الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


في ذكرى مرور 54 عاما على الوحدة المصرية السورية

تاريخ النشر : الجمعة ٣ فبراير ٢٠١٢



حصاد سنين لرجل صاغ القرن العشرين بالتحديد يوم 23 يوليو 1952، هو الزعيم الخالد جمال عبدالناصر وانه من الواجب لكل إنسان عربي عايش أو قرأ عن هذا الإنسان بمعنى الكلمة ألا يغيب عن ذهنه مسيرة هذا الزعيم التي كانت مرحلة حكمة، شهد لها القاصي والداني بأنها نموذج في حب الوطن العربي، حيث جاء استقلال مصر بعد فترة احتلال واستعمار تجاوزت 80 عاما ثم كان الجلاء والإصلاح الزراعي ومجانية التعليم وجعل مصر دولة صناعية حتى لا تبقى إلى الأبد زراعية، وكان هذا ما يسعى إليه الاستعمار البريطاني لتبقى مصر مشلولة ومقيدة حتى لا تتقدم أو تساير الركب الحضاري، كان عبدالناصر واعيا وبالمرصاد لمثل هذه المخططات الاستعمارية.
واستمر الزعيم الخالد في انجازاته الوطنية: تأميم قناة السويس، بناء السد العالي ، قيام الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958، في دولة واحدة وعلم واحد تحت مسمى (الجمهورية العربية المتحدة)، ومن هنا لا أريد أن أتحدث عن الوحدة بداية، ولكني سأتحدث عنها لاحقا، في 15 يناير 1918 بمدينة الإسكندرية ولد جمال عبدالناصر حسين، حيث كان والده يقيم في هذه المدينة (الإسكندرية) ثم سافرت أسرته بعد ذلك إلى (بني مر) بمحافظة أسيوط.
وفي المراحل الأولى من حياته تنقل مع والده بين (البحيرة والقاهرة والخطاطية) ثم مع عمه في (القاهرة) وقد لحق ذلك تعدد المدارس الابتدائية والثانوية التي التحق بها للدراسة، منها مدرسة السكة الحديد بالخطاطبة ومدرسة النحاسين الابتدائية بحي الحسين بالقاهرة ونال الشهادة الابتدائية من مدرسة العطارين ثم مدرسة حلوان الثانوية ومدرسة رأس التين الثانوية التي بدأ يظهر فيها شعوره الوطني، ويسجل التاريخ ان يوم 12 نوفمبر 1935 كان يوما مشهودا حيث استقرت أسرته في حي باب القرية بجوار مسجد الشعراني.
ثم جاءت ثورة 23 يوليو 1952، حيث توالت الأحداث وفي مقدمتها تنازل الملك فاروق عن العرش بتاريخ 26 يوليو 1952، ومغادرته البلاد الساعة السادسة من اليوم نفسه ومن هنا طويت صفحة من التاريخ الذي انهى حكم أسرة محمد علي حيث كانت المبادئ الستة التي أعلنها مجلس قيادة الثورة (القضاء على الاستعمار وأعوانه، القضاء على الإقطاع، القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم، إقامة عدالة الاجتماعية، إقامة جيش وطن قوي، إقامة حياة ديمقراطية سليمة).
في عام 1956 أصبح جمال عبدالناصر رئيسا للجمهورية وهو العام الذي وقع فيه العدوان البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر واستمر عبدالناصر في رئاسة الدولة حتى وفاته في 28 سبتمبر .1970
هذا جزء مختصر جدا عن حياة ومسيرة القائد الخالد جمال عبدالناصر، ولكن يبقى الحديث الآن عن الوحدة بين مصر وسوريا في الأول من فبراير 1958 ومرور 54 عاما على هذا الحدث التاريخي العظيم، وهذه الوحدة لو استمرت وتمت المحافظة عليها لما ظهرت المهاترات ونهج التشبث بالكرسي من دون أن يقتدوا بالزعيم الخالد عندما تحمل المسؤولية وتنحى ابان عدوان 67، وأمثال هؤلاء في ليبيا واليمن وما يجري اليوم في سوريا من بطش وقتل الأطفال والنساء والرجال، ونحن اليوم نقترب من 22 فبراير الذي كان بمثابة