لماذا إنسحب البـرادعي من سباق الرئاسة مبكرا؟
 تاريخ النشر : الأربعاء ٢٥ يناير ٢٠١٢
بقلم: د. يحيى عبدالقادر
تحكي كتب التاريخ أن الرئيس الراحل أنور السادات ذكر في كتابه الذي ضم سيرته الذاتية (البحث عن الذات) أنه كان يسكن بالقرب من قصر القبة مقر الملك فؤاد الأول وكان يشاهد الملك فى غدوه ورواحه فعاش يحلم بأن يصبح ملكا على مصر والسودان مثل جلالة الملك. كان هذا حلم السادات الذي لم يخفه عن أحد أما حلم البرادعي بحكم مصر فهو ما لم يخطر على قلب بشر حتى حل الطائر المهاجر إلى بر المحروسة مطالبا بعرشها عام ٢٠١٠!
لا يخفى على أحد أن الرجل عاد إلى مصر بعد اغتراب تجاوز ثلاثة عقود وهو«غريب الوجه واليد واللسان» كالمتنبي فى بلاد فارس لا يعرفه أحد.
لقد فرح أبناء الشعب بحصوله على جائرة نوبل على جهوده فى المنظمات الدولية إلا أن طموح الرجل يتجاوز سقف وأبراج نوبل للسلام.
لطالما سخر قراء الصحف اليومية فى مصر من شخصية (عبده مشتاق) التى أبدعها الكاتب الساخر أحمد رجب وصورتها ريشة الفنان مصطفى حسين لذلك الرجل المشتاق للحصول على منصب وزير أو مشير بأي وسيلة. بعد تنازل الرئيس عن منصبه اندفع البرادعي يعلن رغبته في تولي منصب الرئاسة وكأنه يقدم تضحية غالية للبلاد والعباد.
ثم انضم إلى فريق من الأحزاب المصرية التى دعته للترشح تحت رايتها فوافق (عبده مشتاق) على مضض لكن حلمه بالجلوس على عرش فؤاد الأول مازال يتأجج فى صدره. قام المجلس العسكري - الذي يبدو من عنوانه أنه يضم رجال العسكر أي أنهم خبراء فى شئون الدفاع عن البر والبحر والجو - بالدعوة لإجراء انتخابات نيابية والتي أسفرت عن فوز الأحزاب الشعبية بنصيب الأسد.
اكتشف فارسنا أن الرياح تأتي بما لا تشتهي سفنه وأحلام اليقظة التي تتأجج فى خياله بالعرش تذوي.. ثار وفار وخرج علينا ببيان يقول ان المجلس العسكري «يأبى إلا أن يمضي في الطريق القديم كأن ثورة لم تقم وكأن نظاما لم يسقط.»!
نحن لا ندري أي درب قديم يحكي عنه الزعيم. فالمجلس العسكري يضم رجال حرب وكرب لم ينعموا بخبرة البرادعي في المحافل الدولية وموائد المفاوضات والرسم بالكلمات.
لقد صرح المجلس بأن مهمته تنحصر في اجراء انتخابات نيابية ثم إتمام الانتخابات الرئاسية ويسدل الستار دائما كما في الروايات التي تنتهي نهاية سعيدة.
ينعى السيد الخبير على المجلس محاكمته المدنيين أمام محاكم عسكرية... وإذا كانت التهم تندرج تحت قوانين قد صيغت منذ عقود من الأعوام فما هي جناية المجلس؟
كأن حرق المجمع العلمي المصري الذي يضم ذخائر الفكر لم يدر بخلد الزعيم الحائز جائزة نوبل الذهبية فلم يتحدث عن قنابل المولوتوف التي التهمت أمهات الكتب لكنه ينعى قسوة العسكر في التعامل مع الصبية الجانحين الذين تورطوا في جريمة حرق هذا الصرح العلمي.
أود أن أقرر أن الرجل نظيف اليد شريف النفس لكنه أمضى زهرة شبابه في رفقة ذوي الياقات البيضاء يجهز التقارير ويجري الأبحاث وكلها مهارات لا تغني من جوع في خضم بحر السياسة اللجي الذي يدفع للدهاء والذكاء والصبر على الأعداء.
فالرجل من خلال سعيه الدؤوب لا يكف عن حرق الجسور وهدم المعابد وهي سمات تنذر برغبته السريعة في تحقيق النصر مهما كان الثمن وهي مؤهلات تجلب الندم كما نشاهد على ساحات الواقع الأليم كلما أشرقت علينا شمس يوم جديد.
لابد أن العبقري الراحل انور وجدي يتقلب فى قبره حسرة وهو يسمع بقيام بطلنا بسحب ترشيحه من السباق الرئاسي قبل أيام من حلول الذكرى الأولى للثورة.
فموهبة أنور وجدي في فيلم (أمير الانتقام) تتوارى إلى جانب براعة البرادعي في اقتناص الأزمات وإلهاب مشاعر جماهير مؤججة وسفك الدمع على فراقه الوشيك.
إذا كان الرجل يدرك أن بياناته سوف تزيد المسرح اشتعالا - وهو يحمل درجة علمية عالية - فما حال الصبية الجانحين الذين أغواهم كبار جانحون؟
لا أدري ما هو الرد لكن الأيام المقبلة سوف تكشف لنا عن دلالات خروج البرادعي من سباق الرئاسة في مصر مبكرا.
.