مقالات
بانتظار مجالس تضم الكفاءات العالية في الوطن
تاريخ النشر : السبت ٢١ يناير ٢٠١٢
عندما أصدر صندوق النقد الدولي تقريراً عن الاقتصاد الإيراني قال فيه إن طهران تحتاج إلى صيانة كاملة لقطاعها المالي الضعيف والمتهالك، وإنها بحاجة إلى صيانة كاملة لقطاعها النفطي، وإلى إصلاح سوق العمل وتعزيز مبدأ الشفافية.. الخ. كان أبرز ردود برلمان إيران على هذه النصائح، هو قيام أحد أعضائه علناً بتمزيق تقرير الصندوق والبصق عليه ثم إلقائه في سلة المهملات، وسط تصفيق الأعضاء وهتافهم..!! وبعد أقل من سنتين على تلك الحادثة، كان نفس البرلمان يوافق على برنامج ترشيد اقتصادي قدمه الرئيس يعتمد على نفس النصائح التي اقترحها صندوق النقد الدولي..!
وفي إحدى مساجلات الصراع بين الرئيس الإيراني أحمدي نجاد والبرلمان المحافظ، تساءل الرئيس: كيف لبرلمان يخلو من اي خبير اقتصادي أن تتحكم قراراته باقتصاد البلاد؟!.. والحقيقة ان هذا التساؤل على ما فيه من حكمة ومفارقة منطقية كبيرة، فإنه كشف عن مأساة أكبر بكثير من التي رصدها الرئيس في مجلس برلماني يخلو من خبير اقتصادي واحد ويستطيع رغم ذلك ان يتحكم بالسياسة الاقتصادية للبلاد. والمأساة التي انكشفت آنذاك جاءت على لسان أحد أعضاء البرلمان الذي رد على تساؤل الرئيس بتساؤل أكثر مرارة وحدّة عندما قال: وكيف يتخذ الرئيس قراراته الاقتصادية إذا كان مستشاره الاقتصادي الأول لم يكمل تعليمه الثانوي؟!
وما أريده من هذه المقدمة، هو أن المسئوليات الوطنية الملقاة على عاتق المجالس التشريعية سواء كانت مجالس نيابية أو شورية هي اكبر بكثير من مجرد ربطها بالشعبوية او المكانة الاجتماعية او لمعادلة التقسيم الطائفي أو القبلي وغير ذلك من الموازين والمعادلات التي يجري التعامل معها في العادة كمعطيات لاختيار أعضاء هذه المجالس سواء عند الانتخاب او التعيين..
ولذلك فإننا وكثيرون في البحرين غيرنا ينظرون بتفاؤل كبير إلى المحور الخاص بكيفية اختيار أعضاء مجلس الشورى من بين محاور التعديلات الدستورية.. وكذلك فإننا نتطلع إلى أن تنعكس استحقاقات هذا المحور تحديداً، على نوعية أعضاء مجالس الشورى القادمة، من حيث الكفاءات العلمية والثقافية والاختصاص والخبرة وغير ذلك من المؤهلات التي تفضي إلى رفع معايير هذه المؤسسة الدستورية البالغة الأهمية.
وفي الواقع فنحن لن نكشف سراً عميقاً لو قلنا أن ثمة تساؤلات حادة ومريرة احياناً كانت تتردد في المجتمع البحريني عن الحكمة من اختيار بعض اعضاء مجلس الشورى، الذين وإن كنا نحترمهم جميعاً، فإننا لا نرى بالضرورة أنهم يمتلكون من الكفاءات والمؤهلات والخبرات ما يتناسب مع الأدوار والواجبات والمسئوليات الملقاة على عاتقهم.. وخاصة في مجلس تشريعي مبجل، يفترض فيه أن يكون «بيت الحكمة» البحريني، الذي تتم فيه دراسة المشروعات والتشريعات والقرارات العليا بكثير من الحكمة والهدوء والكثير الكثير من الاختصاص والمهنية والرؤية العالية.
إننا نتطلع إلى مجمل التعديلات الدستورية التي وردت في الخطاب السامي، بكثير من الأمل والثقة في أنها سوف تؤدي إلى تعزيز مناخ الديمقراطية البحرينية، وتجديد معالم النهضة، وإضفاء قدر كبير من الاستنارة إلى شكل وجوهر العمل النيابي في المملكة.. ولكننا نراهن في الوقت نفسه على ان المحور المتعلق بطريقة اختيار اعضاء مجلس الشورى سيكون له استحقاقات حاسمة في طبيعة ومآل العمل التشريعي بشكل عام والاختصاص الشوري على نحو خاص.
في الشأن الوطني: أخلاقنا وسلوكنا هما مَن يقرر مصيرنا وتداوي جراحنا.
كل الشعوب تتعرض لمشكلات وأزمات وأحزان داخلية ومصاعب ومعوقات. ومهما استطاعت المصائب والأزمات أن تفعل، فإن إيمان الشعوب بأنفسها وإدراكها معطيات وجودها هما اللذان تعتمد عليهما الدول في إصلاح ذاتها وتجديد حياتها. والمطلوب منا الآن؛ هو حقبة جديدة من المسؤولية، وإقرار من جانب كل بحريني، بأن لدينا واجبات تجاه أنفسنا، ودولتنا، وأجيالنا القادمة. واجبات لا نتقبلها على مضض بل بكل طيبة خاطر، راسخين في معرفتنا أنه ليس هناك ما هو مرض للروح، ومحدد لأخلاقنا وسلوكنا، أكثر من بذل كل ما في وسعنا من عطاء وتسامح ومحبة وإيثار وشهامة، من أجل خير هذا الوطن وشعبه.. فهذه الأخلاق والقيم هي التي كانت تأخذ بأيدينا في أحلك الساعات، وهي التي ستقرر مصيرنا.