الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


البرجوازياتُ الدينيةُ في الحكم

تاريخ النشر : الجمعة ٢٧ يناير ٢٠١٢

عبدالله خليفة



لم تستطع الفئاتُ الوسطى الدينية في العالم العربي الإسلامي القديم أن تكوّن نهضةً تحوليةً بسببِ تبعيتِها للأسرِ الارستقراطية وعدم قدرتها على تغييرِ القواعدِ الاقتصادية الاجتماعية التي كرستها الأنظمةُ التقليديةُ تلك، والآن في بعض الدول العربية التي انتصرتْ فيها الثوراتُ الديمقراطيةُ السياسيةُ حيث لم تزل مهمات الثورة الاجتماعية لم تُحلْ بعد، بدأ تكسرُ تلك الطبقات التي ورثها العسكر وورثوا امتيازاتها وغدوا محلها ولكنهم تراجعوا كثيراً بفضل التحالفات بين الطبقات الشعبية والبرجوازيات الدينية فبدأ عصرٌ جديد.
الأهداف الكبيرة للتحولات الديمقراطية لم تتغير التي لم تستطع الفئاتُ الوسطى في العصر الكلاسيكي القديم أن تحققها وهي تحرير الفلاحين من الإقطاع، ورفع أوضاع النساء ليكن مواطنات، ونشر العقلانية والمساواة بين المواطنين.
والقوى البرجوازية الدينية التي أسرعت إلى الوثوب إلى السلطات لاتزال أجسامُها الاجتماعية مشدودةً للماضي والنظام التقليدي، وقام بعضُها بالتحالف مع بقايا القوى العسكرية الوريثة للنبالة السابقة، وصعد بفضل اعتماده على القوى الاجتماعية التقليدية وإقطاع الريف والشركات المالية وبعض دول الخليج المحافظة لكي يحدثَ تداخلاً بين البنية التقليدية والنظام الجديد، ويستمر الماضي من دون تحولات عميقة في أوضاع الطبقات الشعبية.
إن أسبابَ ظهور برجوازيات دينية هو بسبب استخدام الدين في الحياة السياسية والاقتصادية، فقد تم استخدام الدين في المعاملات البنكية والتجارية وبالتالي فإن هنا ازدواجية بين فئات وسطى تدخل المعاملات الرأسمالية الحديثة، وتستغل المصطلحات والشعارات والعبادات الدينية من أجل بقاء علاقات اجتماعية تقليدية خاصة في أوضاع النساء والفلاحين والوعي العام، حيث لا تقبل حتى الآن بتغلغل العلاقات الرأسمالية في ميادين عمل النساء بشكل واسع، وفي الأرياف والبوادي حيث البدو هم السكان وحيث لاتزال المُلكيات الكبيرة والأسرية غالباً وأكثر العلاقات تقليدية مهيمنة على المُلكيات وقوى العمل.
ولهذا سرعان ما ضعف التحالف بين الطبقات الشعبية والقوى البرجوازية الدينية التي راحت تكرسُ سلطاتها أكثر من اهتمامها بالشؤون العامة.
في مصر أسرعتْ للاستحواذ على البرلمان، وهمّشت القوى اليساريةَ والليبرالية، وبدا ذلك في رئاسة مجلس النواب المصري الكتلتين الدينيتين والكتلة الليبرالية الأقل شأناً.
في ليبيا حدث الصدام بين القوى الشعبية المضحية والمجلس الانتقالي الذي لم يهتم بأوضاع الطبقات الشعبية وخاصة مشكلاتها الكبيرة في غياب المعيلين وتدهور ظروفها المعيشية، وفي تونس تفجرت الاضراباتُ العمالية.
إن الضرورة الاجتماعية تُصعدُ طبقاتٍ برجوازيةً جديدة للحكم، لكن أي طبقات سوف تصعد في مختلف البلدان؟ إن لكل بلد ظروفه الخاصة وسياقات تطوره، ولكن الضرورة العامة موجودة في كل منها.
إن قوى المُلكيةِ الخاصة حين يعبرُ عنها من خلال تنظيمات سياسية دينية فهي ستغدو مقدسةً، محافظة، غير قادرة على تقطيع المُلكيات المتخلفة، كالأراضي الكبيرة الإقطاعية وبتخلفها التقني الاجتماعي معرقلةً النمو التحديثي الرأسمالي في الأرياف، فسوف تبقي أسباب وجذور الأزمات بوجود طبقات فلاحية وعمالية متضخمة سكانياً، لا تجري فيها تحولات ديمقراطية أساسها ولادة أراض زراعية للفلاحين الفقراء، ومزارع رأسمالية تحديثية كبيرة، وقطاع عام قيادي للمدن والأرياف معاً، وهذه المحافظة موجودة في مقالات وآراء قادة الاخوان المسلمين المصريين خاصة، وانظرْ في ذلك رأي الأستاذ عمر التلمساني مرشد جماعة الاخوان الثالث في كتابه (ذكريات لا مذكرات) حيث يرفضُ الإصلاحَ الزراعي في القرية المصرية ويؤيد بقاء المُلكيات الكبيرة، فأصحابُ هذه الملكيات الكبيرة والعائلات المتنفذة هم من يدعمون حزب الاخوان والسلفيين وهي توجهات لا تريد تحديث الريف.
إذاً فهي برجوازيات ذات علاقات بالمحافظين التقليديين وتقوم الأرياف عبر ذلك بوقف تقدم المدن بعد أن تغلغلت فيها وفرضت سيطرتها عبر عسكر يوليو، ثم الآن عبر الاخوان. وحدث بينهما الآن تداخل حيث فشل عسكر يوليو في إحداث ثورة برجوازية ديمقراطية وتحرير الريف والنساء والوعي، فجاءتْ الموجةُ الريفيةُ الثانية أكثر محافظةً لكن بشكلٍ انتخابي، فهي دكتاتوريةٌ ريفية منتخبة. ومصطلح (الاخوان) يعود إلى الإخوان السعوديين كما يقول التلمساني في ذكرياته، والاخوان المصريون يضعون قدماً في الجزيرة العربية وقدماً في مصر.
في حين يعبرُ مصطلحُ (النهضة) التونسي عن أجواء أخرى، وعن مقاربة أكبر للحداثة، والعبرُ بالتطبيقات وعمقها ومرونتها وتوحيديتها.