الجريدة اليومية الأولى في البحرين


عالم يتغير

بحكم الدين والعقل:

منطق المجلس العلمائي أعوج


تاريخ النشر : الأحد ٢٩ يناير ٢٠١٢

فوزية رشيد



* إذا كان الأساس والجوهر في العقل وفي كل الديانات السماوية، وفي المعتقدات السلمية الوضعية، وفي التشريعات الدنيوية، أن الحفاظ على الوطن وعلى الأمن وعلى السلم الأهلي، وعلى حقوق وكرامات كل البشر، هو المنطلق لكل ذلك مما هو سماوي ومما هو وضعي، فإن هناك منطقا أعوج خارج كل المبادئ والأعراف والقوانين، هو ذلك الذي يتم الإلحاح عليه منذ زمن لتكريسه في المجتمع البحريني، سواء من «المجلس العلمائي» غير القانوني، أو من الجمعيات التي تتبنى حراك العنف والتهديد، أو من كل من ينادي بأن الإرهاب والعنف في المجتمع هما وسيلة «سلمية» وتعبير عن الرأي في حالة ميلودرامية لانقلاب المشهد وانقلاب المنطق.
* الشيخ «عيسى قاسم» رئيس المجلس العلمائي، وآخرون غيره في ذات المجلس وخارجه، تبنوا معاً خطاب (المظلومية) القائم على أسس تاريخية، ليتم إسقاطه جزافاً على الواقع البحريني الراهن، وتقسيم المجتمع البحريني إلى معسكرين وتبرير كل شيء تحت لوائه، (المجلس العلمائي) ورئيسه ومن معه ومن يتبعه (خادماً وسيفاً في غمده) من أسس منذ سنوات طويلة لمشهد الفوضى والعنف المستمرين في البحرين، وحيث خطاب المظلومية الذي يتبناه هؤلاء قائم على التالي:
1- تقسيم المجتمع إلى معسكرين (يزيديين وحسينيين) وهذا مثبت في عدد كبير من الخطابات لرئيس المجلس وخطابات علمائيين آخرين في المجلس العلمائي ذاته، وهذا باب مفتوح للصراع لا نهاية له، مثلما هو باب مفتوح للانتقام وللثأر وللكراهية ولزرع الضغائن، وبهذا فهو تحريض على (العنف الديني) بابه مفتوح بدوره على كل الاحتمالات الكارثية غير النهائية.
2- يؤكد خطاب المظلومية - وحسب الوقائع - أنه لا ينشد الإصلاح والسلم الأهلي، وإنما ينشد (التغيير الجذري الطائفي) والاستيلاء على الحكم طائفيا بسبب ارتباطه بمرجعية الولي الفقيه وآيات الله، الذين ثبت أيضاً عبر خطاباتهم ومناصرتهم ودعمهم اللامحدود للحراك الطائفي العنيف في البحرين، أن هدفهم في النهاية ليس هو الإصلاح وإنما التأسيس العملي للاستيلاء على البحرين، كفتح باب للخليج كله ولإنشاء ما يتم تداوله من مشروع (البحرين الكبرى) في إطار الثورة المهدوية العالمية، الذي يتبناه القائمون على التشيّع الصفوي، باعتبار أن ولاية صاحب الزمان بحاجة إلى مقدمات من الفساد والإفساد والعنف والفتن والإرهاب، وهو جزء أساس في عقيدة المظلومية سواء في إطارها التاريخي، أو في محاولة تسييها وعكسها على الواقع السياسي الراهن، وفي ذلك خلط للأوراق وللمفاهيم، وتجنّ واضح على مكونات الشعب الأخرى، وعلى من لا يعتقد بولاية الفقيه من الشيعة في البحرين وفي الخليج، وحيث العنف والإرهاب يتم تسويقهما أيضا تحت شعار: (الدفاع المقدس) وبالتالي فليس من تحريض ديني - سياسي أكبر من ذلك لضرب أسس ليس فقط السلم الأهلي، وإنما أسس حقوق الإنسان وحرياته المقدسة بدورها لدى الآخرين (غالبية الشعب) مما يجعل باب التحريض الدائم والعقدي المؤسس على نسف كل ما هو موجود، لايجاد بدائله في المحرضين والانقلابيين الطائفيين أنفسهم، بابا مفتوحا على العنف الدائم وعلى الإرهاب والتخريب بشكل منظم وممنهج.
