الجريدة اليومية الأولى في البحرين


عالم يتغير


معارضة البحرين لا تشبه أي معارضة في العالم

تاريخ النشر : السبت ١٩ يناير ٢٠١٢

فوزية رشيد



{ أزعم انني من خلال تجربتي السياسية والثقافية والحياتية العامة، التقيت وعايشت العديد من المعارضات والافكار، وفي بلدان عربية مختلفة، ولكنني وبكل صراحة وصدق وراحة ضمير، لم أعرف قط معارضة تشبه (الوفاق) أو حزب الله - البحرين وتشبه أتباعها أو قيادات الخارج. هذه الجمعيات التي تحتكر بين ما تحتكره في هذا الوطن المجني عليه بشدة ما جانبها تحتكر صفة المعارضة من دون وجه حق كأنها (ماركة مسجلة) لشركتها السياسية المحدودة، وكفرع لشركات احتكارية عقدية ــ سياسية أخرى، تمتد من لبنان الى العراق الى خلايا وحراكات في الخليج العربي، تعطي نفسها الحق وتمعن كل يوم في فرض هذا الاحتكار التعسفي واللاديمقراطي على الوعي المحلي والوعي الدولي، وتتجاهل عمدا ان هناك جمعيات سياسية وطنية قائمة، مشكلتها بالنسبة إلى حزب الله ــ البحرين انها وطنية، وانها اصلاحية بناءة، وانها تحمل الانتماء لهويتها ولعروبة خليجها، وبالتالي فإن الحملة المضادة من جانبها لهذه الجمعيات والمؤسسات المدنية والاهلية المخالفة لها هي نعتها عبر الوهم بأنها (موالية) والسلام، و«الوفاق» تعرف قبل غيرها حجم الكذب والتلفيق، فيما تدعيه سواء حول نفسها او حول المؤسسات والجمعيات السياسية الاخرى وبشكل لم نر له مثيلا، في أي بلد عربي أو اجنبي، اي ان تنفي جماعة كل الجماعات الاخرى.
{ هنا نجد ان معارضة لا وطنية بحسب الاحداث والوقائع، موالية للخارج، ولديها أجندة بات الطفل البحريني يعرفها، تبرئ نفسها عبر الشعارات والكلام، وتكتفي بذلك لتتهم المعارضة الوطنية والمنتمية إلى أرضها وإلى محيطها الخليجي والعربي، بأنها وبكل من تمثله من أطياف ومكونات، مجرد موالين و«بلطجية» ومرتزقة الخ... فأين الحق وأين الباطل في هذا؟ وهل هكذا هي الديمقراطية التي نفهمها؟ وفي هذا على حزب الله - البحرين وأتباعه «الذيليين» ان يصلحوا رؤاهم البدئية قبل كل شيء لكي يتمكنوا من ان يصلحوا مفاهيمهم وثقافتهم في الديمقراطية بعدها، وان يصلحوا سلوكاتهم وخطاباتهم، التي هي في الحقيقة تشوه الحقائق وتزيفها وتعوق الاصلاح الذي يحتاج اليه ابناء هذا الشعب، في هذه المرحلة الزمنية، بعيدا عن فبركات وأكاذيب وأوهام من يحمل أجندة مرتبطة بالخارج، ويدعي بعدها انه وحده المعارض ووحده ينشد الاصلاح والديمقراطية ويعمل لصالح الوطن، فيما الوقائع على الارض تثبت عكس ذلك تماما.
{ لم أر قط أيضا معارضة في أي مكان من العالم، بحسب ما رأيت وبحسب ما قرأت وتابعت، تجعل من مهمتها الاساسية هي القدرة او النجاح في (تلفيق المفاهيم) بما لا ينطبق على حقيقة وجودها، أي انها تظهر غير ما تبطن. حزب الله ــ البحرين ملأ الدنيا ضجيجا حول (الدولة المدنية) ومؤخرا (الليبرالية) فيما حقيقة تكوينه وثقافته العقدية والسياسية، هي الوصول إلى هدف (الدولة الدينية) او الثيوقراطية على شاكلة ما هو موجود في «طهران»، بل الارتباط بتلك الجمهورية بحسب الولاء العقدي للولي الفقيه، بل السعي الى جعل البحرين البؤرة الاولى لمشروع (البحرين الكبرى) الذي يريد اصحابه اقامة جمهوريات خليجية، مرتبطة ارتباط الابناء بالأم الايرانية. وهناك الكثير من الفيديوهات والتقارير والخطابات المتلفزة لأصحاب الربط والعقد، العاملين معا بحرينيا وخليجيا وعربيا (لبنان والعراق) وايرانيا لتحقيق الطموحات الصفوية الشيعية تلك في الخليج والمنطقة العربية، ولا يهمنا بعد ذلك، اي انكار او تمويه او تقية سياسية او تكذيب لذلك، فالحقيقة باتت واضحة كالشمس، وصاحب الحفل عارٍ ويعتقد انه بكامل اللباس.
