الجريدة اليومية الأولى في البحرين



محاولات تاريخية فاشلة لإغلاق مضيق هرمز

تاريخ النشر : الاثنين ٢٣ يناير ٢٠١٢



واشنطون - من: أورينت ببرس
إذا استطاعت إيران إغلاق مضيق هرمز فعلاً، فسوف يتضرر الاقتصاد العالمي حتماً، لكن سيتأذى أيضاً الاقتصاد الإيراني الهش أصلاً خصوصا ان طهران تتكل على هذا المضيق لتسليم صادرات النفط إلى الصين وعملاء آخرين.
إذاً، هناك جملة موجبات تمنع ايران من تنفيذ وعدها باغلاق مضيق هرمز،رغم ان الدول الكبرى تلقفت تهديدها بجدية كبيرة، ومن الواضح ان الخاسر الاكبر من اغلاق «هرمز» ستكون ايران نفسها بالنظر الى تنامي تأثير العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها وحاجتها الى تلافي الوقوع في خسائر وكوارث اقتصادية جديدة.
«اورينت برس» أعدت التقرير التالي:
هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز ردا على تحركات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الرامية إلى فرض العقوبات على قطاع النفط الإيراني. وهناك من اخذ تهديدها على محمل الجد كون التصرفات الايرانية السياسية تنافي المنطق في احيان كثيرة.
يبلغ عرض أصغر نقطة في المضيق 21 ميلاً فقط، وهو يشهد يوميا عبور نحو 28 سفينة ناقلة للبترول ولا تكون دوماً محملة بالكامل، كذلك، يعبر نحو 17 مليون برميل من النفط (أي ما يساوي 20 في المائة من كمية النفط التي تشحَن حول العالم) عبر هذا الممر المائي، فإذا استطاعت إيران إغلاق المضيق فعلاً، فسوف يتضرر الاقتصاد العالمي حتماً، لكن سيتأذى أيضاً الاقتصاد الإيراني الهش أصلاً لأن إيران تتكل على ذلك المضيق لتسليم صادرات النفط إلى الصين وعملاء آخرين في الخارج وهو ما سيدفعها الى التفكير ألف مرة قبل الانصياع لغرائزها ومزاج قادتها المتقلب.
تجربة تاريخية
في مطلق الأحوال، لن يكون إغلاق المضيق سهلاً بقدر ما يظن قائد البحرية الإيرانية حبيب الله سياري، فقد اعتبر أن إغلاق المضيق سيكون سهلاً كشرب الماء، لكن عمليا، ستكون هذه الخطوة أصعب بكثير من شرب الماء وربما تغرق ايران هذه المرة جراء فعلة من صنع يديها.
في الواقع، جربت إيران هذه الحيلة في السابق ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً، وعام 1984، خلال الحرب العراقية الإيرانية، هاجم العراق ناقلات النفط الإيرانية ومنشأة إيرانية لتكرير النفط في جزيرة «خرج»، فردت إيران بمهاجمة الناقلات الكويتية التي كانت تشحن النفط الخام ثم ناقلات أخرى في الخليج العربي، وعام 1987، بعد سنوات على تزايد الاضطرابات في هذا الممر المائي الحيوي، رد الرئيس الامريكي رونالد ريجان بعرض تغيير جنسية الناقلات الكويتية ورفع العلم الأمريكي عليها وتخصيص سفن أمريكية أخرى لمرافقتها، فتجنبت إيران الرد باعتداءات مباشرة على السفن الحربية الأمريكية، ولكنها تابعت زرع الألغام وشن الاعتداءات من زوارق صغيرة وإطلاق مختلف الصواريخ على الناقلات.
كذلك، في 14 ابريل 1988، اصطدمت الفرقاطة الامريكية المزودة بالصواريخ الموجهة «صامويل بي روبرتس» بلغم إيراني، ولم يقتل أي بحار بل جرح البعض وكادت السفينة تغرق، فردت البحرية الأمريكية بإطلاق عملية عسكرية شكلت أوسع تحرك هجومي لها منذ الحرب العالمية الثانية.
ثم تحركت نحو ست سفن حربية أمريكية ضمن مجموعتين منفصلتين لتدمير منصتي نفط إيرانيتين، فرد الإيرانيون بإرسال زوارق سريعة مسلحة وفرقاطات وطائرة من طراز «إف-4» لاستهداف السفن الحربية الأمريكية. وعندما كانت السفن الأمريكية تدافع عن نفسها، أغرقت على الأقل ثلاثة زوارق إيرانية سريعة، وزورقا حربيا، وفرقاطة واحدة. كذلك، تضررت سفن إيرانية أخرى وطائرة إيرانية إضافية، أما الخسارة الوحيدة التي تكبدها الأمريكيون، فوقعت عندما تحطمت مروحية كوبرا التابعة لسلاح البحرية وكان الأمر مجرد حادث على ما يبدو، مما أسفر عن مقتل شخصين من طاقم الطائرة.
