اتجاه لتقليص الجيش والمارينز.. وأوباما يعيد إحياء سياسة أسلافه
 تاريخ النشر : الخميس ٢٦ يناير ٢٠١٢
واشنطن - من: «أورينت برس»
مرة جديدة، يعيد التاريخ الأمريكي نفسه، بحيث لم يكن مفاجئاً للجميع ان يخرج الرئيس الامريكي باراك اوباما لاعلان استراتيجيته العسكرية الجديدة التي تتضمن اولاً تقليص حجم الجيش والمارينز. وهكذا يبدو جليا ان اوباما يسير بهدى اسلافه، بحيث تبنى السياسة عينها التي وضعها الكثير من الرؤساء الامريكيين السابقين تقريباً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ورغم انه صرح بضرورة الاستفادة من دروس التاريخ، وعدم تكرار الاخطاء والسياسات عينها عندما لم يتم إعداد الجيش لمواجهة تحديات المستقبل، فإنه مضى ليعلن خفض تمثيل المؤسسة العسكرية عبر تقليص عديدها.
«أورينت برس» أعدت التقرير التالي:
لا لبس في ان تقليص حجم القوات الامريكية هو بالدرجة الاولى قرار مدفوع بالمشكلات المادية المستعصية التي تعانيها البلاد جراء الازمات الاقتصادية وتراجع المستويات المعيشية. والحقيقة الاولى المستقاة من تصريح اوباما تكمن في ان الادارة الامريكية باتت ترغب في ان تعتمد مؤسستها العسكرية أكثر على الشراكات مع الحلفاء، وان تتجنب عمليات المواجهة والصراع الواسعة النطاق، وكذلك عمليات الغزو الطويلة الأمد، على النحو الذي كان موجوداً في حربي الولايات المتحدة بالعراق وأفغانستان، وذلك بعدما تكبدت خسائر فادحة ستترك تداعيات على البلاد حتى عقود تالية.
بدلاً من ذلك، ستحرص وزارة الدفاع «البنتاجون» على الاستثمار في قوات العمليات الخاصة التي عادة ما تكون لها آثار أقدام أصغر، كما تتطلب نفقات أقل من الوحدات العسكرية التقليدية، بالإضافة إلى الطائرات من دون طيار، وأمن الفضاء المعلوماتي، بحسب مسؤولي الدفاع الأمريكيين.
انتقادات لاوباما
رغم ان اوباما يرى في قرار تقليص الجيش القرار الامثل لتعافي البلاد واعادة وقوفها على قدميها، فإن بعض الخبراء العسكريين ولاسيما من صفوف الحزب الجمهوري انقضوا عليه، معتبرين ان التاريخ الامريكي يقدم دروساً مستفيضة حول وجوب عدم تقليص المؤسسة العسكرية لأن في ذلك تبعات اخرى ليست اقل سوءاً.
على سبيل المثال، يقول المعارضون، عندما قرر الرئيس هاري ترومان تقليص الميزانية العسكرية مخافة تكرار كُلَف باهظة كتلك التي تكبدتها واشنطن في الحرب العالمية الثانية، عمد إلى تقليص الجيش من ٨ ملايين جندي إلى أقل من نصف مليون جندي. ولولا تدخل الكونجرس، لكان أمر بإلغاء قوات المارينز من الأساس وبشكل كلي. والنتيجة كانت إضعاف القوات البرية في حرب كوريا، وهي حرب لم يكن ترومان ينوي خوضها أصلاً.
ومع الرئيس دوايت ايزنهاور جاءت استراتيجية «الشكل الجديد» التي سعت هي أيضاً إلى تقليص عديد الجيش والمارينز من جديد قصد السماح بإنشاء قوة توصيل نووية تبنى حول القيادة الجوية الاستراتيجية، ثم جاءت حرب فيتنام، وهي حرب لم يكن لا ايزنهاور ولا الرئيس جون كيندي ولا ليندون جونسون يرغبون في خوضها، أو مستعدين لاستحقاقاتها الجسيمة. ومع حلول سنوات السبعينيات، تفكك الجيش الامريكي المحترف مرة أخرى واُستبدل متطوعون به، وكانت النتيجة التي يعرفها الجميع: الاندحار و٥٨ ألف قتيل في حرب فيتنام. وبعد حرب فيتنام، بادرت إدارة ريتشارد نيكسون إلى تقليص حجم الجيش مرة أخرى، ثم جاء الشكل الفريد من الإهمال في عهد كارتر الذي أفضى إلى ما اصطلح البعض على تسميته «الجيش الفارغ» الذي عرفته الولايات المتحدة في أواخر السبعينيات.
دروس تاريخية
في عهد ادارة رونالد ريجان، تحسنت الامور قليلاً، بحيث تلقت القوات البرية في ذلك العهد تمويلاً كافياً لتجهيز وتدريب نفسها فكلفت بعملية «عاصفة الصحراء».
ولكن سرعان ما عاد تقليص الجيش في عهد بيل كلينتون وكذلك في عهد إدارة جورج بوش الابن، حيث واصل وزير دفاعه رامسفيلد سياسة تسعى إلى استغلال تكنولوجيا المعلومات قصد استبدال التفوق التقني بفاعلية العنصر البشري في الحرب.
