الجريدة اليومية الأولى في البحرين


هوامش


بخلاء على فلسطين حتى سياسيا

تاريخ النشر : السبت ٢١ يناير ٢٠١٢

عبدالله الأيوبي



حتى من حيث الدعم السياسي والدبلوماسي، فإن الدول العربية مقصرة بشكل كبير تجاه مسعى وجهود السلطة الوطنية الفلسطينية لنيل الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة، حيث الجهود الكبيرة التي أثمرت اعتراف العديد من دول العالم بهذه الدولة التي آخرها كانت مملكة تايلند الصديقة، جاءت ثمرة التحرك الدبلوماسي والسياسي الفلسطيني ودعم العديد من المنظمات الأهلية والسياسية في تلك الدول لهذه الجهود، الأمر الذي يكشف عن مدى عجز الأنظمة العربية عن إدراك المصالح القومية الاستراتيجية التي تمثل القضية الفلسطينية أحد مرتكزاتها الأساسية لما تشكله هذه القضية من عبء أخلاقي على ضمائر الشعوب العربية التي ليس بيدها تقديم الدعم للأشقاء الفلسطينيين أكثر مما قدمته على مدى الستة العقود الماضية.
منذ الصغر وعلى المقاعد المدرسية والجامعية كنا نسمع، ونردد بقناعة وبصدق تامين، أن فلسطين هي قضية العرب الأولى وأننا لا يمكن أن نتخلى أو نتنازل عن ذرة واحدة من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ليست الحقوق التي رسمتها قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة فحسب، وإنما الحقوق التي كانت قائمة وراسخة على التراب الفلسطيني قبل كارثة الاغتصاب، ولكن في موازاة تلك القناعة كان الخطاب الرسمي العربي يردد العبارات نفسها ويكرر المواقف عينها، ولكن شتان بين الموقفين والفعلين.
الدول العربية كانت على مدى أكثر من ستة عقود تدغدغ مشاعر الشعوب العربية بالمواقف القومية «الثابتة» والرافضة فكرة بيع كل فلسطين في سوق الإملاءات الدولية ومن خلال كفة موازين المصالح الذاتية، فعلى مدى العقود الستة الماضية تساقطت مواقف الدول العربية القومية، واحدا تلو الآخر، فمن لاءات الخرطوم الشهيرة إلى «العقلانية» السياسية والقبول بالأمر الواقع، وهو التنازل عن فلسطين التاريخية مقابل جزء يسير من أرض الآباء والأجداد، فكانت هذه الفكرة بداية التفريط في الحقوق المشروعة لشعب فلسطين والدخول في شراكة مع مسوقي المشروع الصهيوني الذي يبدو أنه قد لاقى استحسانا وقبولا في أكثر من عاصمة عربية حتى الآن.
لم يطلب أحد إلى الدول العربية في الظروف الحالية، خاصة بعد اختلال كفة الميزان الدولي لصالح المعسكر الداعم للكيان الصهيوني إثر سقوط المعسكر الاشتراكي، وخاصة الاتحاد السوفيتي السابق، أن تجهز جيوشها وتدفع بها لإنجاز مهمة تحرير التراب الوطني الفلسطيني، لم تطلب إليها سوى أن تقف موقفا سياسيا ودبلوماسيا صادقا تجاه المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني، وأهمها إقامة الدولة الوطنية المستقلة فوق أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، فالدول العربية بدلا من أن تتخذ موقفا قويا في هذا الاتجاه، انخرطت في مشروع التطبيع مع العدو الصهيوني وشرِّعت (بضم الشين وتشديد الراء) أكثر من عاصمة عربية أمام الدبلوماسية الصهيونية.
لقد شهدت الفترة الأخيرة تحركا سياسيا ودبلوماسيا فلسطينيا مكثفا من أجل حشد أكبر دعم لمطلب القيادة الفلسطينية الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود الخامس من يونيو عام 1967، وهو المطلب والمسعى اللذان واجها رفضا حاسما من جانب الولايات المتحدة الأمريكية التي هددت بوقفهما وإسقاطهما باستخدام حق النقض في حالة عرض الطلب على مجلس الأمن الدولي، فلم نر مقابل ذلك موقفا حازما وقويا من جانب الدول العربية التي اكتفت بالتأييد اللفظي للمطلب الفلسطيني من دون أن تعبر عن موقف دبلوماسي وسياسي صريح من العنجهية الأمريكية.
فالإمكانيات السياسية والدبلوماسية الفلسطينية متواضعة جدا في مواجهة الإمكانيات الأمريكية والصهيونية ومن خلفها الدعم الأوروبي المخفي والصريح أيضا لخطوات إفشال المسعى الفلسطيني، من هنا فإن الطرف الفلسطيني في هذه الظروف، بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تحرك سياسي عربي جماعي، سواء من خلال المنظمات الدولية ومنها بطبيعة الحال الأمم المتحدة لحشد التأييد لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، أم من خلال تكثيف الوجود السياسي الدبلوماسي في أوساط الفعاليات المجتمعية في الدول ذات التأثير السياسي في الساحة الدولية للاستفادة من إمكانيات تلك الفعاليات للضغط على حكوماتها لتغيير موقفها من المطلب المشروع للشعب الفلسطيني.
مثل هذه المهمة السياسية بحاجة إلى إمكانيات مادية وبشرية هي غير متوافرة بما فيه الكفاية، لدى الطرف الفلسطيني، وفوق ذلك هي ليست مهمة وطنية فلسطينية فقط وإنما هي مهمة قومية، طالما الأنظمة العربية مستمرة في ترديد مقولة «فلسطين قضية العرب الأولى»، وبالتالي فإن هذه المهمة تمثل اختبارا جديدا لمدى مصداقية الأنظمة العربية تجاه القضية الفلسطينية، وخاصة أن الشعوب العربية لا تساورها أي شكوك في وجودها، ذلك أن التجارب أسهمت في تلاشيها.