قضايا و آراء
بمناسبة الاحتفاء بالمنامة عاصمة للثقافة العربية
هل يحتفل الحديون بيوم الكبكب؟
تاريخ النشر : السبت ١٩ يناير ٢٠١٢
كثير من الأمم تحتفل بما له من شأن كبير في صلتهم وتأثيرهم في معاشهم، سواء أكان هذا التأثير من الناحية الغذائية أم من الناحية السياسية أم الوطنية أم القومية أم الاجتماعية.
ولعلي على يقين من ان الشعب الالماني اعتاد ان يحتفل بيوم اسمه يوم شراب «البيرة»، وكثير من المدن الالمانية تحتفل بهذا اليوم وخاصة منطقة «البيانز» وميونخ وبخاصة كل عام والشعب الفلسطيني يحتفل بيوم «قطف الزيتون» كل عام، وهو يوم مهم جدا في حياتهم، لان الزيتون يمثل لهم مكسبا جيدا ويدخل كعنصر مهم في دخلهم واقتصادهم بل هو مادة غذائية عظيمة يصنعون منه الزيوت الزيتونية اللذيذة. وقيل لي ان الهنود يحتفلون بقطف القطن، والقطن هنا مع التوابل سببا في استعمارا انجلترا للهند، حيث كان ينظر اليهما كمورد مهم للدخل يرفع من اقتصاد انجلترا بجانب ان القطن يدخل في الصناعات القطنية، كالملابس الداخلية والخارجية وغيرها فهو يستورد من الهند ثم يعاد تصديره ملابس راقية الى كل العالم، والامثلة في ذلك كثيرة.
تذكرت وأنا أكتب هذه الاسطر ان المرحوم احمد محمد جبر المسلم، كان رحمه الله، قد أسس شركة تجارية - أو هكذا فهمت - سماها شركة (الكبكب البحرينية).. وقد كان الاسم مدعاة للتندر عند البعض، ولكني قلت في ذلك الوقت ما العجب ان ينبري شخص مثقف عالي الهمة يمتلئ قلبه احساسا بالفخر بكل ما في وطنه من تراث وحضارة وموارد صيد طيبة على اختلاف اشكالها ويسمي شركته باسم يعبر عن مكنون احترامه لبعض ما يمثل هذا التراث او الغذاء التقليدي المهم؟
انني اليوم وفي موسم (الكبكب) او القبقب ادعو بكل قوة إلى ان يتحمس الحديون للاحتفال بيوم (الكبكب).. إذ عاشت الاجيال الحدية السابقة ردحا من الزمن اعتمادا على ما يصطادونه من البحر بل كان صيد البحر عماد حياتهم الغذائية والمادية.
واذا كان اللؤلؤ وصيده ومغاصاته قد وضع مدينة الحد على الخريطة التجارية في البحرين بشكل لا ينكره احد في بداية القرن الماضي، وقد ذهبت أيامه ولم يعد العهد الحاضر يعوّل على اللؤلؤ في اقتصاد البحرين ولا المنطقة كلها لما طرأ من انعدام في التحصيل، الا ان «الكبكب» باق في الساحة الغذائية البحرية رافعا عقيرته يتحدى الزمن وأكلاته تراثا شعبيا لا ينكر.
كما لا يخفى على الكثيرين ان الكبكب من المنتجات البحرية التي تتميز بطعم لذيذ، اذا اتقن طبخه، وكان الحديون كما ذكرت سابقا يعتمدون عليه في غذائهم، واقول الحديون تجاوزا، وانما في الحقيقة والواقع كل اهل جزيرة المحرق تقريبا بل البحرين عامة اذا استثنينا بعض الاجزاء منها الذين لديهم بعض التحفظ على أكله، ونحترم ونقدر لهم رأيهم في كل الاحوال.
وقد لا تلقى هذه الدعوة الالتفاتة الجيدة والاستماع الواجب لها عند البعض لانها في اعتقادهم ليست بذات اهمية ليقام لها احتفال، او مناسبة يعنى بتسجيلها والتحضير لها، لكنني اقول وبكل تأكيد ان الموضوع له أهميته، وخاصة ان وزيرة الثقافة والتراث الشيخة الفاضلة مي آل خليفة قد أعلنت ان هذا العام 2012، هو عام تكون فيه البحرين أو المنامة عاصمة للثقافة العربية، وتبدأ الفعاليات والانشطة بتاريخ 9/1/2012 كما أعلنت الوزيرة.
