تزال همًا عربيًا وخليجيًا بالرغم من أن دول الخليج كان بمقدورها أن تتيح فرص تشغيل لأبنائها وُتحجم أعداد البطالة إلى أدنى مستوياتها، لكن ذلك لم يحدث، وأخذت البطالة تسير في تصاعد - لا تراجع - مما يعني أن البرامج الحكومية في دولنا لم تكن موجهة بالشكل المطلوب لعلاج هذه المشكلة.
كما أشار إلى أن من جملة التهديدات التي تواجه أمن مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الأطماع الإيرانية في الخليج، تأجيج النزاعات والخلافات الطائفية، عدم تجريم أفعال الكراهية، عدم سيادة القانون، الفساد المالي والإداري، عدم وجود ضمان اجتماعي، ضعف الانتماء الوطني، وفقدان الولاء.
كما أكد ضاحي بأن «الا تحاد لدول الخليج العربي غاية في الأهمية»، كما أن «السنوات الخمس القادمة وربما تكون سنوات «مخاض» على مستوى الأمن الخليجي من الناحية السياسية».