الجريدة اليومية الأولى في البحرين


المال و الاقتصاد


قوة اقتصاديات الخليج قادرة على تجاوز آثار التوترات الإيرانية

تاريخ النشر : الأحد ٢٢ يناير ٢٠١٢



قد تدفع التوترات الناجمة عن البرنامج النووي الإيراني دول الخليج العربية لتعزيز الإنفاق على الدفاع ومشروعات البنية التحتية هذا العام، لكن من المحتمل أن تخفف أسعار النفط المرتفعة تأثير أي تفاقم للأزمة على اقتصاديات تلك الدول.
واحتمال نشوب صراع بسبب الطموحات النووية الإيرانية قائم منذ عدة سنوات من دون أن يكون له تأثير كبير على دول الخليج والتي ليس لدى معظمها أي علاقات تجارية أو استثمارية ذات شأن مع منافستهم على الجانب الآخر للخليج. الا أن بعض المحللين يعتقدون أن التلويح على مدى الشهور القليلة الماضية بتدخل عسكري دولي في إيران وتهديدات إيران باغلاق مضيق هرمز أدت لتفاقم التوترات إلى حد يمكن معه أن يكون لها تأثير كبير على الاستثمار في الدول الخليجية وسياساتها المالية.
وقد يرجع ارتفاع تكلفة التأمين على ديون دول الخليج في الآونة الأخيرة الى تزايد القلق بشأن إيران. فقد ارتفعت تكلفة التأمين على ديون السعودية لخمس سنوات 22 نقطة أساس منذ بداية العام إلى 941 نقطة مسجلة أعلى مستوى لها منذ يوليو 9002، إلا أنها تظل أقل كثيرا من تكلفة التأمين على ديون الدول الأوروبية المثقلة بالديون التي يتجاوز بعضها 0001 نقطة أساس.
وقال خبير اقتصادات الشرق الاوسط في «كابيتال ايكونوميكس» سعيد الهرش إنه «من المحتمل أن يتعين على دول الخليج تعزيز الإنفاق الحكومي الذي ارتفع 02% في المتوسط العام الماضي مقارنة مع أقل من 51% سنويا على مدى السنوات العشر السابقة». وأضاف «أولا من المنتظر زيادة الإنفاق العسكري في شتى دول الخليج. وثانيا ستحتاج الحكومات الخليجية لتعزيز الإنفاق الرأسمالي إذا أدت التوترات السياسية لتراجع الاستثمارات الخاصة».
وبلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في دول الخليج نحو 04 مليار دولار في عام 0102 وفقا لأحدث بيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.
وبالرغم من أن ذلك ليس مبلغا كبيرا قياسا الى حجم الاقتصاديات الخليجية - اذ بلغ ناتجها الإجمالي نحو 4,1 تريليون دولار العام الماضي - فان كثيرا من الاستثمارات الأجنبية توجه الى قطاعات استراتيجية مثل النفط والغاز. لذا فان أي تراجع في هذه الاستثمارات نتيجة التوترات السياسية قد يضطر دول الخليج لتعزيز الإنفاق لتعويض ذلك.
وقال الهرش «ندخل عاما يعزف فيه المستثمرون بدرجة كبيرة عن المخاطرة. تأثير التوترات الإيرانية على تدفق رأس المال على الخليج قد يكون أكبر من تأثير الثورة في مصر وتونس على سبيل المثال».
وشهد الإنفاق الحكومي في الخليج ارتفاعا شديدا منذ اجتاحت موجة من الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية العالم العربي مطلع العام الماضي. وبلغ الإنفاق السعودي مستوى قياسيا عند 408 مليارات ريال (412 مليار دولار) في عام 1102 وهو ما يزيد 93%عن المستوى المستهدف و42%عن إنفاق عام 0102. وأعلنت الرياض ميزانية حجمها 096 مليار ريال لعام 2102. وقالت جدوى للاستثمار في تقرير انه من المتوقع أن يمثل الإنفاق الدفاعي والامني أكبر بنود الميزانية الا أنه لم يتم الكشف عنه بعد. ولن تجد السعودية صعوبة في تعزيز الإنفاق فأسعار خام برنت حاليا فوق 011 دولارات للبرميل مدعومة جزئيا بالتوترات بشأن إيران. ويتوقع محللون أن تحقق الرياض توازنا بين الايرادات والمصروفات في ميزانية 2102 عند مستوى 58 دولارا للبرميل. أما بالاسعار الحالية فستحقق الميزانية فائضا كبيرا. وبلغ الفائض نحو 1,41% من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي.
