الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


من أعمالِ عمرَ بن عبدِالعزيز

تاريخ النشر : الثلاثاء ٢٤ يناير ٢٠١٢

عبدالله خليفة



عاشُ عمرُ بن عبدالعزيز بين (61هـ - 99)، (681- 720م)، في ومضةٍ قصيرة من الحياة وبزمن أقصر في الحكم، وصلَ إليه بشكل مصادفةٍ، والمصادفاتُ تدللا على غيابِ القوانين الموضوعيةِ للتطور الديمقراطي، فجاء بعد حكام كبار شديدي التحكم والاستغلال، وفي أثناء زمن حكام ضعاف ذوي مدد قصيرة غالباً، وصلت فيها السلطةُ الأموية وقتها إلى التفكك والضعف، فاستطاع عمر بن عبدالعزيز أن يمثل لحظة مذهلة من السياسة الحكيمة النزيهة بينت أهمية منصب الحاكم وخطورته حتى لو كانت السلطة مهترئة.
بدت بوادر نظرته المسئولة حين كان والياً على المدينة المنورة فوضع مجلساً للشورى لعب دوراً في بناء سياسة حازمة ودقيقة في هذه المدينة، التي غدت بحيرة مختلفة في ظروفِ حكمها عن المحيط العربي الغارق في الأزمات.
فكان هناك الحجاج بن يوسف الثقفي الذي سجنَ وقتل الآلاف وكان لابد من أن تقوم علاقة تنافر شديدة بين الرجلين، وطلب عمر من الوليد خليفة دمشق أن يأمرَ الحجاج بعدم المرور بالمدينة. فتآمر الحجاج بعد ذلك للتخلص من عمر والياً، لكن عمر ارتفع إلى منصب الخليفة من دون رغبة منه، وقد دافع عن سليمان ولي العهد ورفض التنازل عن بيعته حين أراد عبدالملك بن مروان التخلص منه، مما جعل سليمان يختارهُ ولياً لعهده. سلسلةٌ من المواقف المبدئية جعلت منه رمزاً مضيئاً في امبراطورية غارقة في الفساد. فكيف واجه معضلات الحكم؟
سمع الحجاجُ قاصاً يحدثُ الناسَ عن سيرة أبي بكر وعمر فقال: ما يفسدُ الناسَ على أمير المؤمنين، أي الخليفة الأموي، إلا هذا وأشباهه يقعدون ويقعد إليهم أحداثُ الناسِ ويذكرون سيرة أبي بكر وعمر فيخرجون على أمير المؤمنين! في حين كان عمر بن الخطاب يقول: لو أن شاةً هلكتْ ضياعاً في شاطئ الفراتِ لخفتُ أن أُسأل عنها!
لكن الآن وصلتْ سيرةُ الخلفاء الراشدين إلى الحكم نفسه.
قال شيخٌ من أهل المدينة: رأيتُ عمرَ بن عبدالعزيز في المدينة وهو من أحسن الناس لباساً وأطيبهم ريحاً ومن أخيلهم في مشيته، ثم رأيته بعد أن ولي الخلافة يمشي مشية الرهبان فمن حدثك أن المشية سجية فلا تصدق.
قال صاحب البريد: ركبتُ البريد إلى عمر بن عبدالعزيز، فانقطع في بعض أرض الشام فركبتُ السخرةَ حتى أتيته. (أي ركبَ دواباً لمواطنين وليستْ للدولة).
فقال: ما فعلَ جناحُ المسلمين؟ قلتُ: وما جناحُ المسلمين؟ قال: البريد. قلتُ: انقطعَ في أرض كذا وكذا. قال: فعلى أي شيءٍ أتيتنا؟ قلتُ: على السخرة، تسخرتُ دوابَ النبط.
فقال: تسخرون في سلطاني؟!
فأمرَ بي فضربتُ أربعين سوطاً. (طبقات ابن سعد).
كان عمر بن عبدالعزيز يرتدي قبل خلافته الملابس الغالية فإذا لبسها استخشنها فلما أتتهُ الخلافةُ تركَ كل ذلك إلى الملابس الخشنة. (شرح نهج البلاغة).
كتب عمر أن يُنظر في أمر السجون ويُستوثق من أهل الذعارات (الأشقياء والبلطجية) وكتبَ لهم برزق الصيف والشتاء. وكتب إلى أمراء الأجناد للاهتمام بهم وقال إن الحبس لهم نكال ولا تعد في العقوبة وبضرورة تعهد المرضى ومن لا أحد معه أهل أو ليس لديه مال، وبضرورة عدم خلطهم مع أصحاب الديون والقضايا الأخرى. وبضرورة عدم وضع المرتشين وعدم الموثوق بهم إنسانياً على السجون. ووضع النساء في ظروف خاصة ومعاملة مختلفة. (المستطرف الجديد، ص 150، هادي العلوي، دار المدى).
تناظر أبوسليمان الداراني مع أبي صفوان في عمر بن عبدالعزيز وأويس القرني فقال أبوسليمان: كان عمر أزهد من أويس. فقال له: كيف؟ فقال: لأن عمرَ بن عبدالعزيز ملكَ الدنيا فزهدَ فيها. فقال أبوصفوان: وأويس لو ملكها لزهدَ فيها. فقالَ أبوسليمان: أتجعلُ من جربَ كَمَن لم يجربْ؟
قال ميمون بن مهران وهو من مساعدي عمر بن عبدالعزيز: إن السلفَ كانوا إذا رأوا رجلاً راكباً وشخصاً يجري خلفه قالوا: قاتلهُ اللهُ من جبار!
قالت فاطمة بنت عبدالملك زوجةُ عمر بن عبدالعزيز بعد وفاته: والله إنه ما اغتسلَ من جنابةٍ منذ أن ولي هذا الأمر حتى قبضهُ الله!
أُحضرت إليه أموالُ الخراجِ فقال لا تدخلوها بيتَ المال بل وزعوها على مساكين ومعوزي المسلمين، فقالوا لم يعد أحد محتاجاً. فقال وزعوها على فقراء المسيحيين واليهود!
تعبر شخصيةُ عمر وشخصيات المصلحين من المسلمين الأوائل عن محاولات تغيير أوضاع الناس من خلال أشكال التوزيع المالية، فعبر توزيع أموال الخراج والزكاة كانوا يريدون تبديل الأحوال، لكن الأحوال لا تتبدل عبر التوزيع المالي فقط، إذا لم تحدث تغييرات جوهرية في أنظمة الإنتاج، ولهذا فإن الأحوال تعود كما السابق بمجرد رحيلهم. لأن أموال الخراج المستخلصة من الأراضي العامة والزكاة سرعان ما تعود إلى أيد أخرى غير مسئولة.