تصريحات وخطابات جلالة الملك في عام ٢٠١١م .. حقائق وأرقام
 تاريخ النشر : السبت ٢١ يناير ٢٠١٢
بقلم: د. عمر الحسن
شهدت المملكة في بداية العقد الأول من الألفية الجديدة أهم مشروع إصلاحي في المنطقة من دون ضغوط خارجية، وقال عنه «كولن باول» وزير الخارجية الأسبق إنه نموذج يجب أن يقتدي به ويقدره الشعب، وحققت من خلاله البحرين سلسلة من الإنجازات في المجالات كافة صاغها جلالة الملك ونفذها سمو رئيس وزرائه ومعهما أبناء هذا الوطن بقلب مؤمن بقدرات هذا البلد، وبضمير مخلص، ووفق نهج علمي وإدارة رشيدة، وهو ما فتح أبواب الأمل أمام الإنسان البحريني المتطلع للحرية والعدالة والعيش الكريم.
ومع بداية العقد الثاني من هذه الألفية (عام ٢٠١١)، شهدت المنطقة العربية أحداثًا ألقت بظلالها على العديد من دول المنطقة ومنها مملكة البحرين، وتسببت في أزمة لم تتوقعها شملت مناحي الحياة كافة وخاصة السياسية منها، ولكن تعامل معها وأدارها العاهل المفدى بحكمة القائد البارع الذي لا يثنيه جبروت أو إرهاب ـ مهما كانت قوته أو أدواته ـ عن إنقاذ بلاده من الفتن والفوضى والوصول بها إلى بر الأمان.. وهذا والحمد لله ما تحقق، مما جعل عام ٢٠١١ عاما استثنائيا تركزت فيه جهود جلالة الملك وتوجيهاته في إدارة هذه الأزمة ومحاولة جعله ـ أي هذا العام ـ لا يمثل انقطاعًا عن مسيرة البناء والتقدم والرقي، وهي أمور كما يقول سمو رئيس الوزراء لا تحفظها الأموال ولا تبلغها الثروات الطبيعية، وإنما تحققها منظومة القيم وأهمها تقديس الوقت والعمل الجماعي والاهتمام بالبشر والتعليم القائم على الإبداع وإشاعة روح التميز لتنشئة شخصيات إنسانية قادرة على الإبداع والارتقاء بمجتمعها.
وهو ما حرص عليه جلالة الملك من خلال التفاعل والتلاحم مع الشعب عبر التصريحات والخطابات واللقاءات للتأكيد أن مسيرة الإصلاح لن تتوقف، وأن البحرين بطاقاتها وامتداداتها وبمكانتها وبمقامها تستحق من الجميع تكاتفًا وعطاءً بلا حدود.
وأحاول في هذا التقرير قراءة ما جاء في دراسة أعدها مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية وصدرت مطلع هذا العام، تناولت بالرصد والتحليل خطابات وتصريحات جلالة الملك خلال عام ٢٠١١، والجوانب الإنسانية فيها، وكيف أنه حقق للمواطن الأمن والأمان بإدارته لأخطر مؤامرة تعرضت لها البلاد منذ استقلالها حتى اليوم، وأثبت أنها عصية على الاستيعاب.. فهي تستوعب ولا تُستوعب.
وبقراءة إحصائية لتصريحات وخطابات جلالة الملك خلال هذا العام نستطيع التعرف على بعض من دوائر اهتماماته، التي تبرز أن التحدي الأكبر كان الحفاظ على الأمن الوطني، الذي حاز على ١٨,٩% من اهتماماته.. ولعل هذا يعود إلى سببين، الأول: ما شهده هذا العام من أعمال عنف وشغب مست أمن واستقرار المملكة من قبل جماعات رفضت ومازالت دعوات الحوار لدوافع ذاتية نفعية تحركها جهات خارجية.. والثاني: إدراكه أن مصادر التهديد أصبحت أكثر تجددًا ووضوحًا عن ذي قبل، وبالتالي وضع استراتيجية أمنية لمجابهة هذه المستجدات تقوم على التعاون الشعبي - الحكومي، والحكومي - الحكومي، والوطني - الإقليمي والدولي، وتستخدم أحدث التقنيات بواسطة كوادر مدربة من أجل توفير بيئة آمنة تضمن استمرار مشروعات الرفاهة الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق توازن يحافظ على الأمن والديمقراطية معًا، ويرفض تدمير وتخريب الممتلكات العامة والخاصة، وهو الشيء الذي لا يقره شرع ولا يقبله دين، وهو ما نجح عاهل البلاد في تحقيقه خلال الأزمة بتكاتف قيادات المملكة وشعبها.
