الجريدة اليومية الأولى في البحرين


مقالات


مستقبل النظام العربي في ضوء صعود قوى سياسية جديدة

تاريخ النشر : الثلاثاء ٣١ يناير ٢٠١٢



مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية
مع اكتمال العام الأول لانطلاق أول شعلة في الربيع العربي من تونس وانتقالها إلى مصر وليبيا، وما تبعها من احتجاجات في مناطق عربية، مازالت تعيش في طور الاشتعال الثوري (اليمن وسوريا)، الذي لم تتشكل ملامحه بعد؛ بدأ يبرز بعض النتائج التي طرحت نفسها لجهة موجة التغيير في هذه الدول، نتيجة العمليات الانتخابية فيها، حيث شهدت بروز قوى جديدة أغلبها ذات مرجعية إسلامية، ما يعني أن التغير حول القوى الإسلامية من جماعات محظورة إلى جماعات معترف بها استطاعت أن تحصل على الأغلبية؛ ففي مصر، استطاع الإسلاميون (الحرية والعدالة الذراع السياسية للإخوان المسلمون وحزب النور السلفي) الحصول على ما يزيد على 70% من أصوت الناخبين، وفي تونس استطاع حزب حركة النهضة الإسلامي أن يمتلك الأغلبية في اللجنة التأسيسية لوضع الدستور بحصوله على ما يزيد قليلاً على 40% من الأصوات، وهو ما ينطبق على ظهور الإخوان المسلمين في ليبيا وسوريا، وحزب التجمع للإصلاح في اليمن، وحزب العدالة والتنمية في المغرب.
وفي هذا الإطار نظم المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية ندوة يوم 18 يناير 2012، تحت عنوان «مستقبل النظام العربي في ضوء الثورات الشعبية.. وصعود قوى سياسية جديدة»، شارك فيها عدد من المحللين السياسيين والباحثين، في محاولة للإجابة عن تساؤل رئيسي هو: هل ستتغير هوية المنطقة العربية لتذوب في إطار إسلامي أوسع، في ظل توازنات وأدوار القوى الإقليمية الإسلامية غير العربية مثل تركيا وإيران؟
وقد انقسمت أعمال الندوة إلى جلستين، الأولى بعنوان: «توجهات القوى السياسية الإسلامية المنتخبة فيما يتعلق بالهوية العربية وفكرة القومية» وتحدث خلالها «د. قدري حفني» أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، عن موضوع الهوية الوطنية واندماجها مع الهوية الإسلامية، مؤكدًا أن ما يحدث هو إعادة ترتيب لانتماءات الإنسان العربي (ما بين الدائرة العربية والوطنية والإسلامية)، وبالتالي فإن الهوية الوطنية تتعرض لمفارقة بين التزويج والتفتيت، ويتكامل التهديدان على الهويات الوطنية ما بين الانتماء العربي والإسلامي.
أما «د. كمال حبيب» الباحث والمفكر الإسلامي، فتطرق إلى مسألة العلاقة بين النظم السابقة والإسلاميين وإقصائهم المتعمد لهم لأسباب متعددة مثل الدعوة الزائفة بمناهضة الإرهاب، والخوف من القبول الشعبي لهم، بل وصلوا إلى استخدام الإسلاميين كفزاعة لكسب شرعية أمام القوى الدولية باعتبارهم حائط صد أمام مجيء الإسلاميين إلى نظم الحكم.
واستطرد المتحدث بأن القوى الإسلامية بعد الثورات أخذت ثلاثة أشكال: الأول، هم الإخوان المسلمون الذين اعتادوا الحياة السياسية منذ عقود، أما الثاني فهم القوى السلفية التي تعد الأكثر تطورًا بعد الثورة؛ حيث شهدت عدة تحولات وصلت إلى البراجماتية، بحيث لم يعد من المستغرب أن نجد السلفيين يقيمون تحالفًا مع الليبراليين. والثالث، قوى لا تنتمي إلى الإخوان ولا إلى السلفيين وإنما هى نوع آخر حاول أن يجد نفسه وسط هذا الحراك مثل حزب الوسط في مصر والعدالة والتنمية في المغرب.
