أخبار البحرين
حتى يستوعب الجميع التعديلات الدستورية الجديدة
«أخبار الخليج» تنشر المذكرة التفسيرية بالكامل (1 - 2)
تاريخ النشر : الجمعة ٢٠ يناير ٢٠١٢
مسألة التعديلات الدستورية التي أعلنها مؤخرا حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى.. والتي أحالها بالفعل صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء إلى مجلس النواب سيعقد المجلس من أجلها جلسة خاصة بعد غد (الأحد) لاستصدار قرار بإحالتها إلى لجنة الشئون التشريعية والقانونية بالمجلس بعد أن يعرض رئيس مجلس النواب خلال هذه الجلسة الخاصة بيانا شارحا لشأن الطلب بتعديل الدستور.
بعد ذلك ستعقد لجنة الشئون التشريعية والقانونية تقريرا عن طلب التعديل خلال 15 يوما من تاريخ إحالة مشروع التعديلات إليها بحيث يتضمن التقرير رأي اللجنة في مبدأ التعديل علاوة على صياغة مشروع المواد المقترح تعديلها أو إضافتها في حالة موافقتها أولا على مبدأ التعديل.. ثم تقوم اللجنة بتلاوة مشروع تقريرها بشأن التعديل في جلسة خاصة يحضرها ثلثا أعضاء اللجنة على الأقل قبل تقديمه إلى المجلس، وتجب موافقة أغلبية أعضاء اللجنة بعد مناقشتها طبقا للمادة 88 من اللائحة الداخلية للمجلس.
بعد ذلك سيحدد مجلس النواب جلسة خاصة للنظر في تقرير لجنة الشئون التشريعية والقانونية بشأن تعديل الدستور خلال مدة لا تزيد على 15 يوما من تاريخ تقديمه إلى رئيس المجلس، ويتلى في الجلسة تقرير اللجنة قبل مناقشته ثم يفتح باب المناقشة للأعضاء بشأن طلب التعديل، ويجري التصويت على طلب التعديل الدستوري نداء بالاسم، ويصدر قرار المجلس بالموافقة على التعديل بأغلبية ثلثي عدد أعضائه.. أي 27 عضوا على الأقل بحسب المادة (120) من الدستور والمادة (89) من اللائحة الداخلية لمجلس النواب.. وإذا وافق المجلس على طلب التعديل وعلى المواد المعدلة يقوم رئيس المجلس بإخطار رئيس مجلس الشورى بذلك لعرض التعديل على المجلس لاتخاذ الإجراءات المقررة في هذا الشأن بحسب المادة (92) من اللائحة الداخلية للمجلس.
هذا بالضبط هو ما أفاد به الدكتور صالح إبراهيم الغثيث رئيس هيئة المستشارين القانونيين في مذكرة شارحة بعث بها إلى السيد رئيس مجلس النواب.
المذكرة التفسيرية
والآن.. ونظرا لأن هذه التعديلات الدستورية تعد عملا تاريخيا مهما وكبيرا.. إذ إن هذه التعديلات تشمل تعديل 19 مادة من الدستور دفعة واحدة علاوة على إضافة فقرة جديدة إلى كل من المادتين (46) و(65) من الدستور.. فإننا في «أخبار الخليج» نرى ضرورة إشراك الرأي العام في هذا الحدث التاريخي المهم وتمكينه من متابعة المراحل التي يمر بها هذا التعديل واطلاعه على كل ما يدور أولا بأول.. إضافة إلى الشرح الكافي لكل خطوة.
ونظرا إلى أن المذكرة التفسيرية هي بالدرجة الأولى شارحة للنصوص المقدمة ومن الصعب جدا فهم النصوص بغيرها.. إضافة إلى كونها تأخذ ذات الصفة الإلزامية للدستور.. وهذه المذكرة سوف تكون جزءا مرفقا بالمذكرة الحالية للدستور ومكملة لها.. إضافة إلى كونها تقوم بالتوضيح المفصل لكل الأهداف والمبررات الداعية إلى التعديلات المقترحة وكلها تعديلات تاريخية.. فإننا نرى لزاما علينا نشر النص الكامل لهذه المذكرة التفسيرية للتعديلات الجديدة.