فأحداث شهري فبراير ومارس عكست في شقها السياسي عزيمة وتصميم جلالة الملك على صون حق المواطن البحريني ليعيش في حرية وكرامة وأمن في بلده، والتأكيد أن مهمة قوات الأمن هي حماية الوطن وتحقيق الاستقرار وترسيخ العدالة الاجتماعية واحترام التعددية السياسية والثقافية والفكرية وحرية الصحافة وسيادة دولة القانون والمؤسسات.
وهو ما وجد صداه على أرض الواقع من خلال تحركه في بداية الأزمة من خلال وضع الخطط والسياسات لإدارتها، ومنها: تعليماته بتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق فيما حدث في بداية الأزمة، وتكليف سمو ولي العهد بفتح حوار مع جميع الأطراف، وأمره بإيقاف السير في الدعاوى الجنائية المقامة ضد ناشطين معارضين، ولما لم تسفر هذه الإجراءات والخطوات وغيرها عن تهدئة الموقف، ومواصلة المعارضة تصعيدها، طلب جلالة الملك مساعدة دول مجلس التعاون بتدخل قوات درع الجزيرة لحماية المنشآت الحيوية في المملكة، وفرض قانون السلامة الوطنية مدة ثلاثة أشهر، بهدف الحفاظ على سلامة المواطنين والمقيمين، ولما تمخض عن ذلك تقلص أعمال العنف، فقد شجع هذا جلالة الملك على رفع حالة السلامة الوطنية قبل انتهائها بـ١٥ يومًا، ودعا أطياف المجتمع كافة إلى حوار للتوافق الوطني يبدأ في الأول من يوليو، على أمل التوصل إلى تفاهمات مشتركة تحقق وتعزز الوحدة الوطنية.
وفي ٢٩ يونيو أصدر مرسومًا بإنشاء لجنة مستقلة لتقصي الحقائق في الأحداث بالتعاون مع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتشكيلها من أشخاص من ذوي النزاهة والسمعة الدولية الطيبة ومن غير البحرينيين، ولهم نشاطات في العمل التطوعي والإنساني وعلى دراية واسعة بالقانون الدولي لحقوق الإنسان.. وفي بادرة حسن نية وتسامح حقيقي صفح يوم ١٥ أغسطس عمن تطاولوا على شخصه وعلى رموز المملكة، وأمر في ٢٠ سبتمبر بإنشاء صندوق لتعويض المتضررين من الأحداث.
وفي تطبيق عملي لتوصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق التي تسلم تقريرها في ٢٣ نوفمبر أدخل تعديلات على اختصاصات جهاز الأمن الوطني وأحالها لوزارة الداخلية، وتمت إحالة ٢٠ ضابطًا للتحقيق، والتعاقد مع خبراء في المجالات الأمنية والشرطية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بهدف النهوض بالعمل الأمني وتطوير كفاءة قوات الأمن والشرطة، وكذلك توقيع مذكرة تفاهم مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر تسمح بموجبها وزارة الداخلية البحرينية بزيارة اللجنة للمعتقلين في مراكز الاعتقال والإصلاح التابعة لها، وبأن تضمن لموظفيها تدريبًا على احترام حقوق الإنسان والمعرفة بالقانون الإنساني الدولي، كما استقبلت المملكة وفد بعثة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للمساعدة على إرساء مجتمع منفتح وديمقراطي.
