الجريدة اليومية الأولى في البحرين


هوامش


مجرم من ينشر الكراهية بيننا

تاريخ النشر : الأربعاء ٢٥ يناير ٢٠١٢

عبدالله الأيوبي



لا يمكن لعاقل أن يقلل من حجم الضرر والتصدع اللذين لحقا بالنسيج الوطني البحريني جراء الأحداث التي شهدتها بلادنا بداية العام الماضي وما تلاها من تداعيات أسهمت هي الأخرى في تعميق هذا الضرر وزيادة حدة التصدع، ولكن أعتقد من المبالغة القول إن مجتمعنا البحريني وصل إلى مسافة بعيدة من الخصومة بين مختلف مكوناته وأطيافه بحيث نحتاج إلى جهود كبيرة جبارة لتحقيق مصالحة وطنية بين هذه المكونات التي لم تفترق عن بعضها بعضا ولم تدخل في عداوة مباشرة، ذلك أن نسيجنا الوطني حتى الآن قابل للترقيع وتصويب ما أصابه من أضرار، ولكن مع ذلك لا يمكن التقليل من حجم الخطورة وما يمكن أن يلحقه استمرار التوتير المتعمد من أضرار قد تصعب معالجتها، وإن نجحنا في ذلك فسيكون الثمن باهظا من دون أدنى أشك.
البعض قد يلجأ إلى تضخيم حجم الضرر الذي أصاب النسيج الوطني، ربما لأهداف ذاتية، عرقية كانت أم مذهبية، خاصة أن الوضع الذي نمر به حاليا فتح أبوابا أمام الانتهازيين والوصوليين لتسلق هذه الظروف غير الطبيعية التي وجدنا أنفسنا فيها، وهي ظروف ربما لم يعايش أبناء البحرين حدة شبيهة بها من حيث الاستقطاب الطائفي الذي سخره البعض لخدمة مآربه غير الشريفة، إذ إن النتائج التي يمكن أن يجلبها مثل هذا الاستقطاب تعتبر خطرة على السلم الأهلي والوحدة الوطنية، وبالتالي فإن أي عمل، مهما تكن تسميته أو دوافعه، يستهدفهما، هو عمل غير شريف.
لكن عدم تضخيم هذا الضرر لا ينفي وقوعه واستمرار تأثيره في العلاقات المجتمعية بين مكونات الشعب البحريني، وبالتالي فأنا أميل إلى الطرح القائل إن هذا الضرر ليس مفجعا، حتى الآن، ولكن لا يجوز وليس مقبولا التقليل من خطورته وعدم الاكتراث بما قد يسبب استمراره من نتائج يمكن أن تكون مدمرة بالنسبة إلى نسيجنا الوطني، لهذا لا نقلل من أهمية التحركات التي تحدث هنا وهناك وتحت تسميات مختلفة من فعاليات وطنية عدة يحز في نفسها ويؤلمها أن ترى التدهور يضرب العلاقات المجتمعية بهذه الحدة الخطرة.
هل نحن بحاجة إلى مصالحة وطنية؟ أي هل مكونات المجتمع البحريني دخلت مرحلة خطرة من الخصومة بحيث لا مخرج لنا منها إلا بإجراء مصالحة بين هذه المكونات؟
لا أعتقد أننا دخلنا مثل هذه المرحلة، ولكن ترك التصعيد على وتيرته الحالية يمكن أن ينقل الخلافات الحاصلة بين بعض الفئات من هذه المكونات إلى حالة من الخصومة قد تجر معها فئات أخرى تنتمي إلى المكون نفسه، خاصة المكون الطائفي الذي يبدو أنه بات يملك خاصية الجذب في هذه الظروف، بحيث أصبح البعض يرجح انتماءه المذهبي على انتمائه الوطني، بل حتى الديني أيضا.
إن ما يهدد نسيجنا الوطني حاليا الذي يمكن أن يحول الخلافات الحاصلة على الساحة الوطنية بين أطراف عدة إلى حالة من الخصومة، ويرتفع بها إلى درجة الخصومة بين مختلف الفئات والمكونات، هو خطاب الكراهية الذي أخذ ينتشر من دون أدنى إحساس بما يمثله هذه الخطاب من تهديد خطر على المدى البعيد، فنشر ثقافة الكراهية بين مكونات المجتمع البحريني يعد نقلة نوعية خطرة لتداعيات الأحداث الأخيرة التي لاتزال تضرب الكثير من مفاصل الجسم الوطني.
فلا يمكن الحديث عن معاجلة تداعيات الأحداث الأخيرة أو تنشيط جهود مختلف الفعاليات الوطنية لترميم التصدعات، ما لم نبدأ برفض وتحييد خطاب الكراهية والتحشيد المذهبي، فاستمرار مثل هذا الخطاب كفيل بإفشال كل جهود ترميم البيت الوطني، فلا يكفي أن نبدي حسن النيات وأن نرفض وجود خصومة بين مكونات وفئات المجتمع البحريني، وإنما المطلوب ممارسة عملية تتبنى رفض كل شكل من أشكال نشر ثقافة الكراهية والتصدي للخطاب الناشر لهذه الثقافة.
من المؤكد أن الغالبية الكبرى من مكونات وفئات شعب البحرين ترفض أن تضرب الكراهية علاقاتها التي بنيت على مدى مئات من سني «العشرة» والعيش المشترك، ولكن أصوات هذه الفئات خافتة حتى الآن في حيت تتعالى أصوات الكراهية وتجد لنفسها القنوات التي «تتسلل» منها، مثل المنابر الدينية التي يفترض أن تكون واحدة من أهم قنوات ترميم التصدعات ونبذ كل شكل من أشكال بث ونشر الكراهية بين أبناء الوطن الواحد، فلا مجال للصمت في مواجهة ثقافة الكراهية ورفع وتيرة الاحتقان الطائفي، وإلا سنجد أنفسنا في أتون هاوية ستحرق يابس وأخضر بلادنا، فإذا ما مُزقت (برفع الميم) المظلة الوطنية، عندها لن تنفع المظلات المذهبية.