{ لم أر قط أيضا معارضة تعمل خارج سياق المصلحتين الوطنية والشعبية، كهذه التي تدعي اليوم صفة المعارضة في البحرين، بل ليس لها من لعبة الا التحرك في اطار سياسة التأزيم الدائم، وضرب الاقتصاد والتنمية، وإحداث الشروخ في النسيج الاجتماعي، واستعادة خطاب تاريخي يقسم المواطنين معسكرين، يدفعهما ميدانيا الى الاحتراب، وضرب السلم الاهلي، ويتبنى العنف والتخريب ويدافع عنهما، ويصعد خطابه في ذلك تجاه ارهاب منظم ومسلح (بحسب الطبخة القادمة)، ثم ينكر كل ذلك وغيره كثير فقط وفقط بالكلام وبالشعارات، ويدعي بعدها ما ليس فيه من صفات ومواصفات، وفي هذا اشكالية كبيرة وابتلاء خطر للمجتمع البحريني، ليتمكن من مواجهة هذه الحالة المعقدة لمعارضة لا تشبهها اي معارضة في العالم اللهم الا تشكيلات «حزب الله» في لبنان وحزب الدعوة في العراق، وخلايا مماثلة في الخليج، وجمهورية ديكتاتورية الولي الفقيه في الشمال.
{ أزعم انني لم أر قط ايضا معارضة كالتي في البحرين قادرة على بث اطنان من الكراهية والاحقاد والضغائن والفرقة، عبر ما تتبناه من تطرف وعنف منحرفين عن الطبيعة البحرينية، وعبر ما تسلكه من سلوكات اقصائية لمكونات الشعب وأطيافه قاطبة، و(عبر تحركاتها ما بين أجندة السر وأجندة العلن) اللتين تفضحهما المواقف رغم كثرة الاقنعة وحيث الادوار فيها معقدة ومركبة وخلاف كل المعارضات في العالم. معارضة تتمدد كالاخطبوط في كل الوزارات والمؤسسات والمراكز الدينية وتخطط انتظارا للحظة الصفر للاستيلاء الفئوي على الوطن (وقد رأينا ذلك بأم أعيننا أثناء الازمة وبعد اعلان الجمهورية في الدوار) وما أعقب ذلك من أعمال على رأسها اعمال عنف وارهاب شاء الله ان يوقفها، والا كانت البحرين وكان هذا الشعب في حال يشبه حال العراق اليوم.
{ لم أر قط معارضة كالتي في البحرين، بضاعتها هي المظلومية الملتبسة بالتاريخ رغم كسادها بكل المقاييس على أرض الواقع، وحيث الظالم الحقيقي والمستبد الحقيقي والديكتاتوري والاقصائي وصاحب الهدف التخريبي (هو هذه المعارضة نفسها) ورغم ذلك تلقي بدائها على الدولة والشعب، وتنسل، وتقف خلف المنابر لتعكس لنفسها صورة وردية من جهة وديمقراطية واصلاحية وسلمية ووطنية من جهة ثانية وثورية حسينية من جهة ثالثة... الخ، وتملأ «العالم» ضجيجا وصخبا بكل ذلك وبحسب المقام.
{ هذه التي تسمي نفسها بالمعارضة في البحرين تحتاج اليوم ليس فقط الى نسف نفسها واعادة التشكيل ان تمكنت، بل الى محاسبة صارمة من كل فئات الشعب وأطيافه، لأنها بعد لم تتلق الصفعة التي تستحقها لا من الشعب ولا من الدولة جراء كل ما ارتكبته، ولاتزال ترتكبه في حق هذا الوطن وهذا الشعب وهذه الدولة.
{ هذه الفئة، رغم أطنان ادعاءاتها التي باتت مكشوفة للجميع، لاتزال تختبر صبر هذا الشعب وصبر الدولة، لمجرد انها تعول على الدعم الخارجي الذي يستخدمها لأغراضه الخاصة، هذه الفئة التي تسمي نفسها المعارضة في البحرين بحاجة الى دروس أولية في معنى الديمقراطية والاصلاح واحترام الارادة الشعبية، بعيدا عن اختزال تلك الارادة فئويا أو طائفيا وبشكل تعسفي.
هذه الفئة بحاجة الى دروس ايضا في الاخلاق بعد ان كبر ركام الكذب جراء ممارسة التقية ولوثة السياسة اللاأخلاقية، وكبر ركام التلفيق والتمويه وخداع العقل في الخطاب وفي السلوك وجر أتباعها الى حماقاتها. والبحرين ستكون بمأمن بعيدا عن هذه المعارضة التي لا تشبه اي معارضة سواء في الوطن العربي او في العالم، لأنها وحدها (نسيج سريالي خاص) يتخبط كل يوم بين ادعاءات المظلومية وادعاءات المدنية والليبرالية والديمقراطية والاصلاح ويمارس نقيض كل ذلك، فهل يصلح معه أي اصلاح للذات؟ أم ان المرض أصبح من المستعصيات وأورامه بحاجة الى البتر عبر جراحة صعبة؟