عالم يتغير
توحيد الصف خلف الدولة لايزال مسألة مصيرية
تاريخ النشر : الخميس ٢٦ يناير ٢٠١٢
فوزية رشيد
} حين يُقال إن الدولة ترى ما لا يراه المواطن، في مواجهة المخططات المتداخلة ذات السمات الداخلية والإقليمية والخارجية، فإن مثل هذا القول حتماً ليس مثار سخرية أو تبسيط أو تسطيح، فالدولة بما تملك من معلومات وفيرة وعلى رأسها المعلومات الأمنية والاستخباراتية هي الأقدر على معالجة الأمور، وهي تحديداً في مثل هذه المرحلة الزمنية التي بدأت بمخطط 14 فبراير، ولايزال مستمراً حتى اليوم، ويأخذ أشكالاً مختلفة، تتبدل فيها مراحل الخطط، كلما أفشلت الدولة واحدة منها، فإنها هي أي الدولة، الأحرص حتماً على استقرار النظام، والأكثر حرصاً على الأمن والاستقرار بشكل عام، حتى لو كانت سيناريوهات التعبير عن ذلك الحرص والحفاظ على أمن الوطن، لا تروق أحيانا للشرفاء والوطنيين، الذين يعتقدون أن الدولة لا تُظهر القوة المطلوبة في مواجهة مخططات التخريب والفوضى ومحرضيها، بل أنا معهم نصل أحياناً إلى حالة دوار الرأس، مما نراه ومن كيفية المواجهة، وتمر لحظات أو فترات، نُصاب فيها جميعاً بالإرباك، وربما عدم الثقة بكيفية معالجة مجرى الأحداث، ونحن نرى معاً، كأن هذا الوطن يكاد يضيع من بين أيدينا مجدداً، جراء التحريض والتصعيد والممارسات اللاسلمية، وحيث مع كل انكشاف للأوجه المتعددة للخطط ومراحلها من (ألف) إلى (باء) إلى (جيم) إلى البدائل الأخرى نتساءل: ماذا تنتظر الدولة؟ ولماذا لا تقبض على رؤوس الفتنة والتحريض؟ ولماذا تترك الأمور تتصاعد؟ ولماذا لا تواجه الإعلام الفتنوي بإعلام محلي مضاد؟ ألا تخشى من حدوث اقتتال طائفي جراء التصعيد الفئوي الطائفي، ونفاد صبر أبناء الفاتح من ذلك ومن الاستفزازات اليومية والشحن والتحريض؟ لماذا نترك رجال الأمن وحدهم أمام المخربين والإرهابيين؟ لماذا ليست هناك شفافية سياسية من الوزارات المعنية بحقيقة ما يجري وما نواجه؟ إلى أين نحن سائرون؟ وما هو مصير هذا الوطن الصغير وليس من مهمة لمن تسمي نفسها المعارضة، إلا التأزيم لإيصال الجميع إلى الحرب الطائفية وحافة الهاوية والفتنة والفوضى؟ لماذا لا يُطبق القانون على مرجعيات تنادي مباشرة بدوس رجال الأمن؟ وأسئلة كثيرة أخرى طالما عبّر عنها شرفاء هذا الوطن من كتّاب ومواطنين وجمعيات سياسية وفاعليات.
} عن كل تلك الأسئلة ربما لا نجد إجابات شافية، وربما لا تريد الدولة نفسها الإجابة عن بعضها، ولكن الذي نعرفه جميعاً أن مخطط الدوار، قد فشل بحفظ من الله ورعايته، ثم بحكمة الدولة في معالجة العُقد التي كان يتم وضعها في المنشار بشكل دائم، وبوقفة أهل الفاتح التاريخية خلال أحداث مخطط الدوار وبالتعاون الخليجي.
أنا لا أقول اليوم إن الأسئلة انتهت أو ستنتهي، طالما أن أطراف التأزيم والتهديد، وأصحاب الأجندتين الإقليمية والدولية مستمرون في دفع الأمور إلى أزمة جديدة، ساحتها الفتنة الطائفية والفوضى وتشتيت صف أبناء الفاتح، ودفعهم دفعاً إلى ردود أفعال ينتظرها الانقلابيون بأحر من الجمر، لتكون الذخيرة الحيوية للمخطط الجديد الذي نعيش فحواه هذه الأيام والأيام القادمة، ونعرف أيضاً أن مهمة الدولة صعبة في مواجهة كل تلك الأجندات.
