الجريدة اليومية الأولى في البحرين


عالم يتغير



بحكم الدين والعقل:

منطق «المجلس العلمائي» أعوج (2-2)

تاريخ النشر : الاثنين ٣٠ يناير ٢٠١٢

فوزية رشيد



{ لا أعتقد أن أي بلد في العالم يمر اليوم بما تمر به البحرين، من أشكال ابتزاز واستلاب للعقل وانقلاب المنطق واستغلال الدين لغايات تنسف أسس الدين والعقل معا، ولعل الولي الفقيه «عيسى قاسم» لا يقوم اليوم فقط بهدر كل المعايير الدينية - كما ترى أطراف كثيرة ذلك - وانما هو وأتباعه العقديون والسياسيون وعلى رأسهم جمعية «الوفاق» يقومون بهدر وانتهاك كل المعايير السياسية والحقوقية والقانونية، وسلاحهم في ذلك خطاب الصوت العالي في قلب الحقائق، واستخدام العنف والارهاب باعتبارهما تعبيرا سياسيا وحقوقيا وحرية رأي وفي اطار المظلومية المدعاة.
{ والولي الفقيه «عيسى قاسم» الذي أخرج مظاهرة نسائية لمنع المرأة من نيل حقوقها في «قانون الاحوال الشخصية» هو نفسه الذي يدافع اليوم عن حق المرأة في الخروج الى الشارع، واستفزاز رجال الأمن، وممارسة حرق الاطارات ورمي الحجر والانبطاح في الشوارع وسد الطرق، باعتبار كل ذلك تعبيرا عن حريتها وحقوقها، ومن حقوقها طبعا السب والشتم والتحشيد لترديد تسقيط رموز الدولة في منتصف الليالي، متجاهلا ان في كل ذلك، وبحسب منطقه الذي منع قانون الاحوال الشخصية عنها، هو استغلال للمرأة في المواجهات العنفية مع رجال الأمن، وبالتالي فإن تعرضها لرد فعل أي منهم باعادة السباب مثلا إن حدث، أو تعرضها للتوقيف أو المحاكمة القانونية، فإن وزر كل ذلك يقع على من زج بها هي والاطفال في الشارع نهارا وليلا، في خضم حراك العنف والارهاب، اللذين يمارسهما كل التابعين له ممن يتم تحريضهم اليوم علنا على ممارسة (حق السحق)، وبالتالي وبعدها حين يجيء خطاب المظلومية، فإنه خطاب تحريضي بدوره يعطي للمخربين حق التخريب وللإرهابيين حق ممارسة الارهاب فيما يريد استلاب حق الدولة وغالبية الشعب من الحفاظ على الامن والاستقرار وصون حقوق وحريات الناس.
{ وحين يلتقي خطابان مؤسسان على (صون حق العنف والارهاب) وبالمقابل (هدر حق الدولة في الدفاع عن أمن الناس كافة ومصالحهم ومصالح الدولة) فإن مثل هذين الخطابين المعوجين وأحدهما من «المجلس العلمائي» وأتباعه السياسيين العقديين، والآخر من المنظمات الدولية الراعية بالعين العوراء نصوص الحقوق والحريات بعد نسفها من داخلها، نقول إن مثل هذين الخطابين (الداخلي والخارجي) هما خطابان يلتقيان على هدفين اليوم:
1- تقويض الدولة البحرينية وفي اطار رعاية حراك الانقلاب على الدستور والثوابت الوطنية عبر العنف والارهاب.
2- هدر المصالح الوطنية والشعبية واستلاب الدولة وبقية المكونات (الغالبية) حقوقها الدستورية والشرعية، وحقوقها الدينية والوطنية لحساب ذات الحراك الفئوي الطائفي، وحسب المنطق المعوج.
{ بعد ذلك، مهما علا الصراخ، وعلت لغة الخطاب حول المظلومية، فإن الممارسة المنظمة والممنهجة لمسألة ان (الهجوم خير وسيلة للدفاع) التي يتبناها الانقلابيون جميعا وبحرفية هو المنطق المعوج ذاته الذي يمارسه «المجلس العلمائي» ورئيسه من خلال وسائل كثيرة ومختلفة نذكر بعضها من باب الاشارة لا من باب الحصر:
1- تكريس خطاب المظلومية محليا وخارجيا ولا يهم حجم المصداقية أو التلفيق فيه أو المبالغة والتضخيم.
2- استحضار كل آليات التحريض الخطابية دينيا أو عقديا وتاريخيا وسياسيا وميدانيا، وكثيرا ما يتم استيراد مفاهيم تنطبق على الوضع الفلسطيني في ظل الاحتلال الصهيوني للتشبيه التلفيقي به حول الوضع في البحرين، في محاولة لخلط الاوراق والمفاهيم وشرعية الحكم، في اطار من التماهي المخادع لزيادة جرعات التحريض في كل مناحيه المختلفة.
3- الدفاع عن العنف والارهاب في الشارع باعتبارهما (سلمية) فهل المولوتوف والحرق والاعتداء على البيوت وعلى حياة رجال الأمن والاسياخ وغير ذلك كثير هو من السلمية؟ بل ادخال العنف والارهاب في اطار تلفيقي من (الدفاع المقدس) المستورد اصلا من خطاب التشيع الصفوي ومرشده الاعلى (خامنئي).
