أخبار البحرين
الشيخ الدكتور عبداللطيف المحمود في خطبة الجمعة:
البعض يخطئ لأنه جاهل.. وآخرون لأنهم لا يريدون أن يروا الصواب
تاريخ النشر : السبت ٢١ يناير ٢٠١٢
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور عبداللطيف المحمود خطبة الجمعة أمس تحت عنوان: التسوية بين النقيضين، قال فيها:
في حياتنا البشرية طريقان، طريق يوصل إلى الخير وطريق يوصل إلى الشر، وإنما تضطرب الحياة بالإنسان عندما يسوي في تفكيره وسلوكه بين الصلاح والفساد، وبين الخير والشر، والبر والفجور، وحينئذ لا يقر له قرار ولا يرتاح في حياته الدنيا فضلا عن الآخرة.
وتؤكد التربية الإسلامية أن يفرق المسلم في فكره وسلوكه بين الطريقين المتناقضين، ليحيا حياة مطمئنة في الدنيا يسعد فيها ويسعد من معه.
يتكرر في القرآن الكريم عدم التسوية بين المؤمن بالله واليوم الآخر وبين الكافر بهما، حيث يمثل الله تعالى لهما بالأعمى والبصير، مثل قوله تعالى: «وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ» سورة غافر. العمى هنا ليس عمى الأبصار لكنه عمى البصائر، فدلائل الإيمان بالله كثيرة في الوجود يتوصل إليها كل من يتفكر في دلالات الموجودات، ولذلك يقول الله تعالى: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ». (سورة آل عمران)
ويؤكد القرآن عدم المساواة بين الذين يعملون الصالحات والذين يعملون السيئات في مردود أعمالهم الصالحة وأعمالهم السيئة في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: «وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلا مَا تَتَذَكَّرُونَ». غافر، وفي آية أخرى يقول الله تعالى: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ» الأنعام، ولا يجوز أن يتساووا في الحكم عليهم فإن ذلك يدعو إلى أن يتمرد الذين يعملون السيئات.
لا تجوز التسوية بين الحسنة والسيئة أي التصرف الحسن والتصرف السيء في النتائج، يقول الله تعالى: «وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ». (سورة فصلت)
لا يجوز التسوية بين عمارة المساجد حتى ولو كان المسجد هو المسجد الحرام مع الجهاد في نشر الخير والدفاع عنه، يقول الله تعالى: «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ». التوبة.
لا تجوز التسوية بين الذي ينفق في الخير والبخيل الذي لا ينفق في الخير، يقول الله تعالى: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرٌّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ». سورة النحل، ولذلك قال الله تعالى عن الذي يبخلون بما آتاهم الله من فضله: «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ». (سورة التوبة)
لا تجوز التسوية بين الذي يأمر بالعدل والذي لا يستطيع أن يأمر به، فكيف بمن لا يعمل على نشر الخير بل يعمل على نشر الباطل، يقول الله تعالى: «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَم لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم». (سورة النحل)
لا تجوز التسوية بين المؤمن الذي يعمل ويلتزم بأحكام الدين وبين الفاسق الذي يخرج عنها، يقول الله تعالى: «أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ. أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ». (سورة السجدة)
لا تجوز التسوية بين القاعدين من المؤمنين من غير أصحاب الأعذار وبين المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، يقول الله تعالى: «لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا. دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا». (سورة النساء)
لا تجوز التسوية بين الخبيث والطيب، يقول الله تعالى: «لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ». (المائدة)
لا تجوز التسوية بين من أنفق من قبل الفتح وقاتل وبين من أنفق بعد الفتح وقاتل، يقول الله تعالى: «وَمَا لَكُمْ أَلا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ». (سورة الحديد)
لا يمكن التسوية بين مصير المؤمنين ومصير الكافرين في الآخرة: «لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ 20)» (سورة الحشر)
كل تلك التسويات تعتبر انحرافا في التفكير وتؤدي إلى الانحراف في السلوك وحينئذ لا تستقيم الحياة الدنيا بل تعوج عند البعض ويظن أنه من المهتدين.
أسباب الخطأ في الرأي
لماذا يخطئ بعض الناس في أحكامهم على ما يجري حولهم أو يجري عليهم؟
البعض يخطئ لأنه جاهل، والجاهل معذور أو مرفوع عنه الإثم إذا لم يتمكن من التعلم.
والبعض يخطئ لأنه لا يريد أن يرى الصواب، فهو مهووس بأن رأيه دائما هو الصواب الذي لا خطأ فيه، ورأي من يقابله خطأ لا صواب فيه.
والبعض يخطئ لأنه غلبت على تصرفاته وسلوكه الأعمال السيئة فأصيب بالران على قلبه فلا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، كما قال الله تعالى: «كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ». سورة المطففين
والبعض يكابر حتى إنه يعبد رأيه ويتبع هواه.
وعن أصحاب القسمين الأخيرين يقول الله تعالى: «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ. وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُللا نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ. أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصره غشاوه فمن يهديه من بعد الله افلا تذكرون». (سورة الجاثية)