قضايا و آراء
لا يفل الحديد إلا الحديد وبقوة القانون
تاريخ النشر : السبت ١٩ يناير ٢٠١٢
المنطق السليم يقول إن أي دولة في العالم تقصر في تحديث تشريعاتها، أو تهمل في تنفيذ قوانينها أو تتقاعس في تطبيق قواعد أنظمة إدارة شئون شعبها، تعم الشرور مجتمعها، ويختلط الخير بالشر بين أفرادها بحيث يصعب على أجهزتها السيطرة على سلوكات مواطنيها أو وافديها ممن يضمر حقدا ويريد شرا بالمجتمع، ولذلك تكثر الجرائم، وتفسد الأخلاق، ويضيع الاستقرار، وتختل موازين الأمن، ويغيب العدل، وتنتشر النشاطات المنحرفة، والتصرفات غير السوية، مما يحول حالة الأكثرية المسالمة والآمنة إلى خوف دائم وشعور محبط بعدم الطمأنينة نتيجة الإحساس المتواصل بضياع الأمان والاستقرار وضبابية المستقبل.
مع احترامنا وتقديرنا لجميع معالجات الدولة لإعادة النظام والاستقرار في ربوع البلاد، والتخلص من الفوضى الفئوية التي ابتدأت نيرانها في شهري فبراير ومارس 2011 وعمت تبعاتها الساحة البحرينية بمجملها، ولكن إذا لم يصل مستوى هذا العلاج إلى ذلك النوع من العقاب المشدد الرادع الذي يحول دون تكرار أو مواصلة هذه الفوضى العارمة فإن كل جهود الدولة باختلاف مقاصدها سوف تذهب سدى.
إن محاولات البحرين واجتهادها في الحفاظ على الأمن ومكافحة مثل هذه الأعمال الشيطانية أعطيا الجميع انطباعا واضحا بأن الجهة القضائية مجرد أن تصدر أحكامها بالعقوبة المناسبة لمثل هذه التصرفات الرعناء، إلا ويتبعها بوقت لا يطول إصدار العفو تلو العفو كبادرة حسن نية لهذه المجموعات الخارجة عن القانون التي لا تستحق مثل هذا العفو الكريم. والأكثر غرابة في ذلك ان هذه المجموعات لا تقدر قيمة هذا العفو ورقي هذا التسامح اعتقادا منها أنهما صادران من جانب ضعيف ليس لديه القدرة والقوة والجدية للوقوف ضد هذه الأعمال التخريبية، وبالتالي تواصل تحركاتها وسلوكاتها وتصرفاتها السيئة السمعة على مختلف الأصعدة وفي جميع الأوقات والأماكن مبررة ذلك بأنها على حق والآخرين على باطل!
من هنا نقول إنه لا يفل هذه الأعمال السيئة إلا تطبيق أشد العقوبات الشرعية الرادعة على مرتكبيها، وإنفاذ أحكام مواد قانون العقوبات بصورة مشددة وقوية ورادعة فهي وحدها التي تستطيع أن تعالج مختلف السلوكات المنحرفة أيا كان مصدرها، لأن في هذه العقوبات المشددة عبرة وعظة للآخرين حتى لا يحذوا حذو هذه المجموعات الخارجة عن كل التقاليد والأعراف التي جبل عليها المجتمع البحريني المسالم الآمن منذ القدم، إذ إن عدم الاهتمام أو اللامبالاة في تطبيق مواد القوانين الرادعة سوف يحول المجتمع المدني إلى غابة موحشة ينفلت فيها زمام الأمور وتطغى عناصر الفوضى على عناصر الانضباط ويكون الضحية في هذا المناخ الملوث هو انكسار أمن واستقرار المجتمع بكل فئاته وطوائفه ومن يعيش على أرضه.
إن مواد قوانين جرائم أمن الدولة ومكافحة الفساد والإرهاب متى ما فعلت وتم تطبيقها بجدية وحزم وعدالة على المخالفين والفوضويين والفاسدين من أي فئة أو طائفة، ستكون هي المعيار الأهم والمحك الصحيح الذي سيحكم جدية إدارة الأزمات ومعالجة الأحداث الإرهابية، وحينها ستسقط كل المبررات الواهية التي توصف الدولة بأنها ضعيفة وليس في إمكانها وقدرتها معالجة مثل هذه الأمور، بل إن عالم المكرمات والعفو والتسامح اللين سيكون في عالم النسيان، وبهذا الأسلوب وليس غيره ستقتنع الأغلبية الآمنة المسالمة بأن الدولة ملتزمة تطبيق مواد القوانين وتنفيذ القرارات الصارمة، وعندها ستزيد قناعة المواطنين بأن لا مجال إطلاقا للمحاباة أو التعاطف مع من تسول إليه نفسه افتعال الفوضى واختلاق المشاكل بقصد زعزعة السلم الأهلي.
