مقالات
الثقافة الأمنية
مكافحة الفساد (6)
تاريخ النشر : السبت ٢١ يناير ٢٠١٢
الركن المعنوي في جريمة اختلاس المال العام
يعتبر اختلاس المال العام من الجرائم الوظيفية التي ترتبط ارتباطا مباشراً بسوء استغلال السلطة، وهو في الوقت ذاته يشكل فساداً مالياً وإدارياً جسيماً يلحق أضراراً بالغة باقتصاد أي دولة، كما أنه يتعارض مع جميع القواعد القانونية الآمرة التي تحفظ الأموال العامة وتمنع الاعتداء عليها، بل ان الاختلاس يتنافى مع القيم الأخلاقية والمبادئ الوطنية، والأعراف والتقاليد العربية الأصيلة، وسوف نلقي الضوء هذا الأسبوع على الركن المعنوي في جريمة اختلاس المال العام والاعتداء عليه.
أشار قانون العقوبات البحريني في مواده التي تتعلق باختلاس المال العام، إلى أن المال العام الذي يمكن اختلاسه لا ينحصر بالمال وحده وإنما يجوز أن تقوم جريمة الاختلاس بسبب مال أو أوراق حكومية أو غيرها، ويقصد المشرع البحريني بكلمة غيرها كل شي يصلح محلاُ لحق من الحقوق، ولا يشترط أن تكون للمال قيمة مادية، فقد تكون قيمة معنوية، لأن المواد القانونية في جريمة الاختلاس صيغة بألفاظ عامة يدخل في مدلولها ما يمكن تقويمه بالمال وما تكون له قيمة أدبية أو معنوية أو اعتبارية، ومثال على ذلك عندما يستلم موظف البريد رسالة بريدية من أحد الأشخاص بهدف إرسالها الى شخص ما في دولة أخرى فإنه يكون قد ارتكب جريمة اختلاس مال عام إذا استولى على الظرف وذلك برغم تدني القيمة المادية لهذا الطرد ذلك أن هدف المشرع البحريني هو ليس فحسب حماية أموال الدولة إنما أيضاً حماية الثقة العامة في موظف الحكومة ممثلاً للسلطة التي مكنت هذا الموظف من تقلد الوظيفة العامة حتى يحمي الأموال الخاصة والعامة.
القصد العام في جريمة الاختلاس:
اختلاس المال العام جريمة عمدية في كل حالاتها ويتخذ القصد المتطلب فيها صورة القصد الجنائي الخاص، ولا يرقى الخطأ مهما كان جسيماً إلى مرتبة العمد، فإذا قصر الموظف في المحافظة على المال العام الذي يحوزه بسبب وظيفته فهلك أو تمت سرقته فلا يطبق على الموظف نص مادة الاختلاس، ويتطلب القصد العام علم المتهم أن حيازته للمال حيازة ناقصة، أي أنه يحافظ عليه فقط ولا ينقله لحيازته الخاصة، وان يكون ذلك بسبب وظيفته الحكومية، وان القانون لا يجيز له أن يسلك مسلك المختلس، ويتطلب القصد العام كذلك اتجاه إرادة الموظف الخائن إلى فعل الاختلاس، فإذا جهل المتهم أن المال في حيازته الناقصة، كما لو أعتقد ان النقود جزء من مرتبه أو اختلط عليه الأمر بين أوراقه الخاصة وأوراق العمل، ذلك يؤدي إلى عدم قيام جريمة الاختلاس لان القصد الجنائي العام لا يتوافر.
والجدير بالذكر أن معظم القرارات واللوائح الإداريةُ تمنع نقل أوراق العمل إلى المنزل إلا في أحوال محددة كما لو حصل الموظف على إذن من مسؤولة في العمل بنقل أوراق العمل الحكومية إلى المنزل بهدف استكمال إنجاز الأعمال أو تدقيقها أو قد تستلزم بعض الأعمال الحكومية إبقاء الأوراق الرسمية بحوزة الموظف في جميع الأوقات.
عناصر القصد الخاص في جريمة الاختلاس:
يعني القصد الخاص نية تملك المال المختلس، أي نية المتهم إنكار حق الدولة على المال ونيته أن يمارس على المال العام جميع سلطات المالك، ولا ينفى هذا القصد نية الجاني أن يرد المال فيما بعد، أو أن يعوض الدولة تلقائياً عن كل ما أصابها من ضرر نتيجة لفعله، أو-من باب أولى- أن يحرر على نفسه إقراراً يلتزم فيه بذلك.
ويتلازم القصد والاختلاس في منطق الأشياء، فإذا كان الإختلاس يعني سلوك المتهم إزاء المال مسلك المالك، فإن ذلك يفترض بالضرورة اتجاه نيته إلى التملك وفي النهاية يخضع القصد في جريمة الاختلاس لقاعدة ان البواعث ليست من عناصره فإن كانت نبيلة كما لو استهدف المتهم بالاستيلاء على المال العام إعانة محتاج أو مساعدة مشروع خيري، فالقصد يعد مع ذلك متوافراً لديه وتقوم جريمة الإختلاس، وسوف نكمل في الحلقات القادمة سبل مكافحة الفساد.