ثقافة «السحق» وحملة «الأعلام»
 تاريخ النشر : الجمعة ٢٧ يناير ٢٠١٢
بقلم: عدنان حسين
حين يكون التحريض على أشده، وحين يتخطى مرحلة الكلام والتوجيه إلى محاولات يائسة للتنفيذ، فلاشك أننا والحالة هذه نصبح أمام منعطف خطير، يجعل السلمية المزعومة هراء ويجعل الحديث عن مطالب سياسية كذبا وتدليسا.
والمأساة أن التحريض منبعه أشخاص يفترض فيهم التوجيه والإرشاد، يفترض فيهم الانطلاق من مرجعية «وعاملهم بالتي هي أحسن»، يفترض فيهم البناء على السلام والطمأنينة كأسس حرص ديننا الحنيف على أن تكون مناخا عاما ونهجا حياتيا.
ما يعنينا بل ما يؤسفنا حقا أن يأتي هذا التحريض من فوق منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، من فوق المنبر الذي شهد الدعوة بالموعظة الحسنة، وهذه قطعا هي السقطة الأولى التي تعد في التحليل الأخير، توظيفا سياسيا سيئا للمنبر الديني الذي نعتز جميعا بقدسيته.
ولأن الأمر في مجمله، مؤلم ومسيء لأمور كثيرة في عقيدتنا السمحة، كانت السقطة الثانية أن هذا التحريض السافر على العنف جاء بشكل سافر وصريح، لم يعتمد صاحبه، رغم أنه مشهود له بفصاحة اللسان وبأنه يكتب خطبه الدينية بعناية ويتعمد قراءتها أمام الحاضرين، رغم ما للارتجال من قوة إقناعية، لم يعتمد صاحبه على التورية مثلا على أساس أن «كل لبيب بالإشارة يفهم» والمدهش أن التعبير الشهير «فاسحقوه» جاء عفويا أو هكذا بدا لنا على الأقل، وهو ما يعكس في المضمون العام أن الكلمات نابعة من القلب، وأنها جاءت طبيعية من دون أي تكلف، وبالتالي فإن «ثقافة السحق» هذه قد تمرض أحيانا بمعنى يمكن إخفاؤها ظاهريا إلا أنها لا تموت.
السقطة الثالثة، أن هذا التحريض الأعمى موجه ضد فئة من أبناء الوطن، مهمتها الدفاع عنه وحماية أهله من الترويع والإرهاب، ويبدو أن هذه باتت مهمة إرهابية لدى مصدر التحريض وموجه الفتاوى ومطلق الأحكام الدينية شكلا، والسياسية قلبا وقالبا.
السقطة الرابعة أن الرجل أخذ يداعبنا بأنه حليم وحكيم وليس من السهل أن ينجر إلى المواجهة، ومن هذه البوابة حظي باحترام وتقدير وإن كانت النظرة إليه أحيانا من قبل كثيرين كانت مشوبة بالحذر بدعوى أنه قد يغير توجهاته استنادا إلى الأحلام السياسية وما قد يحققه مثيرو الشغب والتخريب. وللأسف الشديد، انكشف الرجل في أول اختبار ولم يصمد طويلا بل لم يتمكن من مواصلة لغة اختزان الشرور والظهور بحلة السماحة والحكمة.
لكننا نعتقد أننا لا يمكن أن نلوم الرجل طويلا، أليس بشرا يتأثر ويحلم ويتمنى، ثم لم تتقولون عليه كذلك وتتركون أذنابه في كل مكان، يعقدون المسيرات وينظمون التجمعات ويشعلون الإطارات والحاويات، ومع كل ذلك في يدهم الأعلام الوطنية وكأنهم يقولون لنا يد تحمل «العلم» والأخرى تحرق البلد.
ختاما.. نقول لصاحب هذه الدعوات التحريضية المريضة: هنيئا لك فقد بدأت تجني الثمرات وسقط أمام ناظريك ضحيتان في ريعان شبابهما، ذنبهما الوحيد أنهما انقادا خلف دعوتك المشبوهة من دون تفكير أو تمحيص.
«إنا لله وإنا إليه راجعون».
.