ولما كانت المذكرة التفسيرية طويلة وتتكون من 25 صفحة مطبوعة فإننا رأينا نشرها على يومين متتاليين.. وفيما يلي نقدم الجزء الأول من المذكرة.
مقدمة للمذكرة التفسيرية
نص الدستور في الفقرة (أ) من المادة (35) على حق الملك في اقتراح تعديل الدستور، كما أعطى هذا الحق لخمسة عشر عضوا من مجلس الشورى أو من مجلس النواب، على أن يتضمن اقتراح التعديل تحديد المواد المطلوب حذفها أو إضافتها أو تغيير أحكامها مع بيان المبررات الداعية إلى ذلك. ويشترط لإقرار التعديل موافقة ثلثي أعضاء كل من مجلسي الشورى والنواب وتصديق الملك الذي يعتبر تصديقا حاسما وشرطا لازما لإقراره، لا يستطيع المجلس الوطني تجاوزه. ولقد حظر البند (ج) من المادة (120) اقتراح تعديل المادة الثانية من الدستور والنظام الملكي ومبدأ الحكم الوراثي ونظام المجلسين ومبادئ الحرية والمساواة المقررة في الدستور.
ونتيجة للتطورات السياسية التي مرت بها الدولة في هذه المرحلة، وأمام الرغبة الملكية في تحقيق تقدمها ورقيها وتطوير نظامها السياسي بما يحقق لها مزيداً من الديمقراطية السليمة التي تتفق مع الأسس الديمقراطية التي يتجه إليها العالم في الوقت الحاضر، فقد تمت الدعوة إلى حوار للتوافق الوطني لدراسة التطورات التي يمر بها المجتمع واقتراح المبادئ العامة التي تسجل أصول تطوره من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ولقد أسفر حوار التوافق الوطني عن المرئيات التي يراها لتحقيق أهدافه، واحتلت قضية الإصلاح الدستوري أولوية متقدمة في هذه المرئيات التي طرحت لتعديل الدستور، انطلاقا من الدستور القائم الذي يضع إطارا واضحا لنظام سياسي يقوم على الفصل بين السلطات، ويكفل حرية الاعتقاد والتعبير والانتخاب، ويرعى في عناية كبيرة حقوق الإنسان، ويقوم على تعدد الجمعيات السياسية والحق في تكوين النقابات والجمعيات، وضمان حرية الصحافة والإعلام. وذلك كله في إطار ما ورد في ميثاق العمل الوطني من مبادئ ملزمة تتضمن عددا من الثوابت الوطنية التي لا يجوز المساس بها أو تعديلها، بحيث يقتصر التعديل على غير هذه الثوابت سواء تعلقت بالسلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية من دون مخالفة أو خروج على ما قرره الميثاق من ضوابط واضحة.
وتخلص الثوابت الوطنية التي أكدها الميثاق في: تأكيد الصفة العقدية التي وضع بها الدستور بحيث لا يجوز تعديله إلا بإرادة مشتركة من الشعب والملك وهو ما يعطي الحق للملك والسلطة التشريعية في اقتراح إجراء التعديلات اللازمة وفقا للإجراءات التي نص عليها الدستور. وأيضا في الأخذ بنظام المجلسين النيابيين بحيث لا يجوز أن يتضمن التعديل الأخذ بنظام المجلس الواحد، وإن جاز له ؟ بما يتضمن خروجا أو مخالفة للضوابط الواضحة التي تضمنها الميثاق ؟ إعادة النظر في صلاحيات مجلس النواب وإمكان زيادة اختصاصاته الرقابية، وإعادة تنظيم العلاقة بين السلطة التشريعية بمجلسيها والسلطة التنفيذية بما يحقق مزيدا من التوازن بينهما ويعظم دور مجلس النواب في الرقابة والمساءلة، والأخذ بمزيد من المظاهر البرلمانية التي سبق أن دعمها الدستور القائم إلى جوار المظاهر الرئاسية التي نص عليها.
