الطائفية والانحطاط الأخلاقي..
تاريخ النشر : السبت ٢٨ يناير ٢٠١٢
سميرة رجب
لم يُعلن (علمياً) حتى الآن المؤثرات النوعية الكبرى لوسائل التواصل الاجتماعي الحديثة (التويتر وأخواتها) في المجتمعات، وكل ما هو معروف عن هذه التكنولوجيا حالياً هو الجانب التواصلي الذي تتميز به، وسرعتها في نقل وانتقال المعلومة، مهما كان نوعها، أو مدى مصداقيتها. فلم يتعرض أحد حتى الآن، على سبيل المثال، لتأثير هذه الوسائل في خلق الخلافات وتعميقها وتحويلها إلى فتن، والمواجهة بين المختلفين بالسباب والشتائم.
ولربما يعد «التويتر» من أكثر هذه الوسائل استعمالاً وسرعة وقدرة على المواجهة الافتراضية، وقد اشتركت فيه منذ ما يقرب من عام واحد، فتمكنت من تكوين رأي بسيط حول الدور الخطر الذي تقوم به هذه الأداة التكنولوجية الصغيرة في نشر الخلافات والفرقة والتشرذم في المجتمع، ودورها في تكريس الطائفية بين فئة الشباب بمختلف أعمارهم ومستوياتهم العلمية والثقافية.
إن التعامل اليومي المكثّف مع هذه الوسائل التكنولوجية الخطرة يجعل شبابنا مكشوفين، بدون حماية أو رقابة، أمام كل القوى الداخلية والخارجية، السياسية والدينية، الصديقة والعدوة.. وفي هذا «التويتر» يشتغل الجميع بدون رقيب، ويعمل الطائفيون فيه بكل حرية على غرس الطائفية في أكثر الشباب براءة، ويعمل المدمنون ومروجو المخدرات على زيادة زبائنهم عبر جر الشباب الأبرياء إلى نادي التعاطي والإدمان والترويج، وهناك في التويتر والبلاك بيري أيضاً من يتعرض للفتيات الصغيرات بالتحرش وممارسات أكثر خطراً.. فساحة «تكنولوجيا التواصل الاجتماعي» مفتوحة لكل اللاعبين، المصلحين والمفسدين، في الأرض.
وبعيداً عن كل تلك المؤثرات، أحصر موضوعي هنا في ظواهر رصدتها عبر حسابي الخاص على التويتر خلال عام كامل حافل بالجدال والخلاف والاختلاف، وحسابي هذا يتبعه عشرات الآلاف من المتابعين، بمختلف فئاتهم، حيث الغالبية العظمى تبحث عن أجوبة لتساؤلاتها المشروعة، وتعبر عن المشاعر الوطنية النبيلة، وتتبادل كلمات المودة والشكر والمحبة.
ولكن لم ينج هذا الحساب - كغيره - من شر الطائفيين، وقد اندس عدد منهم (من الجنسين) بين التابعين يتحدثون علانية بالنيابة عن جماعات ولاية الفقيه الطائفية في البحرين، تحت مختلف المسميات والعناوين التي تمثل واقعا طائفيا قبيحا، من دون أن يضع واحد منهم صورته أو اسمه الحقيقي، وتنحصر مهمتهم في أمرين رئيسيين، الأول هو الدفاع عن إيران وسمعتها خوفاً من التشويه، والثاني هو القذف والسب والشتم في نسخة طبق الأصل لأخلاقيات جيراننا غير العرب، وهو سلوك يُمارس - بكل غباء - بهدف تصغير شأن المخالفين لسياساتهم العنصرية الشريرة في المنطقة.
وبعد مرور عام على انطلاق هذا الحساب بكل تفاعلاته يمكن معرفة أولئك الدخلاء من خلال مؤشرات رئيسية باتت سمة توحّدهم، حيث رسائلهم معروفة بالصور التي تحملها قبل قراءة المضمون.
وتنحصر مؤشراتهم في التالي:
أولاً: في الصور، التي تشير في الغالب إلى هوية أصحابها وأمراضهم، إذ تحمل حساباتهم صور الأئمة أو مرجعياتهم المذهبية والسياسية، أو رايات طائفية، أو مشاهد دموية.. والبقية صور مشوهة لها مدلولات نفسية وسلوكية مرضية خطرة هي أقرب ما تكون إلى الجريمة.
ثانياً: ومما يؤسف له، أنه بجانب كل تلك الصور المحصورة بالأئمة والمقدسات، ومرجعيات دينية وسياسية تدّعي الطهارة والقدسية، تجد دائماً كلمات السباب والشتم وتعابير لا يتفوه بها من حصل على نسبة من التربية الأخلاقية الصالحة، فتتلازم الصورة المذهبية مع الكلمة البذيئة، في ثنائية تشير إلى البيئة الطائفية القذرة التي ينمو فيها هؤلاء الشباب، كما تشير إلى بذاءة معلميهم السياسيين، حيثما تمت تربيتهم.
ثالثاً: إن مدى التدني الثقافي لممارسي أدوار الدفاع عن المقدسات، وصل إلى حد الإساءة المباشرة اليها، مما يشير إلى أن الطائفيين يعيشون في بيئة ثقافية متخلفة تماماً عن كل أنواع المعرفة المتداولة في العالم، فهم - على سبيل المثال - لا يعرفون أية بيئة غير بيئتهم، ولا أي فكر ومفاهيم غير ما يملكون، ولا يعلمون بأن هناك في الطرف الآخر خبراء يدرسون أمراضهم النفسية والاجتماعية والسلوكية عبر كل كلمة يكتبونها.. ولا يعلمون أن هناك من يدرسهم عن بُعد عبر الصور التي تلازم رسائلهم.. ولا يملكون أدنى مستويات المعرفة بأن رسائلهم مشحونة بالتدني الأخلاقي ولا تحمل أي مبدأ سياسي أو ديني أو مذهبي شريف.. ولا يعرفون مدى تدني بيئتهم الاجتماعية والسياسية المكشوفة في رسائلهم وصورهم.
ومَن يرد التأكد من هذه الملاحظات التي أسجلها هنا، يمكنه دخول حسابي وقراءة تلك الرسائل، قبل أن تبدأ هذه الفئة المسكينة في تبديل صيغة وصور رسائلها بعد افتضاحهم عبر هذا المقال.
ومن يرد التأكد من صحة الأخبار المتداولة حول توزيع «الوفاق الإسلامي» لخمسة آلاف تليفون بلاك بيري وآيفون على مجاميع شبابية لاستهداف المخالفين لهم عبر تلك الرسائل المبتذلة، ما عليه إلا الدخول لحسابي على «التويتر»، حيث يقبع العديد منهم خلف تلك الأدوات البسيطة لتوزيع السباب والشتائم وكل الممارسات اللاأخلاقية، في إشارة واضحة إلى البيئة السياسية المتدنية التي تخلقها لهم «المعارضة» البحرينية.
وهكذا يتم التغرير بالنشء البحريني الجديد، ما بين ممارسة جرائم العنف والقتل في الظلام، وممارسة رذائل السلوك والابتذال الأخلاقي في العالم الافتراضي، باسم الدين والمذهب تارة، وباسم حرية التعبير عن الرأي تارة.. وشتان بين الدين وكل أنواع الحريات وبين هذا الابتذال السياسي الذي لا يشير إلا إلى تدن فكري وأخلاقي.
«وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا»..
sameera@binrajab.com