أول انتصار وحدوي حقيقي لحركة القومية العربية بعد نضال طويل، حيث توحد القطران مصر وسوريا في إطار (الجمهورية العربية المتحدة) ولكن مخططات الرجعية العربية آنذاك ودعاة الاستعمار لم تجعل تلك التجربة الوحدوية تعمر إلا ثلاث سنوات وسبعة أشهر، ووقع الانفصال الذي لم يكن انتصارا للانفصاليين والانعزاليين بل كان اغتيالا وتآمرا وغدرا وتواطؤا من كل القوى المعادية للأمة، كان ذلك في 28 سبتمبر عام 1961، ومما لا شك فيه ان قيام الجمهورية العربية المتحدة كان انجازا قوميا ذا حس وطني باهر على طريق الوحدة العربية.
إن القومية العربية لم تكن في يوم من الأيام شعارات تردد أو أقوالا جوفاء، أو أحلام يقظة، وإنما هي انجاز على ارض الواقع بالرغم من انفصال سوريا عن مصر من قبل حفنة من الضباط الذين نفذوا إرادة الاستعمار من اجل حفنة دولارات ومن قوات مسلحة في الإقليم الشمالي.
لقد كانت تجربة وحدة مصر وسوريا فريدة من نوعها إذ كانت عملا جديرا غير منقوص كنواة للوحدة العربية بالرغم من ان عمر الوحدة بين الإقليمين الشمالي والجنوبي كان بعمر الورد فإن مخططات الاستعمار والرجعية معا كانت سببا مباشرا معا في تشتيت عبير هذا الورد، وفوق هذا وذاك سيبقى المواطن العربي على مستوى المسؤولية فقد كانت الوحدة ومازالت هدفا ساميا وكانت مصيرا لو أبقيناه لكان حالنا اليوم مختلفا وليس أدل على ذلك مما يحدث اليوم في سوريا (الإقليم الشمالي آنذاك) للجمهورية العربية المتحدة ولا أتصور عربيا مخلصا يهرب أو يبتعد عن مبادئه، فالجمهورية العربية المتحدة لم تكن سوريا ومصر بل كانت عملاقا سياسيا كبيرا وسط عالم الكبار.
وليس أمامنا اليوم إلا أن نعيد سيرتها الأولى ليهنأ الزعيم الخالد جمال عبدالناصر وشهداء الوحدة، رحمك الله يا عبدالناصر، لقد حملت أمل الأمة وآلامها وسرت في دربها الطويل بادئا رحلة الألف ميل بألف يوم أو يزيد، فكنت كبيرا بين الكبار، وعملاقا يزاحم العمالقة.
ولكم أيها القراء جميعا من دون استثناء ما قاله جمال عبدالناصر في خطابه يوم 5 أكتوبر سنة 1961 من منزله بمنشية البكري: إنني اليوم لا أرضى بأن تبقى وحدات من الجيش السوري متربصة بالشعب، ولا أن تبقى جموع من الشعب متربصة بعناصر من الجيش السوري، إن الجيش السوري يتحمل مسؤولية كبرى تجاه العدو المشترك للأمة العربية، ولن اقبل، مهما كان من تصرفات الآخرين ومن أخطائهم بل خياناتهم أن تتحول مهمة الجيش السوري إلى عمل بوليس.
واستطرد عبدالناصر قائلا في خطابه: إنني اشعر في هذه اللحظات انه ليس من المحتم أن تبقى سوريا قطعة من الجمهورية العربية المتحدة، ولكن من المحتم أن تبقى سوريا، إن الذي يشغل بالي ليس هو أن أكون رئيسا للشعب العربي في سوريا، ولكن الذي يشغل بالي هو أن يبقى الشعب العربي في سوريا، وان يصان له كيانه، إن أملي هو حرية الوطن العربي، وحرية المواطن العربي، واني أثق في حتمية الوحدة بين شعوب الأمة العربية ثقتي بالحياة، وثقتي بطلوع الفجر بعد الليل مهما طال، واختتم الزعيم الخالد خطابه قائلا: أعان الله سوريا الحبيبة على أمورها، وسدد خطاها، وبارك شعبها، وستبقى الجمهورية العربية المتحدة رافعة أعلامها، مرددة نشيدها مندفعة بكل قواها إلى بناء نفسها، لتكون سندا لكل كفاح عربي، ولكل حق عربي، والسلام عليكم جميعا، وعاشت الأمة العربية، وعاشت الجمهورية العربية المتحدة.