3- خطاب المظلومية هذا لا يعترف لا بالدولة ولا بالقانون ولا بالأمن المجتمعي، وبالتالي لا يعترف بداهة بدور رجال الأمن في الحفاظ على أمن واستقرار المجتمع، مثلما هو لا يعترف بكل من يخالفه، حتى لو كان المخالفون هم الأغلبية الشعبية فهم الأصليون وغيرهم مزيف، ولذلك فإن كل ذلك وكل أولئك يضعهم تحت منظار (عقدي عنصري) ويتعامل معهم باعتبارهم (معتدين) على الرؤية العقدية لخطاب المظلومية، ويتم التعامل معهم وفق ذلك على أساس انهم جميعاً (الدولة وأجهزتها وغالبية الشعب وحقوقها وحرياتها والوطن باعتباره إطاراً جامعاً) يتم التعامل معهم كجهات «مستباحة» في الإطارين العقدي حسب المظلومية، والسياسي حسب استخدام المطالب لرفد تلك المظلومية، والحقوقي في إطار ثالث باعتبار أن ليس لأحد حق في شيء غيرهم، وهذا يدخل بدوره في إطار ديكتاتوري عنصري متطرف تجاه الآخر (الدولة وبقية مكونات الشعب) وبالتالي فهو عنصر دائم للتحريض العقدي أو السياسي، وباب مفتوح أيضاً للعنف وللإرهاب.
4- حين يصل «المجلس العلمائي» ورئيسه إلى ذروة ذلك المنطق الأعوج، وهو خلط خطاب التحريض على العنف والإرهاب بخطاب المظلومية، أو خطاب (السحق والدعس) بخطاب «الدفاع المقدس»، يكون المجلس العلمائي ورئيسه قد وصلا إلى نقطة (اللاعودة) من حيث ضرب كل الثوابت الوطنية، وأسس السلم الأهلي والتحريض على العنف. وحيث في مثل هذا الخطاب الداعي إلى السحق والدعس لرجال الأمن والآخرين ومباركة العنف والإرهاب على الرغم من أنهما السبب في المواجهة الأمنية، يكون (الاجتراء) على الدولة بجميع أجهزتها الأمنية والوطنية، والاجتراء على القانون وعلى حقوق وحريات الآخرين، والمغزى العنصري في التخاطب معهم، يكون قد بلغ نهاية مفتوحة وبمثابة إعلان حرب، تحت شعار (الدفاع عن النفس والدفاع عن العرض) وحيث شكل الاعتداء عليهما مثلا يحدده أيضا الولي الفقيه «عيسى قاسم» نفسه ومعه مجلسه العلمائي، كأننا هنا يُراد لنا بعد استلاب عقولنا استلاب إرادتنا في مسألتين مهمتين:
أولاً: ان من حق أتباع الحراك الطائفي الانقلابي بصفتيه العقدية والسياسية أن يمارسوا كل أشكال العنف والإرهاب والتخريب والتحريض، وأن يعتدوا على حقوق وحريات الآخرين، وأن يعتدوا على رجال الأمن، وأن يكرسوا شعارات التسقيط وإهانة جلالة الملك والرموز السياسية والقيادية والدينية لكل من يخالفهم، فكل ذلك هو (حق الدفاع عن النفس).
ثانيا: انه لا يحق لا للدولة في الردع أو استخدام القانون أو إيقاف رؤوس التحريض والفتنة، مثلما لا يحق للآخرين الدفاع عن أنفسهم وعن حقوقهم وحرياتهم، فذلك كله هو (اعتداء وبطش وظلم) من جانب الدولة ومرتزقتها و«بلطجيتها» كتعبيرين يضاف إليهما تعبيرات عنصرية ومسيئة أخرى للتعريف بغالبية الشعب المخالفة لهم، فهل من منطق أعوج أكثر من هذا؟
* وبناء على ذلك من المعايير المختلطة والمنطق الأعوج المخالف للدين ولكل التشريعات الوضعية سواء السياسية أو القانونية أو الحقوقية أو الدينية، فإنه بعد إشاعة الفوضى في كل الجوانب تتم ممارسة كل سلوكات الاستنجاد بالخارج: الخارج الطائفي والخارج الدولي، فذلك أيضاً جزء من (الدفاع المقدس) وهنا تضيع في هذه المعمعة وهو ما يُراد كل الثوابت الوطنية، وحيث التهديد الخارجي (الطائفي والدولي) يعتبر المساس بالمحرضين في المجلس العلمائي، أو المحرضين من الخارج، هو إما مساس برمز ديني حسب المفهوم الطائفي للرمز، وإما مساس بالحقوق والحريات حسب المفهوم الخارجي، الذي ينظر القائمون عليه بعين عوراء، وهكذا يتم وضع العُقد في المنشار لكي تضيع البحرين ويضيع أهلها، وسط خرطفات علمائية من جهة، وخرطفات منظمات دولية مشبوهة ومرتبطة بأجندة دول كبرى من جهة ثانية، فيما خطاب المظلومية يعلو صراخه ويعلو تحريضه ويمارس كل أشكال الاعتداء باسم الدفاع عن النفس، تماما كأننا أمام المنطق الإسرائيلي في العلاقة مع المنطقة العربية، ويا لها من مفارقة!
وللحديث صلة.