وبالنسبة نفسها من الاهتمام (١٨,٩%) جاءت السياسة الخارجية في الترتيب الثاني ضمن دوائر اهتمام جلالة الملك، الذي سعى إلى ترسيخ مكانة المملكة دوليا وإقليميا، وتعزيز علاقاتها «السياسية والاقتصادية والأمنية» مع دول العالم، وإبراز دورها كدولة ذات تجربة إصلاحية جادة، إضافة إلى تصحيح الصورة المغلوطة التي حاولت المعارضة وبعض القوى الخارجية المتحالفة معها رسمها لها، إثر الأحداث، وذلك عبر زياراته هو وسمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد العديدة لدول الخليج وبعض الدول العربية والأجنبية وكذلك المنظمات الدولية كالأمم المتحدة التي وصل عددها إلى أكثر من ٤٥ زيارة.
وقد كان لهذه الزيارات نتائج إيجابية؛ فخليجيا أكدت دول المجلس أن أمنها واستقرارها كل لا يتجزأ، وأبدت دعمها للطريقة التي أدار بها جلالة الملك الأزمة وإعجابها بحكمته وحنكته، وحذرت طهران من مغبة التدخل في شؤونها الداخلية، وطالبت المعارضة بالتعقل والعودة إلى رشدها، وأرسلت قوات درع الجزيرة لحماية منشآت البحرين من عمليات التخريب، كما خصصت ١٠ مليارات دولار لمساعدة اقتصاد المملكة مدة عشرة سنوات.
وعربيا أبدت الجامعة العربية والدول الأعضاء فيها مساندتها للمملكة؛ ودعمها للحوار الوطني ولوجود قوات درع الجزيرة، كما أدانت تدخل إيران في شؤونها الداخلية، ووجهت نقدًا للمعارضة وطالبتها بالجلوس إلى طاولة الحوار.. وإقليميا ودوليا أعلنت تركيا وقوفها إلى جانب البحرين، ودعمها للإجراءات والخطوات التي اتخذتها في التصدي لكل ما يمس أمنها واستقرارها، كما رحب الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسية للاتحاد الأوروبي بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق المشار إليها، وأمريكيا أشاد أكثر من مسؤول في أكثر من مناسبة بما قام به جلالة الملك من خطوات إيجابية على طريق الإصلاح والتطوير، أما وزير الخارجية البريطاني والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي والأمين العام للأمم المتحدة فقد أعربوا عن إعجابهم بالرد الشجاع لجلالة الملك على تقرير لجنة تقصي الحقائق والتزام الحكومة بتنفيذ توصياته.
وجاء في المرتبة الثالثة من دوائر اهتمام جلالة الملك التطور الديمقراطي بنسبة (١٣,٥%)، حيث عكست تصريحاته إيمانه بأن الديمقراطية ضرورية لاستكمال المشروع الإصلاحي وبناء مملكة دستورية، على أساس التوافق وقبول الآخر والانتساب إلى الوطن والحرص على تعزيز مكانة الدولة وسيادة القانون الذي يحقق للجميع العدل والمساواة، بعيدًا عن أي تشنج أو تعصب لأي طائفة من الطوائف، انطلاقًا من أن على البحرينيين جميعًا العمل من أجل صالح البلاد.
