الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


النظر إلى جهةٍ واحدة

تاريخ النشر : الأربعاء ١٨ يناير ٢٠١٢

عبدالله خليفة



هل هم موجهون وكم استفادوا من عطايا عبر سياسة الضخ ولغة الدعاية لجهةٍ واحدة؟
وكم تضرر الناس من الهجوم على هذه الفئة وتلك منفردة معزولة عن التحليل الشامل الناقد؟
لماذا صرنا نعرف ماذا سيقول فلان قبل أن ينطق؟
لماذا صاروا أدوات وعرائس؟
هل من المعقول إن جهةً واحدة هي المسببة لكل المشكلات؟ لماذا لا نقول إن جذور المشكلات موجودة في كل الأطراف؟
لماذا لا تنشأ عقليات محللة تشخص المشكلات والتناقضات الاجتماعية وتحلها بأدواتِ الديمقراطية العصرية ومن يملك برنامجاً ناجعاً لحل المشكلات ليتقدم ويكسب الأصوات والمقاعد؟
من يقل إن هذه الوزارة فاشلة فليقدم الأدلة، ومن يقل انها ناجحة فليقدم الأدلة.
لماذا لا يقدمون شيئاً سواءً المعارضون أم الموافقون فالمسرح جامد لأن لا أحد يتقدم خطوة واحدة فهل هذه سياسة أم دعاية؟
من يرد أن يرث المسئولية ليقل ماذا يريد أن يقدم وكشوفه في فشلها؟ وكيف سيتجاوزها ويقنع المواطنين بها حتى يحصل على أغلبية؟
يبدو أن الكثيرين لا يملكون معرفة بالشيء الراهن، وهي حالة البلد، أو أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، والكل ينطلق من ذاته الكلية.
من يقل ان هذا الموظف ناجح فليقدم منجزاته بالأرقام، نحن نعيش في أوضاع راحت تتبدل منذ سنين لكن من دون كشوف دقيقة، عبر معرفة زيادة الأجور أو نقصانها وارتفاع الايجارات وأعداد الداخلين في سوق العمل وأعداد العاطلين ومستوى التضخم وحال العجز وأسبابه، وتزايد أعداد الأجانب واشتغالهم في السوق بطرق غير قانونية عبر الاستخدام العائلي غير المُراقب وحال الأرض الزراعية المنكمشة ومشكلات الميزانية والاقتصاد الخدمي والإسكان وغيرها من القضايا تحليلاً وتقديم أجوبة وحلول.
كل فريق أنشأ له عصبةً ما تردد شعاراته، ومن يتكلمون مع أو ضد نريدهم أن يقدموا الأدلة والأرقام على هذه الانجازات أو غيابها وكيفية التغيير بلغة موضوعية هادئة ليكسبوا أصوات الأغلبية ومن دون الأغلبية لا توجد حركة سياسية!
إنها حرب قبلية بصورة طائفية، والفريقان خارج العصر، ولا يعملان بشكل ديمقراطي.
لغة الصراع القبلي تعتمد على هذا، على كلمات مثل قبيلتي هي أفضل القبائل، هي قبيلة لا يدخلها العار أبداً، ولا توجد فيها نقيصة من النقائص، بل النقائص موجودة في القبائل الأخرى.
هكذا يتحدث المذهبي السياسي وقد جمع سلبيات من سبقوه من الذوات، لكن تغلف بكلمات سياسية عامة لا تفضي إلى تحليل وحوار حول البناء الاقتصادي السياسي.
نقول المذهبي السياسي ولا نقول السياسي الإسلامي، لأن المذهبيين كثيرون، في السنة مذهبيات سياسية متعددة، وهي كلها تقول إسلامي ولا تقول مذهبي مسيس للمذهب عبر هذا الفريق أو ذاك أو عبر هذا الشخص أو ذاك فهم كل شخوص ولكنهم يختزلون الأمة في ذواتهم المتضخمة، ولو قال السياسي ذلك لحدد طبيعة فهمه، ومستوى قراءته للإسلام، وكيف تشكلت هذه القراءة في فهم القرآن والسنة والتاريخ، وما هي ركائز هذه القراءة؟ فهي فرق دينية شكلها رجالٌ سواء في المذهب الاثني عشري أو الحنفي أو الزيدي أو المالكي أو الشافعي؟ فالتعميم دليل على الغياب.
لقد انبثقت من كل مذهب تيارات، فالاثناعشرية هي مدارس فكرية عديدة، ولا توجد مدرسة سياسية واحدة اسمها الاثناعشرية! وهي غير الإمامية التي تضم فرقاً أخرى.
هو صراع مذهبي من دون مقاربات سياسية للأوضاع وتحليل الظروف وإيجاد نقاط مشتركة.
فنحن نريد أن نعرف الأخطاء والانجازات السياسية والاقتصادية والصحية والتعليمية وغيرها وليس مذهبية المعارضة أو السياسات.
نحن ليست لنا علاقة بإيمان المسئول بل ببرامجه. نحن نناقشه كمواطنين وليس كطوائف، نحن نناقشه كاتجاهات سياسية وليس مندوبين عن فرق.
هم إذاً يكونون تيارات تسحبُ الناسَ بعصبية، وتزجهم في صراعاتٍ لا نعرفُ ما نتائجها، وكل فريقٍ يهيج جماعته، فإلى متى؟
العصبيات هي التي تكون عدم التوجه لحل القضايا، فهي تعرقل التوجه لمعرفة أسباب المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والاتفاق على حلها، بل تقسم الناس فرقاً حسب عقائدهم ليبدأوا صراعاً يمزقون وجودهم كبشر وليس كمؤمنين بهذه العقيدة أو تلك. لأن صلاتهم بالعقيدة اختلت لجعلهم الأمور ذاتية وليست موضوعية. وموجهة لتأييد أطراف بشرية من هذا المذهب أو ذاك وليس لدعم مواقف وبرامج مبدأية تركز في القضايا الاجتماعية فترتقي المذاهب والتيارات بالحوار حولها وتغييرها.
سيقول المذهبي السياسي أنتم الليبراليون والتقدميون تضخون في جهةٍ واحدة كذلك، وتؤيدون جهة واحدة بشكل مستمر، فلماذا لا تنقدونها؟
تنطبق قواعد التأييد والمعارضة حسب تلك المعايير الموضوعية في الديمقراطية، ولا شأن لها بموقف ذاتي، فالجهة الحكومية منقودة ومحللة تبعاً لوظيفتها ودورها، لا لشخوصها، ومن يخالف ذلك لا يمثل هذه المبادئ لكنه يستغلها ويموه بها.
تحريك المواقف من المذهبية للسياسة الاقتصادية الاجتماعية يجعل المذهبيين يقتربون من غيرهم، ويشكلون مواقف مشتركة، ويقتربون من التعبير عن طبقات لا عن طوائف فلا يمزقون الخريطة الوطنية ويتعاونون مع أنفسهم ومع غيرهم لحلحلة قضايا الناس المتوقفة من صراعاتهم.
الضخ والنفخ عقلية قديمة، وإذا كانت هي التي تؤسسن الوعي فهي تشحنه في جهتين متباعدتين ما تلبثا أن تتصادما، والعقلانية السياسية هي إلغاء للشحن وتوجيه الناس نحو إيجاد حلول للمشكلات وتكوين القواعد المشتركة للمواطنين المختلفين حول طرق البناء الاقتصادي الاجتماعي.