الجريدة اليومية الأولى في البحرين


هوامش


لماذا نترك الطائفية تنهشنا؟

تاريخ النشر : الاثنين ٣٠ يناير ٢٠١٢

عبدالله الأيوبي



أعتقد أن كل من قلبه على مصالح وطنه وأبنائه لا تسره الأوضاع التي نعيشها في الوقت الحاضر خاصة مع تصاعد أعمال العنف التي من شأنها أن تنقل العديد من فئات المجتمع إلى مرحلة من العداء والتصادم الخطرين اللذين إن تحققا فإن بلادنا تكون قد اقتربت أكثر نحو هاوية لا تحمد عقباها وستكون نتائجها كارثية على الجميع، فمثل هذه الهاوية سقطت فيها شعوب لم تتمكن من الخروج منها إلا بعد أن دفعت أثمانا باهظة جدا، لن يكون شعبنا قادرا على تحملها، وبالتالي فإن المسئولية الوطنية تفرض على جميع المخلصين من أبناء هذا الوطن أن يعملوا قدر إمكانياتهم واستطاعتهم على منع حدوث ذلك، فالطريق نحو تحقيق هذه الأمنية ليس معدوما ولا ملغوما بالعقبات الكأداء بعد.
السبيل إلى بلوغ ذلك في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها بلادنا، يتمثل في وأد الفتنة والشقاق بين مكونات شعبنا، فهذه مهمة يجب أن تتصدر أولويات العمل الوطني حاليا، ذلك أنه كلما حصنا مجتمعنا من هذا المرض الخطر، تمكنا من حمايته من الانزلاق نحو الهاوية الخطرة، فلا يخفى على المتتبع للشأن الوطني أن هناك بالفعل تأجيجا طائفيا يقوم به بعض الفئات المتمصلحة من استمرار الوضع غير الطبيعي في البلاد، فهذه الفئات لا تهمها مصالح الوطن، وإنما مصالحها الضيقة، وبالتالي فهي لن تهدأ طالما أن المناخ الذي يلف وضعنا الوطني حاليا هو المناخ الملائم لهذه الفئات وعليه فسوف تعمل بكل ما أوتيت من وسائل لاستمراره.
ما يؤسف له حقا، أن الخطاب الطائفي أخذ «يتسلل» إلى عقول البعض من أبناء شعبنا في حين لا نجد برنامجا وطنيا ممنهجا يستهدف التصدي لهذا الخطاب لذلك نجد النعرات الطائفية تتصاعد وتأخذ طريق العلانية أيضا، ليس من خلال وسائل التواصل الاجتماعي فحسب، وإنما من على بعض المنابر الخطابية، وهذا ما يعد نقلة نوعية خطرة من جانب أصحاب الخطاب المذكور، فالجهود التي تطوع البعض للقيام بها لمواجهة حالة التأجيج الطائفي، لم ترق بعد إلى مرحلة العمل الممنهج والمنظم، وإنما هي جهود متناثرة من جانب عدد من الفعاليات المجتمعية.
يرى البعض أن مروجي خطاب التأجيج الطائفي ما هم إلا فئة قليلة تستهدف زرع الشقاق والشكوك بين مكونات المجتمع البحريني التي تعايشت وتآلفت في حضن الوطن الواحد على مدى مئات السنين حتى تداخلت عائليا أيضا، وقد يكون هذا الرأي صحيحا ولكنه لا ينفي ولا يبعد الخطورة التي يمثلها هذا الخطاب وتأثيره في النسيج المجتمعي، فهناك من يصدق الشائعات ويثق بمفردات هذا الخطاب، وهنا تكمن خطورته، ففئة الشقاق وإن كانت قليلة، فإن أي عمل تخريبي تقوم به ستكون نتائجه مدمرة على الجميع، وهذا بالضبط ما يسببه خطاب التأجيج الطائفي من أضرار على مختلف مكونات النسيج الوطني البحريني.
فخطاب التأجيج الطائفي وأعمال العنف التي تحدث في البلاد في الوقت الحاضر يمثلان خطرين حقيقيين يكمل كل منهما الآخر، وبالتالي فإن الفعاليات الوطنية الرافضة مثل هذه الأفعال مطالبة بتكثيف تحركاتها لتأمين الحماية للسلم الأهلي، ذلك أن الخطرين سالفي الذكر هما اللذان يهددان نسيجنا الوطني في الوقت الحاضر أكثر من أي تهديد آخر، فلا نجد تحركات ترقى إلى مستوى التحديات التي تسببها أعمال العنف والتأجيج الطائفي، إذ لا يكفي فقط أن نعلن رفضنا مثل هذه الأفعال، وإنما العمل على وأدها قبل أن تستفحل بحيث ترتفع أثمان مواجهتها.
فالوطن ومصالحه لا يخصان فئة مجتمعية من دون أخرى، بل هما ملك لجميع أبناء الوطن ومن المكونات كافة بغض النظر عن أي انتماءات، عرقية كانت أم دينية أم مذهبية، ومن يؤمن حقا بأن الانتماء للوطن يسمو على جميع الانتماءات الأخرى، فإنه لن يقبل التعاطي مع أي تهديد يتعرض له الوطن بغض النظر عن الأسباب أو المسببات، أو الذرائع التي تتقاذفها هذه الفئة أو تلك لتبرئ نفسها من تحمل مسئولية ما يحدث في بلادنا الآن، فهناك فئات من مختلف المكونات، وإن مثلت أقلية في مجتمعنا، هي التي تروج وتعمل على استمرار الوضع الحالي، فمثل هذه الفئات لا يمكن أن يكون قلبها على وطنها ومصالح أبنائه.
مصالح الوطن إذا ما وضعناها في مرتبة القدسية والسمو بين جميع المصالح الفئوية أو الفردية، فإنها كفيلة بتوفير القدرة على التحرك لحماية نسيج الألفة والمحبة والتداخل المجتمعي بين أبناء البحرين من جميع المكونات الدينية والمذهبية، فالجميع في هذه الظروف العصيبة مطالب بأن يضع مصالح وطنه أمامه كي يتمكن من المساهمة في جهود حماية وطننا من السقوط في المحرقة الطائفية القاتلة.