وهو في هذا ـ أي جلالة الملك ـ يرى أن تحقق الديمقراطية على أرض الواقع يتطلب توافر ركنين لا ثالث لهما ألا وهما توافر رصيد من قيم ومبادئ الديمقراطية، وكذلك الحرص على التطبيق الأمين والنزيه لها من الناحية الإجرائية، وتطبيقا على أرض الواقع تعامل مع الديمقراطية على أساسين، الأول: الأخذ بالقيم الديمقراطية التي تتوافق مع مبادئ الدين الإسلامي وخصوصية المجتمع البحريني كالتسامح وقبول الآخر واحترام حقوق الإنسان.. والثاني: اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحقيق الديمقراطية واقعيا من خلال إجراء انتخابات برلمانية نزيهة آخرها في أكتوبر ٢٠١٠، حيث نجحت فيها جمعيات المعارضة وحصدت أكثر من نصف مقاعد مجلس النواب، وإذا كانت هذه هي حال الرؤية والممارسة خلال الأعوام السابقة، فإن الممارسة على أرض الواقع أثمرت خلال عام ٢٠١١:
- تشريعيا: طرح مجلس النواب (٥٤) مشروعًا بقانون، و١٧ مرسومًا بقانون، و٥ اقتراحات بقوانين، أما مجلس الشورى فطرح (٢٤) مشروعا بقانون، و٦ مراسيم بقوانين.
- رقابيا: طرح مجلس النواب (٥٧) سؤالاً على الوزراء، وقام بتشكيل (٣) لجان تحقيق للبحث في بعض المخالفات، وتقدم النواب بـ (٦٤) اقتراحًا برغبة بينما قام أعضاء مجلس الشورى بطرح (١٠) أسئلة.
- إجراء الانتخابات التكميلية على المقاعد التي شغرت باستقالة بعض أعضاء مجلس النواب، وهي الأولى في تاريخ الحياة النيابية بالمملكة.
- التعاون الفعال بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وباعتبار أن التنمية البشرية والحضرية هي جوهر المشروع الإصلاحي، وباعتبار أن المواطن البحريني هو غاية ووسيلة هذه التنمية في الوقت ذاته والثروة الحقيقية للبحرين - كما يقول جلالة الملك دومًا- فقد جاءت في المرتبة الرابعة على قائمة اهتمامات جلالة الملك بنسبة ١٢,٣%، كما وجدت خطاباته وتصريحاته بشأنها صدى كبيرًا على أرض الواقع؛ ففي مجال التعليم انطلق جلالة الملك في تعامله معه من أنه أمل البحرين في تطوير المستقبل، وبالتالي لابد له من اقتصاد قوي يدعمه حتى تتوافر له ميزانية مناسبة تساعد على تطويره، وكان ذلك من خلال حفز مشاركة القطاع الخاص في النهضة التعليمية اقتداءً بالدول المتقدمة، وبما يناسب البحرين والمنطقة، وجعل التعليم يخدم سوق العمل، والارتقاء بالبحث العلمي وتوجيهه لخدمة المجتمع وتطوره والتغلب على مشكلاته، وهي الرؤية التي أثمرت عام ٢٠١١ عن انخفاض نسبة الأمية بالمملكة إلى ٢,٤٦% بعدما كانت ٢,٧% عام ٢٠٠١، وكذلك فوزها بعضوية مكتب التربية الدولي التابع لمنظمة اليونسكو، نتيجة تحقيقها جودة التعليم.
أما الرعاية الصحية فقد حظيت باهتمام جلالة الملك، وذلك بتوفير الخدمة العلاجية لكل المناطق، وبما يضمن وصولها لجميع المواطنين وتطوير منشآتها وعمل مظلة تأمين صحي تستوعب الجميع، وهو ما أدى إلى انخفاض معدل وفيات الرضع أقل من عمر سنة إلى أقل مستوياتها خلال السنوات الخمس الماضية مقارنة بالمؤشرات الدولية، وبلغ متوسط العمر ٧٣,٨ سنة عند الذكور وارتفع عند النساء إلى ٧٦,٣ عامًا.. وفي ميدان خدمات الرعاية الاجتماعية أطلقت المملكة الاستراتيجية الوطنية للإعاقة، ووصل عدد الاتفاقيات الحقوقية الدولية التي انضمت لها إلى (٧) اتفاقيات أساسية لحقوق الإنسان من أصل (٩)، كما تم تشكيل لجنة وطنية عليا لشؤون المعوقين، وبلغ عدد المستفيدين من مساعدات الضمان الاجتماعي (١٣٥٨٩) مستفيدًا من المواطنين والمواطنات، كما تم إدراج دعم للأسر المحدودة الدخل ضمن اعتمادات الموازنة العامة للدولة للسنتين الماليتين ٢٠١١ و٢٠١٢، وزيادة دعم السلع الغذائية، مع زيادة مبالغ صندوق الضمان الاجتماعي، فضلاً على زيادة ميزانية تشغيل المعاهد والمراكز المتخصصة بذوي الاحتياجات الخاصة.
