الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


هؤلاء يغدرون ببغداد ويغتالون مجدها ويقتلون عزها

تاريخ النشر : الجمعة ٣ فبراير ٢٠١٢



لا أحد شك او يشك في ان النظام الذي أرست دعائمه ادارة االرئيس الامريكي السابق جورج دبليو بوش في العراق منذ احتلاله في نيسان (ابريل) 2003 قد قام على نظرية التخادم السياسي الامريكي الايراني المشترك، وبموجبه تعاونت واشنطن وطهران للانقضاض على النظام السابق وتقويضه كمرحلة اولى، وصولا الى المرحلة الثانية التي تمثلت في العمل على تهميش عروبة العراق وفصمه عن حاضنته العربية وفرض الهوية المذهبية الشيعية على البلاد بدلا من الهوية الوطنية العراقية التي تمثل مظلة جماعية يحتمي في ظلها كل العراقيين بلا استثناء او تمييز.
وضمن صفحات المرحلة الثانية ايضا جاءت الايعازات الايرانية لأتباعها واحزابها بالتعاون مع الاحتلال الامريكي لعزل السنة العرب والتنكيل بهم والسعي الى تصفية رموزهم وشخصياتهم حتى لم يسلم من شرورهم اولئك الذين انخرطوا في العملية السياسية وابرزهم طارق الهاشمي المتهم بالارهاب مع انه امضى اكثر من خمس سنوات ومازال نائبا لرئيس الجمهورية، ولعل كثيرا من الناس لا يعرف ان الدافع الرئيسي لحرب المالكي على الهاشمي ان الاخير بغدادي وعظماوي نسبة الى الاعظمية حي الامام ابي حنيفة النعمان، وهاشمي حقيقي وليس من اولئك الذين نزحوا الى بغداد ولوثوا بيئتها النظيفة وشوهوا صورتها الجميلة.
لقد اثبتت أحداث السنوات التسع المريرة ان (البغادة) - وهو اللقب المحبب لسكان بغداد الاصليين الذين تحملوا جانبا كبيرا من مسؤولية بناء الدولة العراقية الحديثة - صاروا هدفا مشتركا يترصده الامريكان واذنابهم الشيعة العجم، وتعرضت مناطقهم واحياؤهم واشغالهم في الكرخ والرصافة لهجمات فرق الموت الطائفية والمليشيات الطائفية ووحدات فيلق قدس الايرانية وقوات المارينز الامريكية، والتهمة جاهزة وتتوزع بين ارهابي وقاعدي وبعثي وسلفي، وجاء المالكي واضاف اليها تهمة سني تكفيري وناصبي مقلدا أسياده الصفويين.
ولاحظوا اسماء وسيماء افراد حاشيته، فمدير مكتبه المدعو علي موسوي ايراني ابن ايراني، ووزير التعليم العالي في حكومته علي يزدي الذي يلقب نفسه حاليا بالاديب تارة والحسيني تارة اخرى، ومحافظ كربلاء املي هري الذي عرّب اسمه الان واصبح آمال الدين الهر، وبمناسبة ذكر الاخير فانه وقف متباهيا عند صدور قرار تعيينه محافظا لكربلاء وصرح بلا حياء او خجل: ها انا عائد الى العراق واتسلم ارفع المناصب، وشتم النظام السابق الذي اعاده مع اسرته الى بلده ايران في مطلع الثمانينيات ابان (تسفيرالعائلات الايرانية التي احتفظت بجنسياتها الاصلية).