واليوم، قام اوباما بالخطوة عينها فيما تنتشر التقارير التي تتحدث عن تراجع كفاءة الجيش الامريكي وعن صعوبة ادائه لمهامه في العراق او في افغانستان حيث سجل العديد من الثغرات، ناهيك عن تراجع ولاء الامريكيين للمؤسسة العسكرية بالنظر الى تراجع اقبال الشبان على الانخراط في صفوف الجيش.
وتعتزم إدارة أوباما تقليص القوات البرية المحترفة من أجل تمويل شيء يدعى «المعركة الجوية البحرية»، وهي استراتيجية تسعى إلى اقتناء مزيد من السفن والطائرات من أجل مواجهة الصين بواسطة التكنولوجيا بدلاً من الرجال. ولكن ربما تستغل الصين او اي طرف معاد للولايات المتحدة الثغرات الموجودة في المؤسسة العسكرية بالنظرالى اهمال الجيش على مدى ست إدارات متعاقبة رغم الانفاق الكبير عليه.
خطط رئاسية
يبدو ان اوباما يخطط لعهد من التقشف سيتطلب حتماً استخداماً أكثر تقييداً للقوة العسكرية، وأهدافاً أكثر تواضعاً في مجال السياسة الخارجية، وقد صرح أوباما: «صحيح أن جيشنا سيصبح أقل حجماً إلا أن العالم يجب أن يعرف في ذات الوقت أن الولايات المتحدة ستحافظ على تفوقها العسكري من خلال استخدام قوات مسلحة أكثر خفة، ومرونة، واستعداداً لمواجهة طيف كامل من الحالات الطارئة والتهديدات، التي يمكن أن تنشأ في أي لحظة».
وقال أوباما، عن قادة البنتاجون: إن استراتيجيتيهم العسكرية الجديدة المتضمنة في وثيقة مكونة من ثماني صفحات، ستكون دليلا إرشاديا لاتخاذ قرارات مؤلمة بشأن إجراء خفوضات في الميزانية الدفاعية على ان تعلن تفاصيلها لاحقا.
ومن المعروف أن البيت الأبيض قد وافق، في اتفاق تم التوصل إليه مع الكونجرس بشأن تخفيض العجز في الموازنة، على تخفيض الإنفاق العسكري المستهدف خلال السنوات العشر القادمة بمقدار ٤٨٠ مليار دولار، أي بنسبة ٨ في المائة اكبر مما كان البنتاجون قد خطط له في الأصل.
وقال أوباما: «إن الميزانية الدفاعية قد ترتفع قليلاً مع ذلك، مستطردا: أعتقد جازماً أن الشعب الأمريكي يدرك جيداً أننا قادرون على المحافظة على جيشنا قويا من خلال ميزانية عسكرية أكبر من مجموع الميزانيات العسكرية للدول العشر التالية للولايات المتحدة في القوة العسكرية».
ولكن الشيء الذي يقلق قادة البنتاجون حقا هو أن متاعبهم المالية على وشك التفاقم، فوفقاً لاتفاق منفصل مع الكونجرس سيتم البدء بإجراء تخفيضات إضافية بمقدار ٥٠٠ مليار دولار ما لم يستطع مشرعو القوانين الاتفاق على خطة بديلة لتقليص العجز في الميزانية بنهاية هذا العام. وفي هذا السياق تنبأ المراقبون بأن المشرعين سيجدون طريقة تمكنهم من تجنب إثارة موضوع الخفض الإضافي في نفقات القوات ريثما تنتهي فترة الانتخابات، لكن إجراء المزيد من الخفوضات لايزال أمراً محتملاً في إطار محاولة الكونجرس لإيجاد طرائق لتحسين الميزانية العامة للدولة.
هجوم شرس
ردا على ذلك، هاجم بعض اعضاء الكونجرس الجمهوريين الميزانية العسكرية لإدارة أوباما قائلين: إنها ستؤدي لإضعاف وضع الولايات المتحدة في العالم. ووصفت خطة اوباما بأنها «استراتيجية القيادة من الخلف لواشنطن التي تركت في المؤخرة».
كما كثف الساسة الجمهوريون المنافسون لأوباما في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في نوفمبر القادم انتقاداتهم لسجل أوباما في الأمن القومي. ومع ذلك، وفي ضوء امتناع الحزب الجمهوري عن الموافقة على خطة أوباما لفرض مزيد من الضرائب، فإن بعض المترشحين الجمهوريين، والمشرعين، قالوا: إن الميزانية الدفاعية يجب ألا تكون معفاة من إجراء المزيد من التخفيضات عليها لكن هؤلاء كانوا قلة فيما الاغلبية معارضة.
المحصلة انه بدلاً من استخدام جيش نظامي وقوات مارينز في حروب لمواجهة تمرد طويل الأمد، فإن إدارة أوباما تفضل أن تركز بشكل أكثر قوة في تأسيس قدرات مصممة خصيصاً لإدارة مهام مكافحة الإرهاب، وخوض الحروب غير النظامية التي قد تضطرها الحاجة إلى خوضها في أي مكان من العالم، مع الاعتماد على التقنيات والتكنولوجيا بشكل اكبر.
.