وفي مجال العمل والتدريب نجح مشروع تأهيل وتوظيف الخريجين الجامعيين في عام ٢٠١١ في توظيف أكثر من (٣٠٠٠) خريج جامعي باحث عن عمل، من أصل (٤٥٠٠) جامعي مستهدف، وحققت البحرين المرتبة الأولى في نظم الحماية بين دول الشرق الأوسط التي طورت التشريعات الداخلية في مجال الضمان الاجتماعي والمساواة في العمل، والتأمين ضد التعطل وحرية انتقال العامل الأجنبي، علاوة على زيادة الرواتب بنسبة ٣٦,٥% للموظفين و٣٧,٥% للمتقاعدين.
وفي مجال البنية التحتية وزعت وزارة الإسكان في فبراير (٢٨٣٨) خدمة إسكانية، اشتملت على ٩٣٨ وحدة سكنية وشقة تمليك، و١٠٠٠ قسيمة سكنية، بجانب ٩٠٠ قرض إسكاني، وقبل انتهاء عام ٢٠١١ قامت الوزارة بتوزيع ٢٥٠٠ وحدة سكنية على مقدمي طلبات الإسكان، بلغت كلفتها الإجمالية ٨٥ مليون دينار، في حين استطاعت المملكة تغطية جميع مناطقها بمياه الشرب بنسبة ١٠٠%، ومع اكتمال تشغيل محطة الدور في صيف ٢٠١١، ارتفعت الطاقة الإنتاجية للمحطة إلى نحو ١٢٣٤ ميجاوات من الكهرباء و٤٨ مليون جالون يوميا من المياه، كما احتلت البحرين المرتبة الـ٣٠ عالميًا في استخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصالات لتعزيز القدرة التنافسية والتنمية، وفقا للتقرير العالمي حول تكنولوجيا المعلومات ٢٠١٠-٢٠١١، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، وارتفع ترتيبها في تقرير الأمم المتحدة للحكومة الإلكترونية ٢٠١٠ إلى المركز رقم ١٣ عالميا بعد أن كان ٤٢ لتكون الأولى على مستوى دول الشرق الأوسط.
وفي مجال البيئة، أطلقت الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية مشروعين كبيرين بالتعاون مع البنك الدولي، الأول عن مراجعة آلية تقييم الآثار البيئية للمشاريع، والثاني حول تقييم الكلفة الاقتصادية للآثار على البيئة البحرية.. وأخيرًا، وفي مجال الشباب والرياضة، استضافت المملكة دورة الألعاب الخليجية الأولى بمشاركة ١٥٠٠ رياضي خليجي.
وفى المرتبة الخامسة على قائمة اهتمامات جلالة الملك جاء الإعلام وحرية الرأي والتعبير بنسبة ٨%، وذلك انطلاقًا من أن المواطنة بما تحمله من معاني الولاء للوطن والغيرة عليه والاعتزاز بهويته والانتماء إليه، تلقي مسؤولية كبيرة على الصحفيين والإعلاميين ذوي المصداقية للعمل على توعية وترشيد الرأي العام وحفظ الوحدة الوطنية ومراعاة الضمير والمهنية في نقل الخبر، وأن التعبير عن الرأي حق، ولذا تعهد جلالة الملك بضمان الحريات، وكان من ثمار هذا التعهد خلال عام ٢٠١١ أن وصل عدد الصحف إلى ١٤ صحيفة، منها ٩ صحف يومية، وخمس أسبوعية، كما شهدت المملكة تنظيم نحو (٢٢٩) ندوة ومحاضرة وحلقة نقاشية، و(١٨) مسيرة سلمية، و(٣٥) اعتصامًا، و(١٦) احتجاجًا، علاوة على ١٥ إضرابًا، وأمر بوضع استراتيجية إعلامية للرد على محاولات تشويه صورة المملكة خلال وبعد الأحداث التي شهدتها ذلك العام.
