اللهو المباح
 تاريخ النشر : الاثنين ٣٠ يناير ٢٠١٢
إن ديننا العظيم ذلك الدين القيم كلما جعله المؤمن محل نظره ومختبر فكره وبصيرته لهج لسانه بالحمد والثناء على المبدع الذي شرع فهو دين السماحة واليسر، دين الوسطية والاعتدال، يلبي كل مطالب الروح ولا يهمل جميع حاجات الجسد.. قال الله تبارك وتعالى: «وابتغ فيما اتاك الله الدار الآخرة.. ولا تنس نصيبك من الدنيا» بهذا التوازن البديع فطر الله الناس على محبة الترويح وجعل دينه مسايرا لما جبل الله الناس عليه.
فاللهو في الإسلام لهوان: لهو ممدوح محمود، ولهو مكروه منبوذ ومتروك. أما اللهو الممدوح فهو لهو مباح مشروع بحدود ومجمل حدوده ألا تتجاوز بالمؤمن من الحلال إلى الحرام، ألا يتحول العمر لهوا، وألا يستغرق وقت المؤمن، والغاية منه هو أن يجدد المؤمن قوته وعزيمته على طاعة الله، فيقبل بعده على العبادة بنفس جديد، وفي قرآننا العظيم دليل على جواز اللهو المباح، حيث عطفه الله جل جلاله على التجارة والتجارة مباحة قال تبارك وتعالى «وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة» (الجمعة ١١)، وفي سيرة حبيبنا (صلى الله عليه وسلم) مواقف كثيرة تدل على اللهو الحلال.
فاللهو الحلال حين يطول ويستهلك معظم وقت المؤمن يصبح لهوا حراما ومن اللهو ما هو حرام ولو قصر وقته. إن الخروج للرحلات البرية لغرض النزهة مطلب تحتاج إليه النفس، فالنفس تحتاج أحيانا إلى الترويح واللهو المباح لتدفع بهما الملل والسأم وعناء الالتزامات وضغوط الحياة وهموم المعيشة والأصل في ذلك الحل والإباحة فالرحلات أمر جائز إلا إذا اقترن بها فعل محظور أو أشغلت عن ترك واجب أو تضييع حق فتحرم لذلك.
روي في سنن أبي داود أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يبدو إلى التلاع، وهو حديث صحيح أي يخرج إلى البادية وقد كان بعض الصحابة يحب أن يخرج إلى البادية وكان بعض العلماء يخرج إلى البساتين للترويح.
وللرحلات فوائد عظيمة منها:
١- ترويح النفس وإجمامها والتعرف على الأماكن ونواحي البلاد.
٢- الكشف عن أخلاق الرجال ومعرفة طبائعهم واكتساب مهارات جديدة وتنمية القدرات.
٣- تقوية أواصر الرحم وروابط الاخوة بالخروج معهم وتربية الأولاد على الخشونة وقوة الشخصية وحسن التصرف والقدرة على اتخاذ القرار المناسب.
ومن أعظم ما يستفيده المسلم من خلال الرحلات البرية التفكر في مخلوقات الله العجيبة والوقوف على مشاهد كونية تتجلى فيها كمال قدرة الله وسعة علمه وإتقان صنعه، ويشعر المؤمن بالرهبة والخشوع والإجلال كالنظر إلى شروق الشمس وغروبها وطلوع القمر ونزول المطر وزهور الربيع ونباتها. قال الله تعالى: «إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الالباب (١١٠) الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار».
بما أن موسم التخييم في البر قد بدأ والناس بدأوا يتوافدون إلى البر من أجل الاستمتاع بجو الشتاء والترويح عن النفس والأهل والابناء باللهو المباح فقد أحببت أن أقدم بعض النصائح والتوجيهات لمرتادي البر، فأقول وبالله التوفيق:
١- الحرص على رفقة أهل الصلاح الذين يراعون حدود الله ويعظمون حرماته.
٢- حافظوا على أداء الصلوات الخمس المفروضة بسننها القبلية والبعدية فإن الصلاة صلة بين العبد وربه، وهي أول ما يحاسب به العبد من أعماله يوم القيامة، حثوا الأولاد والبنات والنساء عليها.
٣- حافظوا على أذكار الصباح والمساء، علموها أبناءكم وبناتكم ونساءكم، احرصوا على ذكر دعاء النزول عندما تنزلون في تلك الخيام والحمد لله حصن المسلم ذاك الكتيب البرتقالي الصغير متوافر في كل المكتبات ولا أظن يخلو منه بيت مسلم.
٤- ينبغي الحرص على نظافة المكان الذي تنزلون فيه بوضع مكان مهيأ لجمع القمامة تتخلصون منها آخر الرحلة.
٥- حفظ البيئة وصيانتها فلا يتلف الإنسان الشجر ولا العشب.
٦- ينبغي لمرتادي البر مراعاة الستر والعفاف فيلزمون النساء بالحجاب الشرعي ويجعلون لهن مكانا منعزلا عن الرجال لكي تأخذ المرأة راحتها ويكون لها خصوصية فيه ويتيسر للرجال غض البصر وتمنع المرأة من كل تصرف يظهر محاسنها ويعرضها للفتنة كركوب الدراجة النارية وغيرها، ومما يؤسف له تساهل كثير من المسلمين في هذا الحكم وانتشار الاختلاط والتبرج في رحلاتهم ونزهتهم والله المستعان.
٧- وضع البرامج النافعة والمسابقات الثقافية المفيدة ويراعى في ذلك التنوع والتغيير والتشويق وعدم الإطالة ومشاركة الجميع.
٨- التزام المجموعة بالأدب الشرعي فيما بينهم من توقير الكبير ورحمة الصغير واجتناب الجدال والغيبة وكل ما يورث العداوة والبغضاء بين القلوب.
٩- اجتناب جميع المعاصي والذنوب.
١٠- حسن الجوار واحترام الجار ورعاية حقوقه في بذل الخير له وكف الشر عنه وغض البصر عن محارمه وعدم إيذائه بأي تصرف.
١١- عدم التهور في سياقة السيارات والاستعراضات البهلوانية بالدراجات النارية فلا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة.
١٢- ضرورة مراعاة إرشادات اللجنة العليا لموسم التخييم.
١٣- أخيرا التعاون مع رجال الأمن والمرور فما وجودهم إلا لحمايتكم وحفظ أعراضكم.
أسأل الله أن يحفظنا وأهلينا من شر الأشرار وكيد الفجار وشر طوارق الليل والنهار.
عبدالله القلاف
.