في الصميم
عندما يستخفون بالعقول!
تاريخ النشر : الأحد ٢٩ يناير ٢٠١٢
لطفي نصر
لا يملك المرء إلا أن يحترم أي معارضة عندما تكون هذه المعارضة جادة.. وعندما تأتي معارضتها محمولة عبر المنطق والقانون والمعقولة في الطرح أو الطلب أو حتى التصدي.. ولكن لا يجد المرء بداً من الالتفات عنها والاستخفاف بمواقفها وطروحاتها عندما تحاول هي أن تستخف بعقول الناس، وعندما تخلط الحق بالباطل بغية تنفيذ أفكار سوداء، أو نوايا عدوانية، ولا يملك المرء إلا أن يضرب كفا بكف مرتين:
المرة الأولى: عندما تصر المعارضة على تنظيم مسيرة في وسط البلد وفي قلبها.. ثم تعتقد واهمة أن نواياها نحو الإساءة إلى الوطن ولسمعته، وإسماع الدنيا والمستثمر والزائر بأن البحرين لا تزال مضطربة ولا تصلح لشيء يمكن أن تنطلي على كل لبيب أو صاحب عقل.
والمرة الثانية: عندما تصر على محاولة تسيير مثل هذه المسيرة المرفوضة، وهي التي تعلم أن مثل هذا التصرف مجلبة للصدامات والخسائر المادية والبشرية.. ثم تدفع نفسها بالجنوح دوما نحو مخالفة القانون في الوقت الذي تعيب فيه على النظام بأنه هو الذي يخالف القانون.. فمن حق المعارضة أن تطلب، ومن حق الأمناء على النظام والوطن أن يرفضوا.. والطلب هنا مشوب بسوء النية.. والرفض معياره الحرص على المصلحة العامة.
في جلسة مجلس النواب في الأسبوع الماضي كان نصيب بند التشريع.. وأقصد: المشروعات بقوانين: صفر.. حيث كان معروضا حوالي خمسة أو ستة مشروعات بقوانين.. وكلها طلب رؤساء اللجان المختصة أو نوابهم تأجيلها بدعوى استكمال البحث فيها.. وبعضها يتكرر أو يتجدد طلب تمديد المهل الممنوحة من قبل!
المعروف أن المهمة الأساسية للسلطة التشريعية هي التشريع.. وقد لوحظ أن هذا البند يتنحى ويتوارى جانبا على الدوام.. الأمر الذي يشير إلى أن اللجان المحالة إليها هذه التشريعات لا تقوم بواجبها على الوجه الأكمل!
يفسر البعض هذه الظاهرة بأن السبب فيها هو انشغال النواب ببندين لا ثالث لهما ألا وهما: بند الأسئلة التي توجه إلى الوزراء.. ثم بند الاقتراحات برغبة، ويبدو أن التعامل مع هذين البندين أمره سهل إلى درجة أنه قد سمح لهما بالطغيان على وقت الجلسة.. كما يبدو أن السادة النواب لا يريدون ركوب الصعب!
النواب يتنافسون هذه الأيام في التعامل ببند الأسئلة إلى درجة أن الأسئلة تتزايد وتتكرر حرفيا في الجلسة نفسها، حيث حدث أن تكرر سؤالان إلى وزير واحد من نائبين مختلفين، كما لوحظ أن بند الأسئلة الذي يهدر وقت الجلسات لا يتحقق من ورائه هدف عام يرتجى في كثير من الأحوال لأنه في الأعم الأغلب لا يتمخض إلا عن تقديم معلومات.. علما بأن هذه المعلومات المقدمة من السادة الوزراء تكون مكررة أو معروفة لدى الجميع، وقد سبق إعلانها من خلال بيانات وتصريحات ومؤتمرات.. كل ذلك مع أن التعامل مع بند الأسئلة في كثير من الأنظمة البرلمانية الأخرى لا يكون هكذا مسموحا له يهدر كل هذا الوقت، بل يكون توجيه السؤال على سبيل الإحاطة ليس أكثر.
الاقتراحات برغبة لا يجوز لأحد أن يدعي عدم أهمية هذا البند.. فهذا البند هو الذي ينقل نبض المواطنين ومشاكلهم وأوجاعهم ومطالبهم إلى منبرهم الشرعي الأكبر الذي عليه أن يبحثها ويبلورها ويرفعها إلى السلطة التنفيذية.. ولكن لوحظ أن الممارسات بشأن هذا البند قد شابها في الآونة الأخيرة المغالاة والمبالغات.. والاستخفاف أحيانا.
ومن أوجه المبالغة طلب التنازل عن (165) مليون دينار هي جملة المبالغ المستبدلة من المعاشات التقاعدية.. هذه الرغبة التي جاء الرد عليها مدوياً بأن تنفيذها يترتب عليه خراب الصناديق التقاعدية.
والجميع يقف إلى جانب المتقاعدين في قضيتهم العادلة ولكن ليس إلى هذه الدرجة.. فالمستبدل لأي جزء من معاشه التقاعدي يعلم مسبقا أنه يلتزم راضيا بالوفاء بمتطلبات هذا الاستبدال حتى نشجع هيئة التأمين الاجتماعي على مواصلة تنفيذ هذا النظام وتنفيذ أنظمة تيسيرية أخرى يلح الموظفون والمتقاعدون في المطالبة بها.. ولكن ليس إلى درجة التسبب في إفلاس الصناديق التقاعدية.
ويبدو أن هيئة التأمين الاجتماعي لديها الحق في موقفها لعدة أسباب منها على سبيل المثال لا الحصر:
المأزق الذي تعيشه صناديق التقاعد هذه الأيام من حيث ما تعانيه من عجز اكتواري.
ثم ان تنفيذ إسقاط هذا المبلغ الكبير، وإعفاء الموظف المستبدل مما عليه من التزامات يخل - بالضرورة - بمبدأ المساواة بين الموظفين.. حيث تكرم الموظف المستبدل مرتين، مرة عندما حصل على قرض الاستبدال.. والمرة الثانية عندما أعفيناه من رده.. ثم نعاقب الموظف الذي آثر أن يعيش ويتعايش بالدخل المتاح له، أو المعاش الذي يصرف له تحوطا للمستقبل وعدم إرهاق صناديق التقاعد، والحفاظ على مدخرات الأجيال القادمة.
إذا فعلنا ذلك فإننا نسمح بتكرار ما يعيب عليه النواب أنفسهم عندما تسقط الدولة متأخرات الكهرباء.. وعندما تكرم المتأخرين عمدا في السداد.. وتعاقب الملتزمين بالسداد.. وهنا يتعين على الجميع تكريم ومكافأة الملتزمين.