قضايا و آراء
ثقافة الكذب في شركات السجائر
تاريخ النشر : السبت ٢٨ يناير ٢٠١٢
منذ أن بدأتْ شركات التبغ في صناعة السجائر وبيعها في الأسواق وهي تكذب، حتى أصبح الكذب ثقافة ممنهجة تبنتها هذه الشركات وسياسة غير مكتوبة تعمل بها، فتحول الكذب إلى سلوكٍ يومي تعودت على ممارسته.
فقد كذبت هذه الشركات على الناس عندما أدخلت السجائر في الأسواق، فأظهرت السجائر على أنها رمز الرجولة ومقياس القوة، وصورت الإنسان المدخن بأنه رجل عصري لا تكتمل شخصيته إلا عندما تكون السيجارة في يده وهو ينفث دخانها على من حوله.
وكذبت هذه الشركات عندما قالت إن دخان السجائر لا يضر بصحة المدخن، وأن ما ينطلق من التدخين عبارة عن كميات قليلة جداً من المواد الكيميائية التي لن تصيب المدخن بأي أمراض مزمنة. ثم بعد أن أجمعت الدراسات والأبحاث الطبية والبيئية على أن دخان السجائر يحتوي على أكثر من 5000 مادة كيميائية سامة منها ما هو مشع ومنها ما هو مسرطن، لم تعترف بهذه الدراسات، وعادت إلى الكذب مرة أخرى فادعت بأن هذه المواد التي تنبعث من السجائر ليست لها أضرار على الجالسين مع المدخن، واستأجرت لإثبات هذا القول بعض المرتزقة من العلماء الذين يعمل بعضهم بشكلٍ مباشر لصالح هذه الشركات لكي تجري أبحاثاً تتوافق مع كذبهم، كما وظَّفت في الوقت نفسه شركات الدعاية والإعلام لتُلمع صورة التدخين والمدخنين وتخفف من تأثير الدخان في المدخن من جهة والجالسين معه من جهة أخرى.
كما كذبت هذه الشركات عندما قالت إن المواد التي تضيفها إلى التبغ أثناء صناعة السجائر وعددها 599 مادة مضافة بأنها غير سامة وليست لها آثار جانبية صحية في الإنسان، ودعمت هذا القول بأربع دراسات مُلفقة نشرتها في يناير 2002 في مجلة علمية هي سمية الغذاء والكيماويات)ygolocixoT lacimehC dna dooF(، حيث خلصت هذه الأبحاث إلى أن هذه المضافات غير سامة ولا توجد أدلة علمية دامغة على ضررها.
واليوم جاءت دراسة لتفضح الإدعاءات الكاذبة الجديدة لشركات التبغ حول النكهات والمضافات التي تدخلها عند صناعة السجائر، حيث قامت هذه الدراسة بفحصٍ دقيق وتحليل علمي لمحتوى الوثائق السرية الداخلية لشركات التبغ، وبالتحديد شركة السجائر المعروفة فيليب موريس )sirroM pilihP(, فتوغلت بعمق في أرشيفها البالغ زهاء 60 مليون صفحة، واكتشفت أن الدراسات التي نشرتها هذه الشركة قد قامت بتلفيق وتحوير نتائج الأبحاث التي أجرتها حول الأضرار الصحية للمضافات، وتلاعبت في بعض الأرقام المخبرية والعمليات الإحصائية لتتوافق مع ما يريدون نشره، وهو عدم سمية المضافات وعدم تأثيرها في الدخان المنبعث عند التدخين. وبعبارة صريحة، فإن شركات التبغ تعمدت الكذب، وضللت القراء وأخفت النتائج العلمية، وحذفت ما لا يتناسب مع رؤيتها وسياساتها.
فقد أكدت هذه الدراسة التي أجراها باحثون من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، ونُشرت تحت عنوان: «التأثيرات السامة لمضافات السجائر: تحليل للوثائق المتعلقة بالدراسـات التي أجرتهـا شركة السـجائر فيليب موريس» في مجلـة المكتبـة العـامة لعـلم الطـب )enicideM ecneicS fo yrarbiL cilbuP lanruoj( في ديسمبر 2011، أن بعض المضافات سامة ومسرطنة وأنها تزيد من سمية المواد التي تنبعث من السجائر.
والجدير بالذكر أن العدد الإجمالي للمضافات يبلغ أكثر من 599 مادة، توضع في السجائر لتحقيق عدة أهداف منها تحسين مظهر وخشونة التبغ وبعض الخصائص الأخرى غير المرغوبة فيها، ومنها إعطاء السجائر نكهة مقبولة وطعماً أطيب ومذاقاً يستسيغه المدخن فيزيد من متعة التدخين، إضافة إلى مواد تزيد من الإدمان على التدخين.
فهل بعد هذه الحقائق يصدق أحد شركات التبغ، أو الشركات الأخرى المتعددة الجنسيات التي يعد الكذب جزءاً من ثقافتها؟