وتعرض هذه المذكرة التفسيرية الأهداف التي قامت عليها التعديلات الدستورية، والمواد التي تم تعديلها لتحقيق هذه الأهداف، ويعتبر ما ورد في هذه المذكرة من أهداف وإيضاحات للمواد المعدلة معدلا لما ورد في المذكرة التفسيرية للدستور القائم.
الفرع الأول
الأهداف التي قامت عليها التعديلات الدستورية
أمام الرغبة الملكية في تحقيق تقدم ورقي مملكة البحرين وتطوير نظامها السياسي بما يحقق مزيدا من الديمقراطية وفي إطار ما انتهى إليه حوار التوافق الوطني، فلقد طلب الملك وفقا لأحكام المادة (35/أ) إجراء تعديل على الدستور القائم. وتمثلت الأهداف التي قامت عليها هذه التعديلات فيما يلي:
أولا: زيادة مظاهر النظام البرلماني في نظام الحكم:
وفقا لما ورد في الدستور القائم ومذكرته التفسيرية وما يتفق مع المبادئ التي تضمنها الميثاق فإن النظام الذي تأخذ به مملكة البحرين نظام مختلط يقف وسطا بين النظامين البرلماني والرئاسي، ترتكز المشروعية فيه إلى الإرادة السياسية التي يتم التعبير عنها بالاقتراع العام من خلال الانتخابات البرلمانية والاستفتاءات التي يلجأ إليها الملك في القوانين والقضايا المهمة التي تتصل بمصالح البلاد العليا، وأن التعديلات الدستورية لا تهدف إلى الأخذ بنظام برلماني مطلق، إنما إلى الأخذ بمزيد من المظاهر البرلمانية، ذلك في إطار ما ورد في الميثاق تحت عنوان نظام الحكم من أن «... (الملك) هو رأس الدولة، وذاته مصونة لا تمس، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو رمز استقلال البلاد، والركيزة الأساسية التي يرتكز عليها نظام الحكم في دولة البحرين. ويباشر (الملك) سلطاته بواسطة وزرائه، والوزراء مسئولون أمام (الملك) وهو الذي يعين رئيس مجلس الوزراء والوزراء، ويعفيهم من مناصبهم، وفقا لسلطاته المبينة في الدستور».
وفي هذا الإطار الذي ورد في الميثاق، فإن الدستور القائم قد جعل للملك مكانة مهمة، حيث أفرد له فصلا كاملا نص فيه على هذه المكانة، فهو الممثل الأسمى للدولة، ورمز الوحدة الوطنية، وحامي الدين والوطن، ويتولى حماية شرعية نظام الحكم، وسيادة الدستور والقانون، ورعاية حقوق وحريات الأفراد والهيئات، وهو رئيس السلطة التنفيذية يباشر اختصاصاته فيها إما بنفسه بصورة مباشرة عن طريق الأوامر الملكية أو بواسطة وزرائه عن طريق المراسيم.
ولقد حرصت هذه التعديلات التي تمت على الدستور القائم على الحفاظ على هذه المكانة التي قررها الميثاق للملك، وعززت في إطارها المظاهر البرلمانية لنظام الحكم.
ثانيا: إعادة تنظيم العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية بما يحقق مزيدا من التوازن بينهما:
في إطار ما استقر عليه حوار التوافق الوطني، فقد حرصت التعديلات الدستورية على إعادة تنظيم العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية بما يحقق مزيدا من التوازن بينهما.
