أخبار البحرين
الشيخ علي مطر: خيانة الأمانة عواقبها وخيمة في الدنيا والآخرة
تاريخ النشر : السبت ٢٨ يناير ٢٠١٢
قال الشيخ علي مطر في خطبة الجمعة بمسجد أبي بكر الصديق: روى الإمام البخاري من حديث عبدالله بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُللاكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ،... قَالَ: وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَكُللاكُمْ رَاعٍ وَكُللاكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
هذا حديث الواجبات والمسئوليات،والمحاسبة، وما ورد فيه كلها مسئوليات وأمانات لازمة وواجبة على كل راع، تشمل كل شرائح المجتمع، من دون استثناء، مسئوليات لابد من أدائها ومراعاتها والاهتمام بها، وأن من أخل بها محاسب ومحاكم في الدنيا، وهناك حساب وجزاء ينتظره في الآخرة.
فمن هذه المسئوليات الواردة في الحديث، مسئولية كل واحد من الزوجين تجاه الآخر وتجاه بيته وأولاده، من نصح وعدل ونفقة ورعاية وتربية وحماية إلى آخر الأمور المعروفة.
قال الله تعالى: «يَا أَيلاهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ».
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ».
ومنها مسئولية الولد في مال أبيه وبيت أسرته ،وهنا يجب على الآباء تربية الأولاد ذكورا وإناثا على تحمل المسئولية منذ نعومة أظفارهم فمن شب على شيء شاب عليه.
ومن ذلك مسئولية كل خادم وعامل وموظف ومعلم في رعاية وتنمية كل يقع تحت مسئوليته من مال وطلاب وأسرار، وكل متطلبات الوظيفة وإتقانها.. وكل مسئول ووزير فهو خادم للأمة والشعب.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«أَدِّ الْأَمَانَةَ إلى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ».
«إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه».
* ومن أهم ما يجب رعايته، تلك المسئولية الملقاة على عاتق كل مسئول في الدولة حاكما كان أم وزيرا، أو دون ذلك، فبما أنه قد قبل بالمسئولية وتحمل الأمانة، ويتمتع بمميزات منصبه وجب عليه الالتزام بها وأداؤها على أكمل وجه، من دون تقصير ولا إهمال ولا تفريط، وإعطاء كل ذي حق حقه،وتحقيق العدالة الاجتماعية، والعدالة في توزيع ثروات وخيرات البلد، وتوفير الحماية والأمن لكل فرد يعيش على أرض الوطن، بل ينبغي أن يفتش عن المظلومين وأصحاب الحقوق والمحتاجين وسائر الضعفاء. فإن لم يستطع القيام بواجبات منصبه ووظيفته وتعذر عليه وجب عليه أن يتخلى عن تلك المسئولية ويتركها لمن هو خير وأقوى منه، رجاء ويجلس.
قال الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدلاوا الْأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا».
وقال الله تعالى عن عباده المؤمنين: «وَالَّذِينَ هُمْ لِوقال سبحانه: «يَا أَيلاهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ».
فخيانة الأمانة والإخلال بالمسئولية والواجب عواقبه وخيمة في الدنيا والآخرة.
وما هذا الضعف الذي نعيشه إلا بسبب هذا الفساد والتخلي عن الواجب، والتبعية للغرب، مما جرهم إلى التدخل السافر في شئوننا.
* ولنقف قليلا على بعض الصور المشرقة من العصر الذهبي للمسلمين في تحمل المسئولية والاهتمام بالرعية:
- لما تولى الصديق أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة، وفي أول خطبة خطبها على المنبر بكى وأبكى الناس، وردّ البيعة على المسلمين، ولكنهم ردوا بيعتهم في عنق أبي بكر فأخذها بحقها وتحمل مسئولية الأمة.
- قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كنت أتفقد أبا بكر بعد كل صلاة فجر فإذا هو يخرج من المسجد إلى ضاحية من ضواحي المدينة، فذهبت وراءه يوما من الأيام، فدخل أبوبكر خيمة ومكث فيها ساعة ثم خرج، فلما خرج دخل عمر بعده إلى الخيمة فوجد عجوزا وأطفالها، فقال للعجوز: يا أمة الله من أنت، قالت عجوز حسيرة كسيرة عمياء، مات أبونا منذ سنوات. قال: ومن هذا الشيخ الذي يدخل عليكم، قالت لا أعرفه- سبحان الله لا تعرفه ولكن الله يعرفه- قال عمر:ماذا يفعل،قالت يدخل عندنا فيكنس بيتنا ويحلب شياهنا، ويصنع لنا طعامنا ثم يخرج. فضرب عمر بيده على رأسه وبكى وقال: يا أبا بكر لقد أتعبت الخلفاء بعدك.
من يفعل مثل هذا الفعل، ومن يتفقد الرعية اليوم مثل هذا التفقد، ومن يتحمل مثل هذه المسئولية.
- ولما تولى عمر بن عبدالعزيز رحمه الله الخلافة، أتى لينام الليل، فذهب النوم، فقالت زوجته فاطمة يا أمير المؤمنين ألا تنام، قال كيف أنام وقد ولاني الله أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أمر الضعيف، أمر المسكين أمر الشيخ الهرم، العجوز، الفقير... فأخذ يعدد ويبكي، فبكت معه.
** قارنوا بين تلك المواقف الرائعة العظيمة، وحادثة حقيقية حصلت هنا في البحرين تتلخص فيما يلي: رجلان كبيران في السن يعيشان في بيت أشبه ما يكون بالخرابة وبدون ماء ولا كهرباء ولا صرف صحي، مكان لا يصلح لعيش البشر، ولم يعلم بحالهم أي مسئول خلال هذه الفترة لا في البلديات ولا الإسكان ولا الشئون الاجتماعية ولا المحافظة ولا غيرها.
فأين تفقد وتحسس المسئولين، وأين واجبهم تجاه هؤلاء وغيرهم، والله عيب وعار، فإن كانوا يعلمون بحالهم ولم يفعلوا شيئا فتلك مصيبة، وإن لم يكونوا يعلمون بهم وبحالهم فالمصيبة أعظم ،ويجب أن يحاسبوا ويحاكموا.
ومؤخرا فقط قدر الله أن يعلم بحالهم بعض الغيورين وتمت مخاطبة الجهات المعنية وتم نقلهم إلى بيت مناسب، وتم عرض الموضوع على تلفزيون البحرين، بعد معاناة دامت نصف قرن تقريبا.
* فالقيام بواجب المسئولية الملقاة على عاتق كل إنسان، خير قيام لكفيل بإيجاد أسرة سعيدة، ومقر عمل سعيد، ومدرسة سعيدة، ومجتمع سعيد، ووطن سعيد آمن مستقر.