الجريدة اليومية الأولى في البحرين


زاوية غائمة


لا يخاف من الغزو إلا الأعزل (2)

تاريخ النشر : السبت ٢١ يناير ٢٠١٢

جعفر عباس



عطفا على مقالي ليوم أمس أؤكد مجددا اعتقادي أن الخوف من غزو ثقافي مزعوم منشؤه إحساس بالضآلة والضعف والعجز، وهو إحساس له ما يبرره، لأنه نجم عن إحساس أكبر بالهزال في ساحات أخرى منها السياسية والاقتصادية والعلمية، ومنشؤه أيضا تقليد عربي عريق يقضي بإيجاد مشاجب/ شماعات لتعليق عجزنا وقعودنا عليها، وطالما ان الغرب هو الاستعمار والاستغلال والظلم والحروب الكونية فهو افضل شماعة للخيبات العربية، وخاصة أن الشيوعية التي كانت آفة الآفات عند العرب انكمشت وتقوقعت تحت مسميات جديدة، فقد ولّى ذلك الحين من الدهر الذي كنا نقول فيه ان الشعر الحر مؤامرة شيوعية تستهدف النيل من مكتسبات ومقدرات امتنا الناهضة (متى تستكمل نهوضها؟ على كل حال فان وصفها بالناهضة خير من وصفها بالفتية لان الأخيرة تعطي الانطباع بالمراهقة وعدم اكتمال النضج! ثم أستدرك وأقول عسى ان يجعل الله في الربيع العربي نهاية للخريف والمخرفين العرب)، ولكن الطامة في السنوات الأخيرة هي اننا صرنا نلطم الخدود ونشق الجيوب كلما اكتشف او اخترع الغرب شيئا جديدا، لأن هناك من يعتقد ان الغرب ما عنده شغل او مشغلة غير التآمر علينا.. لأننا - اسم الله علينا - القوة الوحيدة التي تخيف الغرب.. وننسى أننا كأفراد ومجتمعات فئران نخاف من امثال القذافي وشين الهاربين بن علي وبقية الذين في بالي وبالك.
وأسترسل حول هذا الموضوع وأقول، إنني لا أحب تعبير «الغزو الثقافي الغربي» بل أعتقد ان هناك تأثيرا كاسحا وجارفا للثقافة الغربية على كل الثقافات الأخرى بفضل قوة أجهزة الإعلام الغربية، ولأن هناك منتوجا ثقافيا غربيا ضخما يجد القبول من معظم الشعوب، بل ان العولمة تجلت أول ما تجلت في ميدان الثقافة: قمصان نايكي وقبعة البيسبول المقلوبة وجينفر لوبيز ومايكل جاكسون ومايكل جوردان وشارل جوردان وتايتانيك، وتوم كروز وروبنسون كروزو، والبيرغر والتبغ الفرجيني الفاجر.. نعم بالجيم!! والشباب ذوو الأقراط في الآذان، كل هؤلاء متواجدون في كل مكان في العالم، وكلها أشياء من انتاج الغرب ووجدت السوق والتأثير في البيئات ذات البنية الثقافية والحضارية الهشة، وواهم من يحسب اننا قادرون على منع هؤلاء من غرس جذورهم في تربتنا بالاتكال على راغب علامة وفيفي عبده وباسكال مشعلاني ورزان المغربي، فكل هذا حشف لا يورث إلا الأسف، ولا سبيل للصمود في ساحات العولمة الا بإطلاق حرية الإبداع، وانتاج ثقافة تحمل ملامحنا، حتى لو كانت متأثرة شكلا بنظيراتها في الغرب او الشمال، فالتأثير والتأثر أمران لا مهرب منهما في ميادين المعرفة كلها، وقديما طرح علي بن أبي طالب رضوان الله عليه السؤال: مالكم تغزون (بضم التاء) ولا تغزون (بفتح التاء)؟ استفهام استنكاري، والمطلوب في ما يتعلق بالموضوع الذي نحن بصدده الآن، ان نزيل الاستنكار بإنتاج ثقافة قادرة على الأخذ والعطاء.. لا تتقوقع، ولا تعيش عالة على الآخرين، ولنفعل ذلك لا بد لنا من مكنسة كهربائية (يابانية الصنع درءا لشبهة العمالة للغرب) ننظف بها ساحاتنا وعقولنا من أدران وأوهام عششت فيها طويلا وجعلتنا عاجزين عن الفعل والتفاعل وان كنا لا نزال سادة ردود الأفعال!! واسأل نفسك: بم ستواجه عدوا غربيا يتعمد فعلا - لا توهماً- إيذاءك والمس بسيادة بلادك؟ الرد هو: ستتأهب بطائرات هارير أو ميراج او فانتوم وستجمع عنه المعلومات مستخدما منتجات مايكروسوفت وأبل.. وستستخدم أجهزة سيمنز الألمانية لبث الأناشيد الوطنية!! لا تثريب عليك إذن لو استخدمت نتاج الثقافة الغربية لإثراء ثقافتك الخاصة كما فعل الغرب في العصور المظلمة عندما نهل من الثقافة العربية - الاسلامية واستخدمها لدخول عصر النهضة.



jafabbas19@gmail.com