ولقد تضمنت التعديلات التي وردت على الدستور في هذا الشأن: إضافة ضمانات جديدة تطبق عند استخدام الملك حقه في حل مجلس النواب وتعيين أعضاء مجلس الشورى، وتعزيز دور السلطة التشريعية في منح الثقة للحكومة التي يختارها الملك، وإضافة ضمانات جديدة لتحقيق مشاركة مجلس النواب مجتمعا عند مناقشة الاستجوابات التي توجه إلى الوزراء، وتفعيل دور مجلس النواب في تقرير عدم امكانية التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، وتحديد فترة زمنية لإبداء الحكومة أسباب تعذر الأخذ بالرغبات التي يبديها مجلس النواب، ومنح مجلس النواب حق طلب المناقشة العامة، وزيادة المدة المقررة للمجلس الوطني بجناحيه الشورى والنواب للبت في مشروعات القوانين التي تنظم موضوعات اقتصادية إذا طلبت الحكومة نظرها بصفة مستعجلة، وتفعيل دور الجهة المختصة بمهام الإفتاء القانوني وإعداد التشريعيات لوضع اقتراحات التعديلات الدستورية واقتراح القوانين في صيغة مشروع تعديل للدستور أو مشروع القانون وتحديد مدة زمنية لإحالة هذه المشروعات إلى المجلس الذي ورد منه الاقتراح، ووضع قواعد خاصة لإعداد الميزانية من المجلسين بما يمكن من العمل بالميزانية الجديدة في بداية السنة المالية وبما لا يسمح بإصدار الميزانية أكثر من سنتين ماليتين.
إعادة تنظيم مجلسي الشورى والنواب
ثالثا: إعادة تنظيم كل من مجلسي الشورى والنواب بما يعطي دوراً أكبر لمجلس النواب، ويحقق الاختيار الأمثل لأعضائها:
حرصت التعديلات التي أجريت على الدستور لتحقيق هذا الهدف على إعادة تنظيم مجلسي الشورى والنواب بما يؤدي إلى انفراد مجلس النواب بالرقابة على السلطة التنفيذية، ويعطي الأولوية لرئيس مجلس النواب في رئاسة المجلس الوطني وإحالة مشروعات القوانين التي تمت الموافقة عليها من المجلسين إلى الحكومة لاتخاذ إجراءات إصدارها، ويحقق الاختيار الأمثل لأعضاء كل من مجلسي الشورى والنواب.
ويعتبر نظام المجلسين من أهم الثوابت التي أقرها الميثاق بحيث لا يجوز للدستور إعادة النظر فيها وإعادة نظام المجلس الواحد، وإلا كان ذلك مخالفا لصريح ما ورد في الفصل الخامس من الميثاق الخاص بالحياة النيابية. وإذا كان الميثاق قد نص صراحة على ضرورة الأخذ بنظام المجلسين على نحو يكون متلائما مع التطورات الديمقراطية والدستورية في العالم، وجاء تنظيم الدستور القائم لهذين المجلسين متوافقا مع هذه التطورات التي كانت سائدة وقت وضعه، فإن ذلك لا يمنع من إعادة النظر فيما وضعه الدستور من تنظيم لهذه المجلسين بما يتفق مع ما طرأ من تغير في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي إطار الضوابط التي وضعها الميثاق لتنظيمها، وأهمها ضرورة أن يكون عدد أعضاء كل من المجلسين مساويا للآخر، وأن يشكل مجلس النواب عن طريق الانتخاب الحر المباشر في حين يشكل مجلس الشورى بالتعيين بأمر ملكي.
ولقد اشترط الفكر الدستوري العالمي لقيام نظام المجلسين أن يشترك المجلسان في التشريع على الأقل من حيث حقهما في اقتراح مشروعات القوانين وإقرارها أو عدم إقرارها، وليس معنى ذلك ضرورة التساوي المطلق بينهما في الرقابة السياسية. ولكن إذا اقتصر اختصاص أحد المجلسين على مجرد إبداء رأي استشاري، فإن الدستور يكون قد أخذ بنظام المجلس النيابي الواحد وإن بدت صورة نظام المجلسين من الناحية الشكلية.
واتفاقا مع ما انتهى إليه حوار التوافق الوطني اتجهت هذه التعديلات الدستورية إلى تعزيز الدور الرقابي لمجلس النواب بما يؤدي إلى قيام المجلس بهذا الدور منفردا.