لاحقا، انتهت الحرب بعد أقل من ثلاثة أشهر عندما أطلقت حاملة الطائرات المزودة بالصواريخ الموجهة «يو إس إس فينسين»، عن طريق الخطأ، صاروخ أرض جو على طائرة ركاب إيرانية لأنها اعتقدت أنها طائرة مقاتلة، فدمرت الطائرة وقتل 290 شخصاً. قد يكون الأمر مجرد حادث، إلا أن النظام الإيراني كان مقتنعاً بأن واشنطون أرادت تصعيد حدة الصراع، فقرر الاتفاق على هدنة مع العراق.
وتستمر الوقائع
وقعت أكبر خسارة تكبدتها القوات الأمريكية خلال هذا الصراع كله في عام 1987، عندما أطلقت طائرة عراقية صاروخاً من طراز «اكسوسيت» استهدف الفرقاطة «يو إس إس ستارك»، ما أسفر عن مقتل 37 بحاراً وجرح 21 آخرين.
وقد قال الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين ان تلك العملية كانت مجرد حادثة. كما لم تثمر الجهود الإيرانية عن أي نتائج إيجابية فعلاً، فقد أشارت تقديرات شركة «لويدز أوف لندن» إلى أن حرب ناقلات النفط أدت إلى تضرر 546 سفينة تجارية ومقتل 430 بحارا مدنيا، لكن كان العراق، وليس إيران، هو من تسبب في معظم هذه الخسائر. صحيح أن هذه الاعتداءات أدت إلى إعاقة مرور النفط بشكل مؤقت، إلا أنها لم تقترب يوماً من إغلاق المضيق نهائيا.
صاروخ كروز
على الرغم من الكشف عن صاروخ جديد ومضاد للسفن من طراز «كروز» ويحمل اسم «قادر»، لم تصل القوات البحرية والجوية الإيرانية التقليدية إلى مضاهاة قدرات الأمريكيين وحلفائهم في المنطقة، حيث تنشر الولايات المتحدة وحدها مجموعتين من حاملات الطائرات وقوة للتدخل السريع تتمركز حول سفينة هجومية برمائية كانت في الأصل حاملة طائرات صغيرة، بالإضافة إلى عدد من الطائرات الموجودة في قواعد عدة مثل قاعدة «العيديد» في قطر، وقاعدة «الظفرة» في الإمارات العربية المتحدة.
يمكن أن تستعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة، المزودون بعدد متزايد من المعدات الأمريكية الصنع مثل طائرات «إف-15» و«إف-16» قوة فاعلة لتدمير القوات البحرية الإيرانية التقليدية من خلال عملية قصيرة.
خطر الألغام
في المقابل هناك خطر آخر يبدو في الأفق لإعاقة تدفق النفط، ترتكز قدرة إيران الحقيقية على إمكاناتها المتفاوتة في طريقة خوض الحروب، إذ تملك آلاف الألغام ويستطيع بعض السفن لديها زرع الألغام تحت الماء، فضلا عن امتلاكها عدداً صغيراً من الغواصات القزمية، وآلاف السفن الصغيرة التي يمكن استعمالها في الاعتداءات الجماعية، بالإضافة إلى صواريخ «كروز» المضادة للسفن. إذا أقدم الإيرانيون على زرع الألغام، فستتطلب إزالتها كلها وقتاً طويلاً، فقد استلزمت إزالة جميع الألغام بعد حرب ناقلات النفط أشهراً عدة، لكن احتاج تنظيف الممرات الآمنة عبر الخليج العربي، من محطات شحن النفط وإليها، فترة أقصر من ذلك.
من المعروف أيضا أن صواريخ «كروز» المضادة للسفن تكون متحركة، لكن يمكن رصدها وتدميرها رغم ذلك. بينما تشكل غواصات «يونو» تهديداً قصير الأمد لأنها تضطر في مرحلة معينة إلى العودة إلى محطتها الأساسية لإعادة التزود بالإمدادات التي تحتاج إليها، وعندما تقوم بذلك تصبح هدفاً سهلاً، وقد تتكبد القوات الأمريكية بعض الخسائر، كما حصل عندما استهدفت سفينتي «يو إس إس ستارك» و«صمويل بي روبرتس»، لكن سرعان ما تسيطر على الوضع مجدداً.
بناء على ما تقدم، يجب أن يدرك الإيرانيون أن ميزان القوى لا يميل إلى كفتهم، فمن خلال شن الأعمال العدائية، هم يجازفون بمواجهة رد أمريكي عنيف يستهدف أثمن ما يملكونه: البرنامج النووي السري، ومن المحتمل إذاً ألا يتابع الإيرانيون تهديداتهم باستعمال القوة.
ومع ذلك، يشير هذا الخطاب الناري إلى حجم القلق الذي يشعر به الإيرانيون من تداعيات العقوبات الأخيرة على قطاع النفط الإيراني. إنه سبب إضافي ليتابع الأوروبيون فرض عقوبات مماثلة.