وقد أشارت تقارير كثيرة بعضها نشر واعلن خلال السنوات القليلة الماضية تفيد ان استراتيجية المحافظين الجدد - وهم مجموعة من السياسيين المتصهينين الامريكيين - اعتمدت التحالف مع شيعة ايران في المنطقة العربية بزعم كسر شوكة السنة العرب والعمل على تصغيرهم وتقليص نفوذهم بعد ان نجحوا في بناء دولهم وترصين سيادتها وتقوية اقتصاداتها، واختاروا العراق كمقدمة لتنفيذ مخططهم الشيطاني باعتباره بلدا ناهضا يمثل الجناح الشرقي للأمة العربية وقوة التوازن الاستراتيجي في مواجهة ايران الخميني ومن بعده الخامنئي، ولم يعد سرا ان واحدا من الاهداف المشتركة التي اتفق عليها الامريكيون والايرانيون عقب اسقاط النظام السابق هو السعي الى دمج شيعة واشنطن مع شيعة طهران وتشكيل سلطة تكون نسبة الشيعة فيها هي الاعلى، وهو ما حصل بالفعل عند تأليف اول مجلس انتقالي للحكم حيث احتله الشيعة بـ (13 عضوا) من أصل 25، ثم بدأت صفحات الاهداف الاخرى تتضح شيئا فشيئا وجاء في مقدمتها العمل المشترك على تدمير بغداد مدينة وعاصمة وشعبا وحضارة والقضاء على مكانتها الرفيعة بين عواصم الدنيا حيث ينظر اليها العرب والمسلمون باعتبارها سيدة المدن والحاضنة التاريخية والحضارية للسنة العرب في العراق خصوصا ان احد قادتهم الخليفة المقدام ابوجعفر المنصور هو مؤسسها وبانيها حيث ينظر اليه الشيعة العجم والى ابنائه واحفاده الخلفاء قادة الامبراطورية العربية الاسلامية على امتداد خمسة قرون بكراهية شديدة، لذلك عمد الحاكمون الشيعة من المالكي الى اصغر مسؤول في العاصمة بغداد الى انتهاج سلسلة من الاجراءات المتعمدة لتغيير وجه بغداد العربي وقطع اوصالها وتشويه احيائها وشوارعها بالحواجز «الكونكريتية» والتضييق على سكانها الاصليين ومصادرة بيوتهم وممتلكاتهم وحرمانهم من ابسط حقوقهم في العمل والوظائف وتهجيرهم واحلال وافدين اليها وانشاء مستوطنات شيعية طائفية فيها.
وللتدليل على المؤامرة الشيعية لتدمير بغداد فان التقارير والاحصائيات الحكومية تعترف ضمنيا بأنه طوال السنوات التسع الماضية من حكم الشيعة العجم لم تشهد بغداد بناء جسر او فتح شارع او انشاء جامعة او اقامة مستشفى حتى وصل الامر إلى حرمان اي بغدادي اصيل من تبوء اي وظيفة لها علاقة بتطوير بغداد ورفع مستواها، فمحافظها الحالي صلاح عبدالرزاق عضو في المكتب السياسي لحزب الدعوة ويقال انه من كربلاء وامين العاصمة صابر العيساوي قيادي في المجلس الاعلى ومن العمارة ورئيس مجلسها البلدي او المحلي كامل الزيدي شيعي مهاجر من الناصرية، بينما قادت احقاد الشيعة العجم لبغداد خلال السنوات التسع المنصرفة الى عمليات منظمة لتخريب هذه المدينة العباسية والحاضرة العربية والاسلامية والاجهاز على ابنائها وتراثها وجمالها ومنزلتها ومنجزاتها ونهوضها، وهذه العمليات لها خلفيات ثأرية تاريخية تعود الى ايام المحتل المغولي هولاكو الذي هرع اليه فقهاء الشيعة واعيانهم وهو يحاصر بغداد وقدموا له الطاعة والولاء له وحرضوه على احتلالها وتدميرها، فهذا المدعو حسن بن يوسف المطهري الذي يلقب نفسه بالحلي وهو احد مجتهدي الشيعة ينقل في كتابه (كشف اليقين) عن ابيه الفقيه الشيعي الذي رأس وفدا شيعيا وذهب الى هولاكو المعسكر خارج بغداد قبل احتلالها ورحب بمقدمه وتعهد بدعم الشيعة له، ولما دهش هولاكو وسأل رئيس واعضاء الوفد الشيعي كيف قدمتم الي قبل ان تعلموا بما ينتهي أمري وامر صاحبكم الخليفة؟ وكيف تأمنون اذا صالحني ورحلت عنه؟ اجابه ابوحسن المطهري: أقدمنا على ذلك لأننا روينا عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب انه قال في خطبة له:
الزوراء وما أدراك ما الزوراء؟ أرض ذات أثل، يشيد فيها البنيان ويكثر فيها السكان، ويكون فيها مخادم وخازن، يتخذها ولد العباس موطنا، ولزخرفهم مسكنا، تكون لهم دار لهو ولعب، ويكون فيها الجور الجائر والخوف المخيف والائمة الفجرة والامراء الفسقة والوزراء الخونة، يخدمهم ابناء فارس والروم لا يأتمرون بمعروف اذا عرفوه ولا يتناهون عن منكر اذا انكروه، تكفي الرجال منهم بالرجال والنساء بالنساء فعند ذلك الغم العميم والبكاء الطويل والويل والعويل لأهل الزوراء من سطوات الترك وهم قوم صغار الحدق وجوههم كالمجان المطوقة، لباسهم الحديد، جرد مرد يقدمهم ملك يأتي من حيث بدا ملكهم، جهوري الصوت قوي الصولة عالي الهمة، لا يمر بمدينة الا فتحها ولا ترفع عليه راية الا نكسها، الويل الويل لمن ناوأه، فلايزال كذلك حتى يظفر.