فإذا كان مجلس النواب في ظل الدستور القائم هو الذي يختص بمفرده بالغالبية العظمى من وسائل الرقابة على السلطة التنفيذية كالاستجواب وسحب الثقة من الوزراء وتشكيل لجان التحقيق، فإن التعديلات الدستورية قد اتجهت إلى انفراد هذا المجلس أيضا بحق تقرير عدم امكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، وحق توجيه الأسئلة إلى الوزراء، وحق مناقشة البرنامج الذي تقدمه الحكومة لمجلس النواب عقب أدائها اليمين الدستورية وإقرار هذا البرنامج أو عدم إقراره، وفي حالة إقراره تكون الحكومة قد حازت على ثقة المجلس، وحق طرح موضوع عام للمناقشة. وهو ما يتفق مع اتجاه بعض الدساتير العالمية التي تأخذ بنظام المجلسين حيث تخص المجلس المنتخب بممارسة وسائل الرقابة على السلطة التنفيذية.
وإذا كان الدستور قد أعطى لرئيس مجلس الشورى الاختصاص بإحالة مشروعات القوانين التي تتم الموافقة عليها من المجلسين إلى رئيس مجلس الوزراء لاتخاذ إجراءات إصدارها، كما مُنح أولوية رئاسة اجتماعات المجلس الوطني، فإن التعديلات الدستورية قد منحت رئيس مجلس النواب هذه الاختصاصات وهذه الأولوية باعتبار أن مجلس النواب هو الأكثر تمثيلا للإرادة الشعبية، وأن ذلك لا يتعارض مع الأخذ بنظام المجلسين الذي نص عليه الميثاق.
وإضافة إلى الشروط التي كان يجب أن تتوافر في أعضاء مجلسي الشورى والنواب، فإن التعديلات الدستورية قد نصت على شرطين جديدين لتمتع المواطنين بهذه العضوية، فتطلب أن تمضي خمس سنوات على اكتساب من يرغب في الترشح لمجلس النواب أو من يعين في مجلس الشورى للجنسية البحرينية، وأن يكون غير حامل لجنسية دولة أخرى، من دون أن يسري شرط عدم ازدواج الجنسية على المواطن الذي يتمتع بجنسية إحدى الدول الأعضاء بمجلس التعاون لدول الخليج العربية، هذا فضلا عن أن التعديلات الدستورية تطلبت فيمن يرشح نفسه لعضوية مجلس النواب أن يكون من حملة المؤهلات الجامعية العليا، وأن يكون قد تمت تزكيته من عدد لا يقل عن خمسين مواطنا من المقيدين في جدول انتخاب الدائرة التي يرشح نفسه فيها.
ولقد نص الميثاق على أن يتم اختيار أعضاء مجلس الشورى عن طريق التعيين، إلا أنه لم يحدد طريقة معينة يلجأ إليها الملك في اختياره لهم. وإذا كان الدستور القائم قد جعل تعيين أعضاء مجلس الشورى من اختصاصات الملك بأمر ملكي، فإن التعديل الدستوري قد نص على أن يصدر الملك أمرا ملكيا سابقا على أمر التعيين يحدد فيه الإجراءات والضوابط والطريقة التي تحكم عملية اختيار الأعضاء، وهو ما يحقق الشفافية الكاملة عند اختيار أعضاء مجلس الشورى ويضمن تمثيلا واسعا لفئات المجتمع في هذا المجلس.
الفرع الثاني
النصوص التي تضمنتها التعديلات الدستورية
في إطار ما انتهت إليه الإرادة الشعبية في حوار التوافق الوطني من مرئيات بشأن التعديلات التي ترى إدخالها على الدستور القائم، فقد اشتملت هذه التعديلات على مسألتين أساسيتين هما: إعادة تنظيم العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وإعادة تنظيم كل من مجلسي الشورى والنواب. وتفرعت عن كل من هاتين المسألتين أحكام أخرى تتفق معها وتكمل اعمال المبادئ الواردة بها.
أولا: النصوص التي تم تعديلها لإعادة تنظيم العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية:
تمثلت التعديلات التي أجريت على الدستور لتعزيز دور المجلس الوطني بجناحيه الشورى والبرلمان في علاقته بالسلطة التنفيذية في المواد (42/ج و46 و52 و65 و67/ب، ج، د و68 و87 و88 و91/ الفقرة الأولى و92/أ و109/ب، ج).