وأيضا أقول للذين قد يستهينون بالاهتمام بهذه الدعوة ويقللون من شأنها، اي الاحتفال بيوم الكبكب، انظروا كيف تعتدي اسرائيل على الاكلات الشعبية الفلسطينية ذات التراث العربي الشامي التقليدي المعروف مثل «التبولة» او «الحمص» او الملابس النسائية المطرزة ذات الصبغة والشكل التراثي العربي الجميل لتسرقها وتجعلها تراثا يهوديا وتبذل من أجل ذلك مصاريف هائلة للإعلام لتكون معروفة لدى المجتمعات الاوروبية انها جزء من حضارة بني اسرائيل، مما دفع لبنان إلى ان يتصدى لهذه الظاهرة على الاقل في مجال واحد وربما اكثر فقد صنع اكبر صحن للتبولة، ليدخل به موسوعة جينس يطيح به ادعاء اسرائيل وملكيتها هذا التراث الغذائي الصحي الرائع.
والذين يستصغرون هذه الدعوة ينسون ما يبديه ابناء الجاليات الآسيوية كاليابانيين والكوريين والفلبينيين وغيرهم في بلادنا من التهافت على لمه وجمعه والحصول عليه من الاسواق والفنادق الكبيرة اليوم تعمل جاهدة لتحصل عليه من باعته وتقدمه لزبائنها بأغلى الاثمان. وقد اصبح الكبكب يباع في الاسواق ليس بالعدد كما كان وانما بالوزن، اي بالكيلو مما تسبب في صعوبة شرائه من ذوي الدخل المحدود.
والمشكلة ان المهنيين «الحداقة» او البحارة الحديين معظمهم قد تخلوا عن مهن اجدادهم التقليدية، وهذا بلا شك شيء طبيعي بحكم التطور في الحياة المعيشية وتقدم التعليم، وقد اصبح اصطياد الكباكب من قبيل الترفيه والرحلات البحرية السياحية في ايام العطل وايام عطل نهاية الاسبوع بالنسبة إليهم.
وقد تركوا هذه المهن للآسيويين، للبنغال على وجه التحديد، مكتفين بالمناصفة معهم في الدخل. وبعض البنغال ليس عندهم اي اعتبار للبيئة وحماية المخلوقات البحرية النادرة والشعب المرجانية، مشكلين خطرا كبيرا على البيئة البحرية، مناشدا المسئولين الالتفات واعطاء هذا الموضوع اهميته لايقاف هذا العبث الخطر.
واعود الى موضوعي فأقترح ان يبادر نادي الساحل في الحد إلى دراسة الموضوع وتفاصيله بالتعاون مع الاخ سلمان بن هندي محافظ المحرق ولا أشك انه يسعى إلى إنجاح مناسبة كهذه بمستوى يتماشى مع احتفالات البحرين بالتراث والحضارة في عام تعتبر فيه المنامة عاصمة التراث والحضارة العربية.
وقد يقول البعض: لماذا لا نحتفل بيوم قطف او جني الرطب او صنع التمور.. والبحرين معروفة بأم المليون نخلة.. ولها شهرة جيدة في زراعة النخيل والبساتين وحلاوة رطبها بأنواعه؟ وجوابي، بكل سعادة وسرور.. فالجزء الشمالي من البحرين وما يطلق عليه اليوم المحافظة الشمالية المعروفة بزراعة النخيل مدعوة لتنهض بمثل هذا الاحتفال او ما يشبهه.. أقول «وفي ذلك فليتنافس المتنافسون».
وبقي أن أقول إن الشعوب الحية هي الشعوب التي تهتم بالتقاليد وأعرافها ودينها وحضارتها وتراثها، وهذه كلها مجتمعة تكون هويتها، فهي بالتالي لا تفرط في هذه المكونات بل تبذل جهدا كبيرا للمحافظة عليها وترعاها حتى لا تضيع منها فتضيع أصالتها بل وجودها.. والبحرين لها ماض معروف وتاريخ وحضارة ولشعبها تقاليد وأعراف وتراث في كل جانب من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية على مختلف الازمان.. ونحن اليوم أمام فرصة ثمينة ان نثبت للعالم اننا نستحق أن تكون المنامة عاصمة للثقافة العربية لهذا العام بكل جدارة وامتياز.