وكانت أيضًا من اهتمامات جلالة الملك قضايا حقوق الإنسان بنسبة (٦,٧%)، تأسيسًا على قناعته بأن أسمى قيم الديمقراطية هي احترام حقوق الإنسان، ولذا احتل تطبيقها وترسيخها خلال عام ٢٠١١ أولوية قصوى؛ حيث أصبحت هناك وزارة حقوق الإنسان، وتم إنشاء «صندوق وطني لتعويض المتضررين» نتيجة الأحداث، ولجنة تقصي حقائق كما ذكرنا سابقا، وتأسيس جمعية مبادئ لحقوق الإنسان، والمشاركة في اجتماع الدورة الـ (١٦) لمجلس حقوق الإنسان بمقر الأمم المتحدة بجنيف، وتوقيع مذكرة تفاهم مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، واستقبال وفد المفوضية السامية لحقوق الإنسان بجنيف لمناقشة أوجه التعاون الفني المتعلقة بتنفيذ عدد من توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، ودعوته يوم ٢٣ نوفمبر لإنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان، لتي رحب بها الأمين العام للجامعة العربية يوم ١٦ يناير ٢٠١٢ والعديد من الدول العربية.
وبالنسبة ذاتها (٦,٧%) جاء المجتمع المدني إدراكًا من جلالة الملك لأهمية دور مؤسسات المجتمع المدني في ترسيخ الوحدة الوطنية ونبذ الطائفية وترسيخ الديمقراطية بحكم طبيعة عملها وصلتها المباشرة بالأفراد والجماعات، وأن الحكومة والمجتمع المدني يتقاسمان منظورًا مشتركًا بشأن التنمية الشاملة وأهدافها وفق إجراءات محددة. وهذه القناعة لدى جلالة الملك كان لها مردود إيجابي على حركة المجتمع المدني البحريني رغم الأحداث المشار إليها، وما تم اكتشافه من أدوار سلبية وارتباطات خارجية لبعض منظمات المجتمع المدني أضرت بعلاقاتها مع السلطة التنفيذية، ولكن المملكة بحكمة جلالة الملك نجحت في تجاوز الأزمة، واستمرت الحكومة في أداء دورها كداعم قوي للمجتمع المدني، حتى إنه زاد عدد مؤسسات المجتمع المدني من ٢٧٥ جمعية أهلية عام ٢٠٠١ إلى نحو ٥٤٠ عام ٢٠١١، أي زهاء الضعف خلال السنوات العشر الماضية.
أما قضايا التنمية الاقتصادية فقد حازت أيضًا نسبة (٦,٧%) من اهتمامات جلالة الملك، كنتيجة طبيعية لحجم التأثيرات السلبية لأحداث فبراير ومارس في الاقتصاد الوطني والاستثمار وفي مصالح المواطنين في وقت لم يكد الاقتصاد البحريني يتعافى فيه بعد من الأزمة المالية العالمية، وقناعته بأن الاستقرار السياسي يتطلب اقتصادًا يلبي طموحات الشعب البحريني، وهي المنطلقات التي استند إليها جلالة الملك في مجابهة التحديات الاقتصادية التي شهدتها المملكة خلال العام.