المادة (42/ج):
كان نص هذه المادة في الدستور يعطي الملك الحق في حل مجلس النواب بمرسوم يبين فيه أسباب الحل ويمنع حل المجلس لذات الأسباب مرة أخرى. ولقد جاء تعديل هذه المادة ليضيف ضمانات جديدة لما كان موجودا بها من ضمانات، فبعد أن كان حق الحل مقصوراً على ما يتفق فيه الملك مع رئيس مجلس الوزراء أصبح لا يجوز اللجوء إليه إلا بعد أخذ رأي رئيس مجلس الشورى ورئيس مجلس النواب ورئيس المحكمة الدستورية باعتبارها الحامية لسلامة تطبيق الدستور وعدم الخروج على أحكامه، وهو ما يتفق مع الاتجاهات الدستورية المعاصرة. وإذا كان رأي هذه الجهات غير ملزم للملك، فإن طلب اللجوء إليه يؤدي إلى أن تكون الصورة أمام الملك كاملة قبل إصداره لمرسوم الحل، ويعد تطبيقا لما يهدف إليه مبدأ الشورى الذي تفرضه الشريعة الإسلامية باعتبارها مصدراً رئيسياً للتشريع وفقا للمادة الثانية من الدستور.
المادة (46 فقرة جديدة ثانية) والمادة (88):
إذا كان الملك هو صاحب الاختصاص في اختيار الحكومة وفقا للبند (د) من المادة (33) من الدستور، فإن ذلك مستمد مما ورد في الميثاق تحت عنوان نظام الحكم من أن «... (الملك) هو الذي يعين رئيس مجلس الوزراء والوزراء، ويعفيهم من مناصبهم». فالميثاق لم يلزم بضرورة تعيين الوزراء وفقا لما تسفر عنه الانتخابات البرلمانية من عدد مقاعد كل تكتل أو كل جمعية سياسية، وإنما ترك له الحرية الكاملة في اختيار من يراه لتشكيل الحكومة بما يحقق المصلحة العامة للمملكة. إلا أنه اتساقا مع ما استهدفته التعديلات الدستورية من تعزيز لدور السلطة التشريعية، عدلت المادة (46) بإضافة فقرة ثانية إليها تعطي لمجلس النواب الحق في إقرار أو عدم إقرار البرنامج الذي تقدمه الحكومة الجديدة التي يختارها الملك، وذلك بأن يقدم رئيس مجلس الوزراء خلال ثلاثين يوما من أداء الوزارة لليمين الدستورية برنامج وزارته إلى مجلس النواب، بحيث إذا لم يوافق المجلس على هذا البرنامج تقوم الحكومة بإعادة تقديمه إلى المجلس بعد إدخال ما تراه من تعديلات عليه، فإذا أصر المجلس على رفض البرنامج قبل الملك استقالة الوزارة وشكل وزارة جديدة تقوم بعرض برنامجها على المجلس، وإذا لم يوافق المجلس على برنامج هذه الوزارة كان للملك أن يحل المجلس أو يقبل استقالة الوزارة.
ولا يمنع هذا التعديل من أن يقترح مجلس النواب ؟ عند عرض برنامج الوزارة عليه ؟ أن يطلب بعد التشاور مع الحكومة إدخال تعديل على البرنامج قبل التصويت على قبوله أو رفضه، سواء كان ذلك بالنسبة إلى الحكومة الأولى أو الثانية.
وإذا قبل الملك استقالة الوزارة للمرة الثانية ولم يحل المجلس، فلا يسقط ذلك حقه في حل مجلس النواب إذا تكرر رفضه لبرنامج الوزارة لمرات أخرى.
ولقد حرص النص المعدل على تحديد مدد معينة لإصدار مجلس النواب قراره بشأن برنامج الوزارة، بحيث إذا مضت هذه المدد من دون أن يتخذ المجلس قرارا صريحا بالموافقة عليه أو عدم الموافقة اعتبر ذلك قبولا له وبذلك تكون الحكومة قد حازت على ثقة المجلس. كما فرق النص بين الأغلبية المطلوبة لرفض برنامج الوزارة في المرة الأولى ورفضها لهذا البرنامج في المرة الثانية أو ما يليها، فتطلب موافقة أغلبية أعضاء المجلس لرفض البرنامج الأول وثلثي أعضائه لرفض البرنامج الثاني بالنسبة إلى كل وزارة جديدة يتم تشكيلها.
