الجريدة اليومية الأولى في البحرين


رسائل


بعد مرور شهرين على تقرير تقصي الحقائق.. هل تغيرت الأوضاع؟

تاريخ النشر : الخميس ٢ فبراير ٢٠١٢



لقد تم تسليم التقرير المتعلق بالاحداث المؤسفة التي وقعت في شهري فبراير ومارس يدا بيد من قبل السيد (شريف بسيوني) رئيس لجنة تقصي الحقائق، الى عاهل البلاد المعظم الملك(حمد بن عيسى آل خليفة)، وذلك في عصر يوم الاربعاء بتاريخ 13 من شهر نوفمبر المجيد. وعندما وقف السيد (بسيوني) الى المنصة، وبدأ قراءة ورقة التقرير المختصرة، أخذت أعناق الحاضرين تشرئب اليه، وأنظارهم تحلق نحوه، وأسماعهم تتفتح لالتقاط أي كلمة خافتة تخرج من فيه، كان الحضور من علية القوم، ومن مختلف المستويات والمؤهلات والاطياف.. وكان الجميع يتابع ما ينطقه السيد (بسيوني) من كلمات معبرة ونافذة.. لكن جمهور المواطنين هم أكثر من تعلقت عيناه بالشاشة الفضية.. وهم أكثر من كان يترقب صدور التقرير، والاستماع الى محتوياته، ورغم ان اعداد التقرير قد تأخر عن موعده بما يقارب الشهرين، فإن المواطنين كانوا على أحر من الجمر، من أجل تلقيه، والتفاعل مع مكوناته وبنوده وفقراته.. وكانوا يجدون في هذا التأخير دلالة ناصعة على ان التقرير، قد تم طبخه على نار هادئة، وانه مع حلول المدة المضروبة، لتسليمه، سيؤتي ثماره الطيبة والمرجوة، لكن السيد (بسيوني) عندما استرسل في القاء كلمته، وذهب بعيدا في القاء اللوم على الجهات الأمنية، وانها قد تمادت في استغلال مناصبها وامكاناتها وقدراتها الوظيفية، فألحقت بالمعتقلين الاضرار الفادحة، والممارسات اللاانسانية بل انها - كما يقول التقرير - قد بطشت بهم أثناء التحقيق، وأذاقتهم من التعذيب كؤوسا وألوانا.. وكنت الطامة الكبرى، وقبل ان يوشك البروفيسور (بسيوني)، على الانتهاء من كلمته، عندما ذكر عبارته المدوية، بخصوص التدخل الايراني في (البحرين).. فقد نفى بشدة الاستهداف الايراني لـ (البحرين).. وأكد في كلمته، عدم وجود أدلة مادية وموضوعية، على هذا التدخل.. وما ان أنهى (بسيوني) كلمته، حتى دوى صمت رهيب على القاعة.. وكان التصفيق خافتا، والعبوس على الوجوه مسيطرا.
لقد استفزت الكلمة الحضور.. بل انها صدمتهم في تصوراتهم ورؤاهم وتوقعاتهم.. فلم يعتقدوا - لحظة واحدة - ان الكلمة التي أوجزت التقرير البحريني المتعلق بتقصي الحقائق ستنحرف عن مسارها الطبيعي، نحو الحكم بميزان العدل، والالتزام بمنهج الحق والنزاهة.
لقد غفل التقرير عما وقع في البلاد، في شهري فبراير ومارس، من أحداث جسام ألقت بظلالها الكئيبة والمأساوية على الشارع البحريني، وجعلته يعيش حالة من القنوط والتشاؤم والبؤس، لا مثيل لها، فقد فقد فيها المواطنون كل أمل ورجاء، في تعافي البلاد مما أصابها من محنة، وحل بها من كارثة رهيبة، كادت تودي بالوطن، وتجعله نهبا للمترصدين من الاعداء، والمخربين من الابناء.
لقد تناسى التقرير، ذكر الاخطار والتحديات التي كانت تواجه الوطن والمواطنين.. فلم يرد في خاطر أي مواطن بعد ان عايش تلك المآسي الفادحة، واكتوى بنارها ان البلاد والعباد سيتعافون منها، وسيعودون سالمين.. بل ان اليأس قد أطبق على قلب كل مواطن.. فانعدم من أمام ناظريه، الامان والسلامة والاستقرار والنظام.. فكل ما يتراءى على الساحة يشي بالغموض والتربص والقلق والفزع والخراب.. وكان كل ما يدور في أذهان الناس وما يختلج في صدورهم هو الفزع والتهيب من الاختطاف والضرب أو القتل أو التعذيب أو الأسر.. وذلك في غفلة من الزمن، ومن دون أي حق.
أما بخصوص ما صرح به السيد (بسيوني) بعدم وجود دليل مادي واحد محسوس، على التدخل الخارجي، فإن هذه النقطة قد أزعجت السادة الحضور، كما هزت المشاهدين لهذا الملتقى.. فكيف يعقل بعد كل تلك الآثار والعلامات الواضحات، للاختراقات الخارجية المباشرة وغير المباشرة، ان يقال انه لا توجد دلائل مؤكدة على التدخل الايراني في البلاد؟ فاذا كانت القنوات الاعلامية، مثل قناة العالم وغيرها من القنوات لا تشكل براهين دامغة.. فإن هناك الاعتقالات والتحقيقات، والاسرار التي انكشفت والمنشورات والاسلحة التي ضبطت.. كما ان الخلايا الارهابية التي تم أسرها في الخارج، وآخرها الخلية التي تم اعتقالها في منفذ بري، من قبل السلطات القطرية.. وقد أجرت معهم المباحث القطرية التحقيقات المكثفة وتوصلت الى خيوط المؤامرة، وصلتها بجهة أجنبية.. وقد أعلمت حكومة (البحرين) بالتفاصيل.
ان أغلب المواطنين يرون ان التقرير لم ينصفهم.. بل انه يجني عليهم، عندما أغض الطرف عما تعرضوا له من آلام وأضرار مريرة، نتيجة الاحداث المفجعة.. كما تجنى على رجال الامن الذين كانوا يمثلون العين الساهرة للمواطنين.. كما كانوا يشكلون درعا حامية وحصنا منيعا من الاخطار والاهوال.. وقد قدم الكثير منهم روحه على مذبح الموت، فداء للوطن ولشعبه.
فقد كان على موعد مع التحديات القاتلة، والمواجهات الدامية، والاسر والتعذيب والتجريح والتنكيل.. فلم يبال بكل ذلك.. ورهن روحه ومهجته، في سبيل الوطن وأمنه وسلامته وكرامته واستقراره.. كما تجنى التقرير على المؤسسات والشركات والجمعيات الخيرية والمرافق الحيوية والوزارات الحكومية فلم يأت على ذكر ما وفرت للمواطنين، من اسهامات ومساعدات وخدمات في تلك الايام العصيبة، ووسط تلك الظروف الحالكة.
لقد كان الوطن في تلك الاحداث الرهيبة، من شهري فبراير ومارس يمر بمنعطف خطر.. ولولا لطف الله بالبلاد والعباد لسقط الوطن في أيدي الاعداء واذا كان للتقرير هفوات فإن له - كذلك - حسنات.. ومن أهم حسناته وايجابياته، انه عرف العالم، بحقيقة الاوضاع والاحداث التي كانت تجري في (البحرين).. وكشف المستور، عن الملابسات والاختلاقات التي كانت تجري في الخفاء بعيدا عن أنظار العالم.
عبدالله عبدالله المناعي