وبالنظر إلى مدى اتساق هذه الرؤية التي تبلورت في خطاباته وتصريحاته مع ما تم تنفيذه على أرض الواقع يلاحظ أنه رغم أن أعمال العنف والشغب ألحقت أضرارًا بالاقتصاد الوطني، فإنه استطاع مجابهة تلك التأثيرات بنجاح من خلال دعوته القطاع الخاص للمساهمة في الاقتصاد الوطني، والتحرك النشط لمجلس التنمية الاقتصادية في الداخل وجولاته في الخارج لاستقطاب مزيد من الاستثمارات، والاستمرار في انتهاج سياسة التنويع الاقتصادي بافتتاح عدد من المصانع، والتوسع في عدد من المشروعات في قطاع النفط والغاز وفي قطاع الزراعة، وتجميد الضريبة المفروضة على الفنادق في قطاع السياحة والفندقة، وإعلان «البحرين عاصمة السياحة العربية في عام ٢٠١٣»، بجانب تعزيز التعاون الاقتصادي مع الخارج.
وأخيرًا، لم يغفل جلالة الملك في خطاباته وتصريحاته المرأة البحرينية (التي تمثلها في المملكة ١٩ جمعية نسائية إلى جانب المجلس الأعلى للمرأة) باعتبارها شريكًا في الوطن وعنصرًا فعالاً في عملية التطور والبناء، فأولى لها اهتمامًا وصلت نسبته إلى ٤% من خلال التركيز في قضايا تمكينها كركيزة أساسية من ركائز مشروعه الإصلاحي الذي يهدف إلى الاستخدام الأمثل للموارد البشرية لتحقيق التنمية الشاملة، وترجم هذا بوصول أربع نساء بحرينيات إلى المجلس النيابي بعد نجاحهن في الانتخابات التكميلية، وتعيين ثالثة سفيرة للبحرين في الخارج، وتمثيلها في اللجنة الوطنية المعنية بتوصيات تقرير لجنة تقصي الحقائق، وإنشاء وتنظيم اللجنة الوطنية لمتابعة وتنفيذ النموذج الوطني لإدماج احتياجات المرأة في برنامج عمل الحكومة، وإعلان منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) فوز أربع سيدات أعمال بحرينيات بمنصب سفراء رواد الأعمال لدى المنظمة، وإصدار مرسوم ملكي بمنح الجنسية البحرينية إلى ٣٣٥ من أبناء البحرينيات المتزوجات من أجانب، وحصول المرأة البحرينية على المركز الثاني في الدورة الثانية لرياضة المرأة الخليجية، وكذلك فوز العداءة البحرينية مريم جمال بالمركز الأول في مسابقة ١٥٠٠ متر للسيدات في إطار مسابقة الدوري الماسي بروما.
وهكذا، فقد أدار جلالة الملك الأزمة بحكمة واقتدار وقاد البلاد إلى بر الأمان، واسترد المقام والمكانة للوطن والكرامة للمواطن؛ وأثبت أن البحرين لا يستطيع أحد التغافل عنها أو القفز عليها، وإلا لما كانت مفتاح أمن الخليج.. ولعل كلمة السر في هذا النجاح هو المواطن البحريني الذي تعامل معه جلالة الملك باعتباره الثروة الحقيقية للبلاد وكنزها الذي لا ينضب، وعمل على تحويله إلى طاقة نوعية وفاعلة ومؤثرة.
إنه ملك احترم كرامة شعبه وضرب المثل في التسامي والزهد، فامتلك قلوب الناس فتجمعوا حوله وتكاتفوا معه واقتنعوا برؤيته ووصفوه بالسوي الأمين.
ومن واقع إيماني بهذا الشعب وبعمقه ورصيده الحضاري وباتساع رؤيته وبقيادته الرشيدة، وقناعتي برؤية جلالة الملك التي مهما اختلف البعض معها يظل قائدًا واعيًا ملمٌّا باحتياجات شعبه ويعمل على تحقيقها، ومدركًا لمشاكله ويسعى إلى حلها، رغمًا عمن يعطلون ويحرفون، متمنيا على المعارضة الرجوع إلى الصف والحوار بما يؤدي إلى الحفاظ على أمن واستقرار المملكة، بعيدًا عن الحسابات الضيقة والمصالح الفئوية، فالوقت لايزال متاحًا من أجل لم الشمل والعودة إلى أحضان الوطن.
.