4- التحريض على الاعتداء على رجال الأمن باعتبارهم منتهكين للأعراض وليسوا مدافعين عن الوطن وأمنه واستقراره ضد التخريب والعنف.
5- التحريض على القانون وعدم احترامه واعتبار تطبيقه بطشا ووحشية من الدولة، وليس حقا دستوريا ضد من ينتهكون القانون ويمارسون العنف والتخريب وتشكيل الخلايا الانقلابية.
6- التحريض على الرؤية العنصرية لبقية المكونات حين يتم تكريس نعتهم جميعا بالمرتزقة و«البلطجية» والمجنسين، مما يجعل الاعتداء على بيوتهم وعلى بيوت أهل السنة وغيرهم من الجاليات الآسيوية مجرد احد التعبيرات عن الانسياق وراء مثل هذا التحريض والدفاع عن النفس.
7- التحريض ضد السلم الاهلي والاستقرار المجتمعي ومفاهيم التعايش حين يتم تقسيم المجتمع الى معسكرين يراد لهما ان يكونا متناحرين.
8- اعتبار استخدام النساء والاطفال في الشارع وفي المواجهات مع رجال الأمن، أمرا طبيعيا، بل يتم الدفاع عنه والتبرير له، رغم مخالفة ذلك لكل الاسس الدينية والحقوقية وخاصة حين يتم استخدامها كواجهة.
9- التحريض السياسي المباشر الذي لا يدخل في اختصاص «المجلس العلمائي» رغم عدم شرعية وقانونية هذا المجلس أصلا.
هذا غيض من فيض وبما تسمح به مساحة هذا المقال.
{ إذا كانت الدولة وغالبية الشعب البحريني ترفضان الابتزاز والاستلاب اللذين تتم ممارستهما اليوم على الوطن، وترفضان العنف والارهاب اللذين يتم تكريسهما سواء من (المجلس العلمائي) واتباعه السياسيين والعقديين أو من الموقف الابتزازي للمنظمات الدولية المشبوهة، فاننا نقول لم يعد بالامكان امام خطاب كهذا وممارسة كهذه، يخالفان بالاصل اي ديمقراطية او اصلاح او شرع او دين الا ان تتم مواجهتهما بحسب ما تمليه المصلحة الوطنية العليا، التي يأتي فيها الحفاظ على البحرين وشعبهما من عبث العابثين فوق كل اعتبار.
وحين يتم اعلان الحرب على الدولة والانقلاب على دستورها وعقدها الاجتماعي عبر العنف، وحين يتم اهدار حقوق وحريات غالبية شعبية، وحين يكون الهدف هو تخريب كل المصالح الوطنية، وضرب الاقتصاد والسلم الاهلي، والاستنجاد بالخارج للاستقواء على الدولة، وحين يتم تهديد الامن والاستقرار، ونشر الفوضى والعنف والارهاب، والاعتداء على مصالح الناس، وكل ذلك يتم بتحريض علمائي ديني وسياسي وبمنطق واضح الاعوجاج، فإن موقف الدولة حين يكون موقفا دفاعيا من هجوم منهجي ومنظم، وبشكل استباقي دائم، يتم قلب الحقائق عبر رفع لواء المظلومية المخادع، لن يعطي حلا للحفاظ على البحرين وعلى شرعية حكمها، فهؤلاء مدربون على كيفية قلب الحقائق وعلى الابتزاز واستلاب عقول الناس وارادتهم عبر الخطابات الكاذبة، ولا سبيل الا كشف الحقائق كاملة - كما طالبنا سابقا - ثم تفعيل الآليات المشروعة عبر تطبيق القانون كاملا، واصلاح الوضع المعوج الذي تم تكريسه عبر السنوات الماضية، فما هو غير قانوني يتم التعامل معه على هذا الاساس، سواء كان مجلسا علمائيا او غيره، وما هو غير وطني يتم التعامل معه على هذا الاساس سواء كان جمعية سياسية او غيرها، وما هو تحريضي يتم التعامل معه على هذا الاساس، سواء كان من يقوم به خطيب منبر او مواطنا آخر، وما هو ارهاب يتم كشفه في الاعلام المحلي قبل الدولي وعلى هذا الاساس يتم التعامل معه، سواء نال رضا البعض او لم ينل، وما هي مراكز دينية لتفريخ الارهاب والولاء المرجعي للخارج يتم التعامل معه على هذا الاساس، سواء كان مركزا شيعيا او سنيا وهلم جرا، وما اكثر ما تم تأسيسه على باطل وتم التعامل معه على انه حق! ألم يحن الوقت بعدُ لتصحيح وضع الميزان، وضرب اسس الفتنة القائمة من جذورها؟
ما يريده الانقلابيون واضح شديد الوضوح، ولكن ما تريده الدولة لماذا هو ملتبس حتى الآن؟ ولماذا لا تستخدم حقوقها كدولة كما يجب؟