ويستطرد الفقيه الشيعي مطهري ويخاطب هولاكو قائلا: فلما وُصف لنا ذلك ووجدنا الصفات فيكم رجوناك فقصدناك، وهنا يعلق العلامة الشيعي في كتابه اعلاه الذي يعد الى يومنا الراهن واحدا من مراجع الشيعة، ان هولاكو بعد ان سمع كلامهم طيب خاطرهم وكتب لهم «فرمانا» بالامان.
وبهذا الصدد لابد من ايراد حكاية الفقيه الشيعي الآخر رضي الدين علي بن طاوس الذي ذهب الى هولاكو مع جماعة من الشيعة بعد احتلاله بغداد وقتل الخليفة المستعصم وتطوع باصدار فتوى بتفضيل الحاكم الكافر العادل على الحاكم المسلم الجائر تملقا للمحتل التتري الذي قتل قرابة مليون انسان عراقي وعربي في بغداد وحدها حسب المصادر التاريخية المعتمدة، ويمكن الاطلاع على مزيد من المعلومات الموثقة عن تواطؤ فقهاء ومراجع الشيعة مع الغازي هولاكو وتآمرهم على بغداد والعراق والعرب والاسلام في كتاب الحوادث الجامعة لابن الفوطي، والفخري في الاداب الاسلامية والدول الاسلامية لابن طباطبا الطقطقي وكثير من المؤلفات التي يهتم بها الشيعة الى اليوم ومنهم ابن ابي الحديد في شرح كتاب نهج البلاغة/ الجزء الثامن الباب 128 وص 218 حيث يقول: (واعلم ان هذا الغيب الذي اخبر الامام علي عليه السلام عنه، قد رأيناه نحن عيانا ووقع في زماننا وكان الناس ينتظرونه من اول الاسلام حتى ساقه القضاء والقدر الى عصرنا وهم التتار).
وواضح تماما ان رهطا من فقهاء الشيعة ومنهم بن طاوس قد عول كثيرا على الخطبة المزعومة للإمام علي لتبني موقف سياسي ومذهبي محدد علما ان ابن طاوس كان منجما محترفا ومعترفا به حتى ان المؤرخ الشيعي الصفوي باقر مجلسي في موسوعته الكبيرة ذات البدع والضلالات (بحار الانوار) الجزء 58 يعتز بهذا الامر ويقول: ينطلق السيد بن طاوس في اللجوء الى التنجيم كإحدى الادوات الكاشفة عن الحقيقة العلمية على اساس ان معرفة علم النجوم من العلومات المباحات وان النجوم علامات ودلالات على الحادثات.
ولا ننسى ايضا مادام الحديث عن شؤون وشجون بغداد ذلك الدور الخياني الذي لعبه الوزير الشيعي ابن العلقمي الذي ثبته هولاكو في منصبه الوزاري مكافأة لعمالته وخدمته حيث يصفه الخرف مجلسي في الجزء 107 في كتابه بحر (الظلمات) الانوار: كان رضي الله عنه إمامي المذهب صحيح الاعتقاد رفيع الهمة.
لذلك ليس غريبا هذه الجهود والعمليات الكبرى التي يقدم عليها قادة الاحزاب الشيعية الطائفية الموالية لايران لمحو بغداد عن خريطة العراق والعروبة وتحويلها الى خرائب واطلال بعد استقدام الاجانب والغرباء والمستوطنين المتخلفين اليها ليعيثوا فيها فسادا ويعبثوا فيها خرابا وانتقاما، لأن عيونهم تتجه الى مدن اللطم والخرافات فمن الطبيعي ان يغدر الشيعة العجم بعاصمة المجد، يغتالون بهاءها ويقتلون عزها وينفذون ما اخفق في تحقيقه ابن العلقمي ومطهري وابن طاوس واسماعيل وعباس الصفويان والبهلوي والخميني.
* كاتب وسياسي عراقي