} ونعرف أيضاً أن التصعيد ليس اعتباطاً، ولا تحريض المنابر الوفاقية والعلمائية اعتباطاً، ولا تدريبات نبيل رجب لأتباعه في اختراق المنامة اعتباطاً، ولا ما يحدث في المحرق اعتباطاً، وحتماً ما يحدث في القرى هو بدوره ليس اعتباطاً.
بالمقابل فإن محاولات اختراق صفوف أبناء الفاتح هي محاولات تتطلبها أيضاً تنفيذ المرحلة الجديدة من خطط التخريب والفوضى والفتنة، وهذا يتطلب في هذه المرحلة الزمنية مسألتين مهمتين:
1- توحيد صف كل الوطنيين والشرفاء والمعنيين بأمن هذا الوطن وحمايته والدفاع عنه في وجه المخططات التي تأخذ شكلاً جديداً على الرغم من بقاء الهدف ذاته، وأن يكون توحيد الصف عمليا وفاعلا .
2- الوقوف مع الدولة في مواجهة تلك المخططات، والثقة بما تتخذه من إجراءات قد يبدو بعضها في ظاهره ضرراً ولكنه الضرر الذي ربما يتفادى ما هو أكبر وأخطر منه، ورفض أي روح تشكيكية في هذه المرحلة تحديداً.
} الأشهر القادمة هي مرحلة حاسمة في حماية هذا الوطن وحماية شعبنا من الفتنة الكبرى التي يريدها الانقلابيون، وبالتالي هي تحتاج إلى يقظة حقيقية، تبدأ - مثلما قلنا - بتوحيد الصف لكل الجمعيات السياسية الوطنية والمؤسسات المدنية والأهلية، التي تحتاج إلى المزيد من الحركة الفاعلة من جانب الجميع وعلى رأسهم أيضاً شباب الفاتح، والقائمون على القروبات والمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، ببث الوعي والإرادة السياسية البعيدين عن مسالك التذمر والشكوى أو الإحباط، فإذا كانت أدوات التخريب والفتنة تبدي إصرارها على تنفيذ مخططها الفتنوي، فلا أقل ممن يريد الدفاع عن وطنه في وجه المخططات التدميرية، أن يتحلى بالمزيد من الإصرار والإرادة وتفويت الفرص على المخططين، وعدم الانجرار وراء ردود الأفعال سواء العاطفية أو الطائفية أو السياسية، وترك ما هو دور الدولة في المعالجة الأمنية ليبقى دورها، لأن خلاف ذلك هو مساعدة الانقلابيين على تنفيذ سيناريوهاتهم، وخاصة شق صف أبناء الفاتح، وجرهم عبر الاستفزازات لردات الفعل التي تبدأ بها شرارة الفتنة الطائفية والاقتتال الطائفي.
} في هذه المرحلة التي يريد الانقلابيون إدخالنا مجدداً عبر بوابة أزمة جديدة، مطلوب الدور الوطني الفاعل من كل الجمعيات السياسية الوطنية وعلى رأسها «تجمع الوحدة الوطنية» في تشكيل (ائتلاف وطني حقيقي ومؤثر)، لمجابهة جمعيات التأزيم والتحريض ولمواجهة سيناريوهات مخطط الفتنة، وحيث الوقت هو ليس وقت الرؤى الذاتية أو الاستعراضات الفردية، أو المشاحنات الأنانية، إنما هو وقت الدفاع عن البحرين حتى فشل المخططات، والوقوف مع الدولة في ذلك الدفاع، وتأجيل الخلافات، مهما كانت، وكيفما كانت، فالخطر الذي أفرز وقفة أهل الفاتح التاريخية أثناء أزمة فبراير، لايزال محيطاً ومحدقاً بالجميع، طالما أن المخططين مستمرون في استهدافهم لبلدنا ولشعبنا، وهو ما يحتاج مجدداً إلى التنادي لوقفة تشبه وقفة الفاتح الأولى، فالمسألة تأخذ أبعاداً اخطر، والوقفة هي وقفة مصيرية، وعلى كل مجتهد أن يجتهد في لمّ شمل كل الشرفاء والوطنيين والمدافعين عن البحرين، ومن كل المكونات، وأن يقوم كل فرد منهم بواجبه، وأن تقوم الجمعيات السياسية الوطنية بتوحيد الرؤية ووضع استراتيجية للتحرك العلمي المدروس، فالوطن ينادينا جميعاً للوقوف معه، وكفانا تفككاً واعتباطية في ردود الفعل، فيما التهديدات الأمنية للبحرين وللخليج تتعدد أوجهها، مثلما تتعدد مصادرها.
والله المستعان.