قضايا و آراء
الإسلام السياسي والديمقراطية
تاريخ النشر : الجمعة ٢٠ يناير ٢٠١٢
هناك ثلاثة مخاطر تهدد «الربيع العربي»: أولها الارجاع وهو استقواء الانظمة المسقطة الاوتوقراطية من جديد، الخطر الثاني هو الفشل الاقتصادي المحتمل الذي سيؤدي الى تصعيد التوترات الاجتماعية وحدوث اضطرابات جديدة. أما الخطر الثالث فهو اختراق الحركات المتطرفة الاصولية الاسلامية للحراك الديمقراطي وانقلابها عليه.
يجب علينا دعم عمليات التحول في شمال افريقيا والعالم العربي سياسيا واقتصاديا. يمكننا تحقيق الكثير في سبيل تحسين التوقعات الاقتصادية وفرص الحياة الشخصية للناس عبر الاستثمارات والشراكات التعليمية وفتح الاسواق بشكل أكبر.
على الصعيد السياسي يجب علينا الدفع الى إرساء المؤسسات والعمليات الديمقراطية الى جانب المشاركة والتعدد. كيف نتعامل في هذا الإطار مع المجموعات السياسية التي تستقي اجنداتها السياسية من المنظومات المبدئية والاخلاقية للإسلام؟ فهناك اغلبية للقوى ذات التوجه الاسلامي اتضحت في الانتخابات التي اجريت أو التي تجرى. كيف نتلاقى مع الاسلام في السياسة؟
من المهم ان تكون النظرة نزيهة وحيادية، فالاسلام السياسي ليس متساويا مع «الاسلاموية» المتطرفة، والتوجه الاسلامي لا يمثل في حد ذاته فكرا رجعيا معاديا للحداثة والديمقراطية والحرية.
يجب علينا ان نتعلم التدقيق في النظر والتمييز، فقد دخلت ايضا مجموعات متطرفة أي بالفعل «إسلاموية» السباق السياسي لن يكون للحوار معها أي نجاح. لكن في تونس أو المغرب على سبيل المثال نرى انه حتى الآن كانت المجموعات الحاصلة على الاغلبية احزابا وسطية ذات توجه اسلامي معتدل. انه من الضروري ان نسعى الى الحوار مع هذه القوى المعتدلة حول علاقة الدولة بالمجتمع والسياسة بالدين، فالاحزاب المستلهمة من القيم الاسلامية والتقاليد الوطنية هي التي تمتلك اكبر فرصة في الوقت الحالي للتطور لكي تصبح على المدى الطويل احزابا شعبية قادرة على الحصول على أغلبيات في المنطقة، ويجب علينا التحلي بالاحترام إذا ما ارادت الاحزاب في بلدان شمال افريقيا صياغة السياسة استنادا الى القيم الاسلامية، كما انه من البديهي ان الكثير من الاحزاب في اوروبا تشعر بالالتزام بالقيم المسيحية وتسعى إلى تحقيق رؤاها السياسية على هذا الاساس.
يجب ان يكون السؤال الحاسم بالنسبة إلينا بشأن موقف الاحزاب السياسية الاسلامية من الديمقراطية: هل هي احزاب اسلامية ديمقراطية، كما هو الحال مع خريطة الاحزاب الاوروبية التي يوجد عليها بشكل بديهي جدا احزاب مسيحية ديمقراطية؟ انني على قناعة بأن العلاقة بين التوجه الاسلامي والمعتقدات الديمقراطية، بين الاسلام والديمقراطية، ممكنة.
يمكن لبلدان التحول في شمال افريقيا ان تبرهن على ذلك بشكل عملي. فعلى الاقل يشير الكثير من ممثلي القوى الاسلامية المعتدلة في شمال افريقيا من الآن الى تشابه خططهم مع التطورات في تركيا، فهناك اصبح حزب العدالة والتنمية - رغم كل الامور التي يستوجب انتقادها ؟ اقوى قوة سياسية في البلد وهو حزب لديه جذور اسلامية قوية وفي الوقت ذاته لديه شعور بالالتزام بالمبادئ الديمقراطية.
يجب علينا التمعن في برامج الاحزاب الاسلامية، وعلينا بشكل خاص قياس الاحزاب بأفعالها، فالامر المهم هو الاعتراف بالديمقراطية ودولة القانون والمجتمع التعددي والتسامح الديني وكذلك الحفاظ على السلام الداخلي والخارجي. هذه هي المقاييس التي نضعها ونطالب بها، ومن يلتزم بها يمكنه الاعتماد على دعمنا.
لقد حصل حزب النهضة في تونس على الاغلبية في انتخابات المجلس التأسيسي، وأعلن ممثلو الحزب هدفهم المتمثل في مصالحة التقاليد والهوية الاسلامية على تحديات المجتمعات الحديثة، ولكنهم ذكروا أيضا الديمقراطية والتعددية كإطار سياسي لعملهم. وبعد الانتخابات تحالف حزب النهضة مع احزاب علمانية، أي أحزاب ليس لديها توجه ديني. وهي إشارات مشجعة في الطريق نحو خريطة أحزاب تتخذ الأحزاب الاسلامية الديمقراطية عليها موقعا مهما. يجب علينا القيام بواجبنا من اجل الدفع بتطورات إيجابية، وهذا من خلال عرضنا للحوار والدعم للتغير المستدام في سبيل الوصول الى مجتمع ديمقراطي تعددي.
هناك نقطة واضحة في هذا الإطار: لا يمكن التخلص من الماضي الاوتوقراطي بين يوم وليلة، فالأمر يحتاج الى صبر ونفس طويل وهذا على الناحيتين من البحر المتوسط. لقد اطلق الربيع العربي عمليات تحول اجتماعي وتغير سياسي جذرية وعميقة. وبانتهاء الحاكم الاوتوقراطي والدكتاتوري في كل من تونس ومصر وليبيا انتهت المرحلة الثورية الأولى. أما طريق إعادة البناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي - وهو اطول كثيرا - فقد بدأ توه.
هناك فرصة قائمة ان تستطيع القوى الاسلامية المعتدلة حفظ مكانها على المدى الطويل كأحزاب اسلامية ديمقراطية، ولدينا اهتمام كبير بتثبيت نموذج الاحزاب الاسلامية الديمقراطية. ولذلك يستوجب علينا ان ندعمه بكل ما أوتينا من قوة.
* وزير الخارجية الألماني