أفق
مخاطر حرق الأوراق
تاريخ النشر : السبت ٤ فبراير ٢٠١٢
عبدالله خليفة
تاه شبابٌ كثيرون تحت المظلة الإيرانية، منذ أن تشكلت الهيمنة القومية الفارسية عبر المذهبية المتدخلة المغامرة، وليس كل الشباب من صنف واحد، فهناك المخلصون العاملون من أجل التغيير والدفاع عن حقوق يتصورونها، وهناك الانتهازيون الذي يستفيدون من أي حراك لأجل أن يركبوا الموجة، وهناك التائهون العفويون الذين وجدوا أنفسهم يشاغبون بلا دراية بشيء عميق أو مفيد.
ولم يكن هؤلاء الشباب المتفردون الوحيدون بالدخول في صراعات لا يعرفون جذورها، ولا امتداداتها المناطقية والعالمية، فهم موجةٌ من موجاتٍ وشبابٌ فتي قبله أجيالٌ شابتْ في السياسة ولم تتعلم أو تعلمت وصمتت، أو استغلتْ الأجيالَ الجديدة من بعيد.
وكان قبلهم من رددَ شعرَ نجيب سرور:(نحن حباتُ البذار/ نحن لا ننجو جميعاً إذا ما جاءَ الربيعْ/ بعضُنا يهلكُ في هول الصقيع/ وتدوس البعض منا الأحذية/ ويموتُ البعضُ منا في ظلام الأقبية/ غيرّ أنّا كلنا لسنا نموت، نحن حباتُ البذار!).
المظلة الإيرانية قادت الشبابَ إلى طريق بلا مستقبل، يكررون تجارب حارة ويتعذبون ويوجدون مشكلات لبلدهم وأهلهم من دون أن ينتجوا شيئاً سياسياً مغيراً على مدى أكثر من ربع قرن.
الشباب بذرة لمواقف عميقة وتعبير عن قوى شعبية خلاقة تعمل من أجل أفق اجتماعي سياسي محدد، ولم تكن قوى الشبيبة في العقود السابقة على مثل هذه الدرجة من غياب الوعي الاجتماعي، والوعي الوطني، حيث لم تجعلهم انتماءاتهم المذهبية الغائرة أن ينسوا أن الوطن بوصلة مهما كانت الأعلام الأجنبية التي توحدوا تحتها بسبب توجهاتها القومية والأممية، وعملوا على خطوط هذه الوطنية أولاً رغم الانحرافات واليأس السياسي الذي قاد بعضهم إلى تأييد أي شيء اجتماعي يتحرك حتى لو كان طائفياً أو محافظاً شمولياً خطراً على الديمقراطية نفسها.
المظلةُ الإيرانيةُ اربكت هؤلاء الشبابَ لكونها هي ذاتها مراهقة لم تستطع أن تصعد إلى مستوى ناضج، وتناحرت بين (اشتراكية) دكتاتورية بيروقراطية في زمن موسوي كرئيس وزراء وهي السياسة التي وضعتْ الأسسَ لرأسمالية الدولة العسكرية، ثم إلى ليبرالية ناقصة غير ديمقراطية عند رفسنجاني لم يستطع أن يحولها إلى تغيير ديمقراطي عميق بسبب عدم انتمائه لطبقة برجوازية حديثة حرة وظل يركض وراء المحافظين العاجزين عن إنتاج نظام له مستقبل ديمقراطي، ثم تآكلتْ الدولةُ ووصلت إلى طريق مسدود عبر العسكر، وهي في هذه الخاتمة خاصة لم ترد إلا أن تنقل تجاربها الحارقة عبر لحم الشباب، في الداخل والخارج، متسيدة على أي تنوع، أو توجهات في الاستقرار والتجذر في التراب الوطني لكل دولة، وكانت النتائج هي هذه التنظيمات الدينية السياسية المضطربة المتعددة التي لا تخرج عن خيط البوليس المركزي الإيراني.
الشباب الذي استخدم كأداةٍ بلا تجربة وتمت المتاجرة في لحمه الذي غدا رخيصاً عند هؤلاء تجار الحروب والاستغلال وتمت تعميته بسبب صمت رجال الدين الكبار وعدم نقدهم لتلك المظلة الإيرانية ومغامراتها، وعدم فصلهم الشريعة عن لغة العسكر الخطرة، ولم يستفيدوا من كل ملاحم التراث النضالي العظيم في الوقوف في وجه المخاطر السياسية الحربية، والتلاعب بمصائر الملايين.
فماذا نقول عن شبابٍ ضحلِ التجربة مُغيّب الوعي؟
إن الشباب ليس لديه وعي بهذه المظلة، فلم يُدرس في المدارس عن التيارات، ولم يُنقل له السياسيون القريبون منه أعماقَ المذهب واختلافها عن الدكتاتوريات السياسية والعسكرية، وأدلجوا التراثَ بطريقة سطحية شوفينية تمزيقية لصفوف المسلمين لخدمة أهوائهم المالية، والآن ثمة هوة هائلة يُدفع لها الملايين وهم صامتون، فيما الشباب يرقصُ على النار قرب البركان الذي قد ينفجر في أي لحظة!
هو التحريف عن الخطر البالغ وإحداث معارك جانبية تستهدف كلها شد الانتباه عن تلك المغامرات العسكرية المجنونة، وهنا يظهر غباءُ مثل هؤلاء الشباب فبدلاً من أن يناضل من أجل السلام ومنع الحروب ووقف التجارب النووية ويعمل من اجل تقدم بلده ووحدته الكفاحية الديمقراطية يُجر لتفكيك الصفوف وتبرير جنون العسكر وهم يهددون أسس الحياة في المنطقة.