وبالنسبة إلى الانتخابات التي خاضتها تلك القوى وحصلت من خلالها على الأغلبية، رأى «حبيب» أنه لا يمكن اعتبار ذلك تفويضًا مطلقًا من قبل الشعب، بل إنه تفويض مشروط بقدرتهم على مواجهة التحديات التي خلفتها النظم المنهارة. ومن هنا، اعتبر أن هوية النظام العربي ترتبط بقدرة من يستطيع إنجاز حل مشكلات الوطن، وبالتالي تشكيل هويته.
وبدوره أوضح «سمــير العركي»، باحث متخصص في شؤون الحركات الإسلامية، العلاقة بين القوميين والتيار الإسلامي على مدار العقود الماضية، منطلقًا من فكرة «ساطع الحصري» حول القومية العربية، باعتبار أنها تنبع من وحدة التاريخ والأرض واللغة، ولم يذكر الدين، مما يعني أن القومية العربية في حد ذاتها فكر علماني، وقد يكون ذلك هو السبب وراء تضارب الفكرين.. ومع نكسة 1967، تزايد التيار الإسلامي وبدأ انحصار التيار القومي العربي، ومع السبعينيات حدث تقارب بين الفكرين بسبب التحديات التي تواجه الأمة.
وعلق المتحدث على فكرة أن «الانتماء للوطن لا يصطدم مع الإسلام» باعتبارها لم تكن مطروحة في الفكر الإسلامي عقودا طويلة، ولكن إذا ما لاحظنا القوى الإسلامية الصاعدة فسنجدها تأخذ أطرًا فكرية تتسم بالوطنية فنجد «الحرية والعدالة» عرف الأمن القومي المصري على أنه مرتبط بالأمن العربي، و«حزب النور» أكد أكثر من مرة ضرورة الاهتمام بالثقافة العربية، وبالتالي هناك تراجع في فكرة الأممية، حتى إن فكرة الخلافة لم تكن مطروحة.
أما الجلسة الثانية التي جاءت تحت عنوان «مستقبل النظام العربي وتوازنات القوى الإقليمية والدولية»، فأكد من خلالها «جميل مطر» عضو مجلس تحرير جريدة الشروق، أن المجتمع الدولي وما يشهده من تغير في توازنات القوى التي تتمثل في صعود الدول الآسيوية والمجموعات الاقتصادية كـ«بريكس» وانحصار قدوم الاتحاد الأوروبي، وثبات الولايات المتحدة الأمريكية حتى إن شهدت أزمات اقتصادية، تسبب ذلك كله في حدوث تغيّر اجتماعي واقتصادي (كفساد النخب الرأسمالية والفجوة بين الدخول) من الممكن اعتباره أحد عوامل قدوم الربيع العربي، حيث شهد العالم العربي شروخًا بين السلطة والشعب، وانحدارًا في النخبة، بالإضافة إلى تأثير العولمة التي أدت إلى صعود الحركات الإسلامية، وصعود الهويات الثانوية، مما أوجد عوامل محرضة للجماهير العربية كمواقع التواصل الاجتماعي والمجتمع المدني النشط.
واستطرد «جميل مطر»، بأن إيران لها دور مؤثر في ديناميكيات الوطن العربي، وخاصة في بلاد الشام والجزيرة العربية، حيث تعتبرها إيران مناطق نفوذ لها، إلى جانب أن تطور السياسة الخارجية التركية، بعد عقود من الاقتراب مع أوروبا والتوجه شرقًا كان له تأثيره هو الآخر، مشيراً إلي أن النموذج الإيراني لا يروق للعرب بسبب اعتماده على الطائفية، التي تمثل خطرًا عليهم.
واستكمل المتحدث بأن التعارك الإيراني التركي بدا جليا في الأزمة التي تعيشها سوريا، والتي اعتبرها قلب العروبة النابض، وأن من يسيطر عليها يسيطر على المنطقة، وهذا ما يجعل النزاع الحالي يتعلق «بمن يقود سوريا؟ ومن يقضي على سوريا؟».
أما «د. زينب أبوالمجد»، أستاذ مساعد بقسم التاريخ بالجامعة الأمريكية، فركزت في حديثها بشكل خاص في المؤسسة العسكرية وسؤال الهوية؛ حيث عرضت تطور هوية المؤسسة العسكرية في مصر منذ عهد «محمد علي» وتكوينه أول جيش نظامي مصري في الدولة الحديثة، وكيف تطور من هوية إسلامية إلى قومية عربية، حتى وصلت إلى الهوية المصرية الخالصة، أي ان هوية تلك المؤسسة دائمًا ما ارتبطت بالنظام الحاكم.