ومن شأن تفاقم الأزمة الإيرانية - ما دامت لم تتحول إلى حرب شاملة بالمنطقة - أن يؤدي الى فائض أكبر في السعودية وسائر دول الخليج. وقالت باركليز كابيتال الاسبوع الماضي ان فرض المزيد من العقوبات الدولية على إيران والحد من قدرتها على تصدير النفط وتلقي المدفوعات قد يدفع أسعار الخام العالمية الى ما بين 031 و041 دولارا للبرميل. وهددت طهران باغلاق مضيق هرمز الذي يمر منه نحو خمس تجارة النفط العالمية اذا عرقلت العقوبات الامريكية والاوروبية الجديدة صادراتها النفطية. ويقول محللون ان من شأن ذلك أن يدفع أسعار النفط بصفة مؤقتة الى بين 051 دولارا و003 دولار للبرميل وهو ما يكفي لتحقيق فائض في السعودية حتى اذا توقفت صادرات المملكة بعض الوقت خلال فترة الاغلاق.
وقال خبير الاقتصاد الكبير في مجموعة سامبا المالية جيمس ريف في لندن «نتحدث ربما عن توقف 52% من صادرات النفط السعودية. مازلت اعتقد أنهم سيسجلون فائضا بالميزانية حتى لو حدث ذلك».
وعلى أي حال يرى معظم المحللين أن أي اغلاق لمضيق هرمز لن يستمر طويلا ولن يتجاوز ساعات أو بضعة أيام في ضوء الحضور العسكري الأمريكي في الخليج.
وقال فاروق سوسة كبير خبراء اقتصادات الشرق الاوسط في سيتي «نعتقد أنه سيكون ارتفاعا وجيزا جدا في أسعار النفط لانه سيتضح سريعا أن إيران ليست لديها القدرة العسكرية على اغلاق مضيق هرمز فعليا».
وأضاف «سيكون رد المجتمع الدولي على أي محاولة من هذا النوع سريعا وحاسما وسيظل المضيق مفتوحا».
ولربما كان لاغلاق المضيق تأثير أكبر على البحرين والكويت وقطر من تأثيره على السعودية لان هذه الدول ليست لديها موانئ خارج الخليج. ومن المتوقع أن تتضاءل تداعيات أي اغلاق للمضيق على الامارات العربية المتحدة في وقت لاحق هذا العام حينما تفتتح خط أنابيب يتفادى مضيق هرمز وينقل معظم نفطها الى البحر العربي. ومن المقرر تدشين خط الانابيب بحلول منتصف 2102.
وحتى لو لم تتطور الازمة الى صراع عسكري فقد تواجه تجارة السلع الخارجية الإيرانية مزيدا من العقوبات المالية. لكن العلاقات التجارية بين دول الخليج العربية ماعدا دبي وإيران محدودة.
وقال كبير خبراء الاقتصادات الناشئة في دويتشه بنك روبرت بورجس «ازدادت التوترات مع إيران لكننا نعتقد أنها ما لم تتفاقم فستكون تداعياتها الاقتصادية الاوسع على المنطقة متواضعة على الارجح».
وأضاف «الاستثناء الوحيد هي الامارات العربية المتحدة وبالتحديد دبي حيث ارتفعت الصادرات إلى إيران بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية لتبلغ 4,02 مليار دولار في عام 0102 أو نحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي. وهذه بالاساس عبارة عن إعادة تصدير وتعكس تحويل التجارة من مناطق اخرى ردا على العقوبات على إيران، وهو أمر تسعى الولايات المتحدة بدرجة متزايدة إلى تقييده».
ووفقا لدويتشه بنك فان باقي دول مجلس التعاون الخليجي صدرت سلعا إلى إيران بقيمة 007 مليون دولار فحسب في عام 0102.
وقال صندوق النقد الدولي في مايو الماضي إن العقوبات الدولية المفروضة على إيران في ذلك الوقت قد تضر بالإمارات لانها أدت الى ارتفاع تكلفة تأمين التمويل التجاري وأقساط التأمين. وشكلت إيران اكثر قليلا من 6% من إجمالي صادرات الامارات و21% من التجارة غير النفطية.
الا أن تقدير الصندوق للضرر الواقع على الإمارات ليس معوقا لاقتصاد ينمو بين 3 و4% سنويا.
وأشار الصندوق عقب مشاورات دورية مع الإمارات إلى أن «الخسائر الناجمة عن انقطاع العلاقات التجارية القوية بين الإمارات وإيران قد تصل إلى بين 2,0 و7,0% من الناتج المحلي الإجمالي سنويا».
وأضاف «قد تؤدي العقوبات من خلال تعقيد تنفيذ المدفوعات والتسويات إلى خنق الطلب على العقارات من إيران، وهو ما يقوض آفاق تعافي سوق إسكان ضعيفة بالفعل في دبي».