إن السلطة التشريعية ممثلة في مجلس النواب خاصة تحمل على أكتافها أهم مسئولية في هذه الظروف وهي تقوية عقوبات القوانين والتشريعات الضرورية اللازمة لمعالجة مختلف شوائب المجتمع خاصة تلك القوانين المتعلقة بالجرائم الكبرى مثل الإرهاب وعمليات تمويله، وغسل الأموال، والتسبب في قتل النفس البريئة، وسد الطرق، وإتلاف مكونات الدولة من مؤسسات المجتمع المدني وغير ذلك، فكل هذه الجرائم لابد لها من عقوبات رادعة شديدة التأثير في النفس من أجل تقويم اعوجاج نفسية مجموعات ضلت الطريق وامتهنت العبث بممتلكات الوطن وانحرفت عن جادة الصواب واتخذت طريقا مغايرا عن طريق الأغلبية بمحاولاتها الدؤوب تأزيم مناخ المجتمع وتعكير أمنه واستقراره وتشويه سلامته الوطنية، والعمل على بث الرعب في قلوب بقية طوائفه.
يأخذ الكثير من المواطنين على السلطة التشريعية تقاعسها خلال سنواتها التشريعية الماضية عن إقرار ودعم القوانين المناسبة لمعالجة الكثير من حالات الفساد في القطاعين العام والخاص، وعن تباطئها في إلزام السلطة التنفيذية بمعاقبة المتسببين فيها، كما يؤخذ عليها أنها ركزت اهتمامها في أمور ثانوية لا ترقى إلى مستوى المرحلة تاركة المجتمع يندب حظه على هذا القصور وهو الذي كان يأمل أن تأخذ هذه السلطة بيده وتعزز آماله في إقرار القوانين التي تضمن العدالة للجميع وتنشر الأمن وتعاقب المنحرفين وتحافظ على حقوق المهضومين.
إن تطبيق القانون وتنفيذ مواده بكل شفافية وجدية هما الحل الأنجع والوحيد الذي لا بديل له لمكافحة مختلف جرائم الحق العام، ذلك ان الكثير من المواطنين لا يغفر للسلطة التشريعية بحكم مسئوليتها عن إقرار التشريعات ورقابة الأداء تباطؤها عن أداء مسئوليتها التشريعية والرقابية، وفي تصوره ان نتائج أعمالها لا يرقى إلى مستوى تلبية حاجات المجتمع الملحة، لأن أعضاء هذه السلطة أهدروا وقتهم وجهدهم في طرح الأسئلة غير الضرورية على الوزراء مما أشغلتهم عن أداء مهامهم التنفيذية التي هي عصب برامج الدولة التنموية، كما أضاعوا الوقت في حل صراعات مفتعلة بين الأعضاء، بل حتى الاقتراحات برغبات لم ترق إلى ذلك المستوى المؤمل في استكمال نواقص التشريع وفعالية الرقابة على المفاسد، وأصبح الوقت مهدورا إما في حل تصادمات طائفية بين الأعضاء، وإما توجيه أسئلة ليست بذات الأهمية، وإما تقديم رغبات حول مسائل ثانوية كمطالبة بعضهم رفع رواتبهم وتحسين مكافآتهم وزيادة مميزاتهم من دون تردد أو خجل أو حتى استيعاب مسئوليتهم الوطنية وإدراك واجبهم التشريعي والرقابي نحو الارتقاء بأعمال المجلس ليكون الحاضن والراعي لحقوق من انتخبهم وجاء بهم إلى المجلس.
ومع ذلك فهناك تحرك نشط إيجابي يمكن التنويه به حول ما تقوم به لجنة الشئون الخارجية والدفاع والأمن الوطني بالمجلس من تفعيل وتصحيح بعض أحكام قانون العقوبات باعتباره مسعى محمودا وجهدا تشكر له لأنه جاء في الوقت المناسب الذي تحتاج إليه كل أطياف المجتمع ليكون درعا قوية تحول دون استشراء الفساد وتعميم الفوضى من قبل مجموعات باعت ضمائرها للغير بأثمان بخسة واتخذت طريق التدمير بدل التعمير وجعلت من تحطيم الآمال وتخريب المنجزات منهجها. وفي هذه اللحظات الصعبة ما أحوج الوطن إلى التكاتف وشحذ الهمم من أجل إصلاح نظم وإقرار وتفعيل قوانين جادة ورادعة تلامس التمنيات الصادقة يكون فيها علاج شاف لقضايا الفساد والإرهاب التي ازداد وطؤها وتحولت إلى مسمار غائر في جسم الوطن.
كلمة أخيرة نوجهها إلى من يعنيهم الأمر أنه إذا أريد لهذا المجتمع أن يعيش مطمئنا ومستقرا وآمنا فلابد من إنفاذ القانون واستخدام أدواته بحزم وشدة وعدالة، وأن توضع أحكامه موضع التنفيذ الحاسم على كل فاسد أو مخل بالنظام أو مرتكب جرائم أمنية أو منتهك أعراف وتقاليد الوطن خاصة ما تعلق منها بالسلامة الوطنية. وحتى يكون مسار العدالة بين البشر مقنعا يجب معاقبة الناس على ما ارتكبوه من أعمال وليس أخذ البريء بجريرة المفسد، فالقانون وحده وجدية تنفيذ أحكامه هما مفتاح الأمن والأمان في أي مجتمع ينشد الديمقراطية وعدالة الحكم.