خاطرة
واقعية الشيريعة
تاريخ النشر : الجمعة ٢٧ يناير ٢٠١٢
عبدالرحمن فلاح
يصعب أو يكاد يكون مستحيلا اجتماع الواقعية والمثالية في نص قانوني وضعي، ولكن ذلك متحقق في شريعة الله الخالدة، وفي منهجه الكامل الذي راعى احوال المكلفين في الصحة والمرض، وفي القوة والضعف، وفي القدرة والعجز، وفي الإقامة والسفر، فجعل لكل حالة من هذه الحالات ما يناسبها من الاحكام الشرعية، وسوف نضرب بالصلاة مثالا على ذلك وهي العبادة التي تصاحب المسلم في صباحه ومسائه، في إقامته وسفره، في صحته ومرضه، في قدرته وعجزه، مادام مالكا لعقله، واعيا لما يؤديه من أعمال الصلاة.
وأداء الصلاة في امثل صورة هي ان يؤديها المسلم كما أداها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو صلاة ربي وسلامه عليه أعرف الناس جميعا بمراد خالقه سبحانه وأفقههم في دينه، وأعلاهم منزلة في أداء العبادات والاحكام الشرعية، وذلك عملا بقوله صلى الله عليه وسلم، واتباعا لسنته صلى الله عليه وسلم القائل فيها: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، ولكن إذا تغيرت أحوال المسلم فصار مريضا بعد ان كان صحيحا أو عاجزا بعد ان كان قادرا، او مسافرا بعد ان كان مقيما، فعليه ان يؤدي الصلاة بحسب ما يتيسر له، فيصلي قائما ان استطاع، أو قاعدا، أو على جنبه، أو على ظهره، أو يخطر أعمال الصلاة على قلبه، ويكون بذلك قد أدى حق الله تعالى عليه من دون ان يشعر بأي حرج أو تأنيب لضميره الإيماني.
وهذا من واقعية الشريعة ورعايتها لأحوال المكلفين.
ومثال آخر يجمع بين المثالية والواقعية، وهذا كما قلنا لا يتحقق في القوانين الوضعية، بل نجده فقط في الشريعة الاسلامية التي وصفها الحق تبارك وتعالى بالكمال لأن فيها حلولا لما يقع للناس من أقضية ولما يتوقعون حصوله لهم، نجد ذلك في قوله تعالى: «وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين (126) واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون (127) إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون (128)» (النحل).
فمن الواقعية ان تعاقب من عاقبك بمثل ما عاقبك به، ولكن من المثالية ان تصبر وتعفو وتحسن، فإنك بذلك قد جمعت أطراف الخير كله، وحققت ما تعجز القوانين البشرية عن تحقيقه فيما تشرع وتضع من القوانين، ولأن تعامل المسلم في الاساس وأولا هو مع الله تعالى وليس مع الناس، وان ما يحصده الناس من نتيجة عملك وسعيك هو جوهر ايمانك ويقينك. واقرأ ان شئت قوله تعالى وهو يقدم توصيفا للأبرار من عباده فيقول سبحانه: «إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا (5) عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا (6) يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا (7) ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا (8) إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا (9)» (الإنسان).
واقرأ آية أخرى وهي قوله تعالى: «من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون» (البقرة/245)، ولأن المسلم يتعامل مع الله تعالى أولا واخيرا فانه يستطيع ان يجمع بين الواقعية والمثالية، فله ان يأخذ بحقه ممن ظلمه أو جار عليه، وله ان يدع ذلك الحق لله تعالى فينال الذكر الحسن في الدنيا والثواب الجزيل في الآخرة.
ثم ندرك بعد ذلك ان الشريعة الإسلامية لم يقتصر دورها وأثرها على الانسان المسلم في الدنيا بصيانتها لأخلاقه وسلوكه، بل يتعدى أثرها الى الآخرة حين يكون له بين الناس مقام عظيم، ويكون محل ترحاب الملائكة يدخلون عليه من كل باب ان سلام عليك طبت وفزت بتقواك وحسن صلتك بالناس.