من هنا، طرحت تساؤلاً حول هوية المؤسسة العسكرية بعد الثورة المصرية، ولاسيما أن من قام بالثورة المصرية مجموعة من الشباب بلا أيديولوجيا، في حين أقرت الصناديق الانتخابية الهوية الإسلامية، فماذا ستفعل المؤسسة العسكرية؟ هل ستندمج مع الإسلاميين أم أنها ستحافظ على الهوية الوطنية؟
وهنا ذكرت المتحدثة تجربتين دوليتين لعلاقة العسكريين بالإسلاميين، التجربة الأولى تركيا التي قام فيها الحزب الإسلامي بعد أن ثبت نفسه في السلطة بإقصاء الجيش، بل حبس المتمرد منه بتهمة الإرهاب، والتجربة الثانية باكستان التي تسيطر عليها الثقافة الأمنية، والتي تعيش حالة من التدهور في المجالات كافة.. وبالتالي فإن النموذج الأول يعد مقلقًا للمؤسسة العسكرية المصرية.
من ناحيته استهل «د. مصطفـى اللبـاد»، مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية حديثه بعرض تاريخي للتجاذب والتنافر بين الدول العربية عبر العقود السابقة، حتى حرب العراق 2003، التي اعتبرها نكسة أكثر من 1967؛ لأنها تسببت في تكريس مفهوم الطائفية، بل إنها منحت إيران الفرصة لأن تلعب دورًا فاعلاً في الإقليم، خاصة أنها تتمتع بميزة لا توجد في تركيا ألا وهي وجود حلفاء داخل النظام العربي لإيران، وقد يكون وجود الولايات المتحدة هو الذي حدّ من تفوق إيران إقليميا.
ورأى «اللباد» أن هناك تشابهًا بين إيران وتركيا يتمثل في أنهما دولتان غير عربيتين مجاورتان للنظام العربي ذواتي تاريخ توسعي، ولديهما كثافة سكانية مرتفعة، بالإضافة إلى أنهما مرشحتان نظريا إلى لعب دور في المنطقة على خلاف إسرائيل التي لا تتمتع بأي قبول عربي، وبالتالي فلديهما رغبة في طمس الهوية العربية، فإيران تحاول جاهدة تحويل الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع إسلامي إسرائيلي، وتختلف طهران وأنقرة في المذهب الديني إلى جانب اختلاف التحالف الخارجي، فهما لم تقتربا في التوجه إلا في الفترة بين 1923-1979 أي قبل «سقوط الشاه».
واستطرد المتحدث أن النفوذ التركي الإيراني في المنطقة العربية يتوقف على ثلاثة متغيرات، هي: غياب قوة إقليمية داخل الوطن العربي، والتفوق التكنولوجي التركي، والتفوق الأيديولوجي الإيراني في مواجهة العرب.. وبالنسبة إلى الوضع في مصر اعتبر أن تجربة الإخوان المسلمين ستمكنها من لعب دور إقليمي شريطة الالتزام بالمصالح الوطنية المصرية.
وفي الختام، دارت معظم التعقيبات حول عدة نقاط تعلق معظمها بالوضع في سوريا وما تشهده من مجازر، وأن هناك دولاً خليجية (تأتي قطر في مقدمتها) تلعب دورًا في الداخل السوري إلى جانب إيران وتركيا، وكذلك تعرضت لقضية الطائفية بحيث أوضحت أنها ظاهرة لم تشهدها الدول العربية طوال تاريخها، وهو ما يعني أنها من صنع دول خارج المحيط العربي.
وفي الأخير، يمكن القول إن فعاليات الندوة خلصت إلى أنه ليس أمام الوطن العربي لبناء دور حقيقي مؤثر في المجتمع الدولي في ظل التداعيات الطارئة على الوضع العربي بعد الثورات من تدهور اقتصادي شامل غير الأزمات المالية العالمية، بالإضافة إلى أطماع الدول المجاورة والكبرى الأخرى للسيطرة على المحيط العربي واستغلال موارده، سوى مواجهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية؛ حيث إن الحل الأيديولوجي باسم القومية أو الإسلام لم يعد فعالاً وسط المجتمع البراجماتي الذي يعلي المصلحة الوطنية.