ويقصد بعبارة «وإذا لم يوافق المجلس على برنامج الوزارة الجديدة بذات الإجراءات والمدد السابقة» التي وردت بالنص، أن يتبع بشأن عدم موافقة مجلس النواب على برنامج الحكومة الثانية وما بعدها من حكومات ؟ إذا رأى الملك قبول استقالة الحكومة مرات أخرى ؟ ذات الإجراءات التي اتبعت بشأن الحكومة الأولى، والتي تتمثل في إعادة الحكومة الثانية عرض برنامج الوزارة مرة أخرى على المجلس إذا رفضه للمرة الأولى وذلك قبل اتخاذ الملك قراره بحل مجلس النواب أو قبول استقالة الوزارة، وأن يتم ذلك التزاما بذات المدد التي حددها النص لاتخاذ المجلس قراره بشأن البرنامج.
وإذا كان نص المادة (43/ج) قد تطلب لحل المجلس صدور مرسوم بعد أخذ رأي رئيس مجلس الشورى ورئيس مجلس النواب ورئيس المحكمة الدستورية، فإن ذلك لا ينطبق على قيام الملك بحل المجلس نتيجة لعدم موافقته على برنامج الوزارة للمرة الثانية. فالملك هذا هو الذي يملك الحل بأمر ملكي وليس بمرسوم، لأن الأمر متعلق بالحكومة التي اختارها الملك، وليس الحل بسبب خلاف نشأ بين حكومة كانت تحظى بإقرار المجلس لبرنامجها ثم اختلفت معه بعد ذلك فيكون الملك حكما بينهما، ولا يتطلب صدور الأمر الملكي بحل المجلس تطبيقا للفقرة الثانية من المادة (46) المضافة أخذ رأي رئيس مجلس الشورى ورئيس مجلس النواب ورئيس المحكمة الدستورية، وإنما يخضع لتقدير شخصي من الملك.
ولقد استتبع إضافة الفقرة الثانية إلى المادة (46) ضرورة تعديل المادة (88)، التي كانت توجب على الوزارة فور تشكيلها أن تقدم برنامجها إلى المجلس الوطني، ويقتصر دور المجلس في هذه الحالة على إبداء ما يراه من ملاحظات بصدده، ولكنها لم تشترط لبقاء الوزارة في الحكم موافقة المجلس على برنامجها. فالفقرة الثانية المضافة قد رتبت آثارا قانونية على تقدم الحكومة الجديدة ببرنامجها لمجلس النواب تتمثل في إمكان إقالة الوزارة إذا لم يوافق المجلس على هذا البرنامج. وبذلك أصبح إعمال المادة (88) متناقضا وغير متسق مع الفقرة الجديدة المضافة إلى المادة (46)، مما يوجب التنسيق بينهما لإمكان إعمال كل منهما في النطاق المحدد له.
ونتيجة لذلك عدلت المادة (88) لتجيز لرئيس مجلس الوزراء إلقاء بيان أمام مجلس النواب أو أمام مجلس الشورى أو إحدى لجانهما عن موضوع داخل في اختصاصه وله أن يفوض أحد الوزراء في ذلك. ومقتضى هذا التعديل أن إلقاء هذا البيان أمر جوازي متروك لإرادة رئيس مجلس الوزراء وحده من دون تقيد بصدور تشكيل جديد للحكومة أو بموعد معين أو بمجلس من المجلسين أو لجنة من لجانهما، وأن دور المجلس أو اللجنة التي يلقى أمامها البيان مقصور على مناقشة وإبداء الملاحظات التي ستكون تحت بصر مجلس الوزراء ليأخذ منها ما يراه محققا للصالح العام.
نواصل عرض المذكرة التفسيرية للتعديلات الدستورية غدا.