الجريدة اليومية الأولى في البحرين



بعد الانسحاب الأمريكي.. نوري المالكي يحكم قبضته على الجيش العراقي

تاريخ النشر : السبت ٤ فبراير ٢٠١٢



يبدو أن التحالف الكردي وحده قد ينجح في التصدي لسياسات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي التوسعية من خلال الحفاظ على مناصب أساسية ضمن الجيش العراقي وقيادة الشرطة، فضلاً عن صلاحيات قوات البشمركة الكردية التابعة للتحالف، لكن لا يخفى على احد ان الجيش العراقي بقسم كبير منه يدين بالولاء للمالكي ومعسكره فيما تغيب عنه فئات عراقية مختلفة عدة.
اليوم، يبدو ان المالكي يسعى الى ترسيخ قوته وسيطرته على البلاد، يتزامن ذلك مع سلسلة تفجيرات تطاول بغداد والمدن العراقية بين الحين والآخر، فهل يتمكن رئيس الوزراء ومعسكره من بسط نفوذهم على الاراضي العراقية ككل ام ان الخلافات الداخلية ستدفع بالبلاد نحو الخراب مجدداً؟
«اورينت برس» اعدت التقرير التالي:
بعد الانسحاب الأمريكي من العراق في نهاية عام 2011، تركز معظم الجدل في حجم الإمكانات التقنية التي يتمتع بها الجيش العراقي لإرساء الأمن في بلده، لكن يبدو أن الولايات المتحدة تركت الجيش العراقي، عمداً أو سهواً، في قبضة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، فقد قدمت له بذلك مكافأة على جهوده التي هدفت إلى تعزيز منصبه القيادي في العراق وهزم خصمه السياسي الرئيسي، أي حزب «العراقية». ويبدو ان المالكي لم يوفر اي فرصة اتيحت امامه، بل تلقف هذه الهدية وغرس انصاره ضمن دائرة النخبة في الجيش ليضمن الا يخرج عن طوعه.
صراع داخلي
يعتبر قرار الحكومة إصدار مذكرة توقيف بحق عضو حزب «العراقية» ونائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي أحدث مثال على استمرار هذا الصراع الداخلي على السلطة، لكن لن ينتهي الوضع على ذلك بل من المرجح ان تتصاعد الامور تدريجيا لتصل الى مراحل سياسية وربما امنية لا تحمد عقباها.
خلال السنوات السبع الماضية، تدربت 14 فرقة تابعة للجيش على مواجهة حركات التمرد ضمن الحدود العراقية. كذلك، طور الجيش قوة أمنية داخلية لها فروع عدة في المحافظات العراقية المختلفة. اليوم، يستطيع الجيش العراقي الوصول الى أجزاء البلد المختلفة، لكن تبقى السيطرة على الجيش ووزارة الدفاع الطريقة التي يعتمدها المالكي للتمكن من الوصول إلى كامل المناطق العراقية وفرض سيطرته هناك بغض النظر عن مدى موافقة سكانها على ذلك، او مدى تأييدهم للمالكي وسياسته.
ضباط وعناصر موالون
عن طريق وزارة الدفاع، سيطر رئيس الوزراء العراقي على الجيش من خلال تعيين ضباط موالين له لقيادة الفروع الأساسية والعمل عن طريق فِرَق الجيش في أنحاء العراق لفرض سيطرته على البلد. صحيح أن ضباط الجيش لا يضطلعون بأي دور رسمي في السياسة العراقية، إلا أنهم أصبحوا الآن في طليعة الأشخاص الذين ينفذون الأجندات السياسية.
في خلال السنوات الأخيرة، فرضت قيادة مؤلفة من ضباط جيش موالين للمالكي سيطرتها على العراق برمته، وفي عملية بدأت في عام 2007 وبلغت ذروتها هذه السنة، أحاط رئيس الوزراء نفسه بمجموعة من ضباط الجيش السابقين، فاستعاد هؤلاء الضباط، مقابل ولائهم، المناصب التي خسروها بسبب سياسات «اجتثاث البعث» التي كانت قد طُبقت في عهد الوجود الأمريكي، وعينوا في مناصب رفيعة ضمن وحدات الجيش.
سد الثغرات
نجح الجيش في سد الثغرات التي فشل رئيس الوزراء في تجاوزها رغم نفوذه السياسي، وطوال عام 2011، نشرت وحدات الجيش في المحافظات الشمالية التي تُعتبر معقل حزب «العراقية» (الا وهي الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى). سرعان ما تدهور الوضع الأمني في هذه المحافظات، ولكن تزامنا مع تدهور الأمن، نجح الجيش في تعزيز وجوده وتوسيع سيطرته على كل محافظة منها.
على صعيد آخر، واجهت القيادتان الأمنية والسياسية لحزب «العراقية» عوائق كثيرة بسبب سلسلة من الاغتيالات التي استهدفت مسؤولين مهمين في صفوفها، فاضطر المسؤولون في المحافظات إلى استبدال رؤساء أقسام الشرطة وفق تعليمات وزارة الداخلية، فبلغت هذه العملية ذروتها في شهر أكتوبر الماضي عندما اعتُقل ضباط جيش رفيعو المستوى في تلك المحافظات بسبب انتمائهم المزعوم إلى شبكات إرهابية أو إلى نظام البعث.
برلمان مكبل
في الواقع، سبق أن أثبت البرلمان العراقي عدم فاعليته في منع تنامي نفوذ رئيس الوزراء نوري المالكي على الصعيدين العسكري والسياسي، فقد يؤدي قرار حزب «العراقية» الأخير مقاطعة مجلس الوزراء والبرلمان إلى نتائج عكسية. على الرغم من فوز لائحة «العراقية» بأغلبية المقاعد في انتخابات عام 2010، فإن الحزب فقد الآن كل ممثل له في المحافظات واختفت أيضاً مظاهر الوحدة في بغداد ليكرس المالكي سيطرته عبر فريق اختار عناصره بدقة.
في المقابل، قد يستعمل المالكي البرلمان لسحب الثقة من أعضاء حزب «العراقية»، وهو امر مرجح جدا، أو قد يعمد إلى استمالة بعض أعضائه لإقناعهم بالانضمام إلى تحالفه. سبق أن عبرت كتلة «العراقية» البيضاء وهي مجموعة انشقت عن الكتلة الأساسية في شهر مارس الماضي بسبب جملة خلافات في الرأي، عن دعمها حكومة المالكي بعد انسحاب وزراء «العراقية»، في خطوة اعتبر الكثيرون انها اتت جراء ضغط من المالكي او محاولات منه لاستمالة اعضاء من «العراقية»، ومن الواضح انه نجح في اختراق الحزب وتفكيك صفوفه وان ببطء.
ضعف الدستور
على صعيد آخر، ثبت مدى ضعف حكم الدستور، فبعد أن تجردت محافظتا صلاح الدين وديالى من جميع أشكال التمثيل أو السلطات، لجأت المنطقتان إلى المادة رقم 119 من الدستور وأعلنتا استقلالهما الاقتصادي والإداري عن بغداد.
غير أن بغداد لم توافق على ذلك الإعلان بأي شكل من الاشكال كونه يضرب مصالحها الاقتصادية اولا ومن ثم السياسية ويؤدي الى تنامي صفوف المعارضة لحكومة المالكي في العاصمة العراقية وبعض المدن، لذلك، وتلافيا للأزمات المرتقبة يفكر رئيس الوزراء الآن في تعديل الدستور لتقليص صلاحيات المحافظات وإعادة رسم الإطار المؤسساتي في العراق بما يصب في مصلحته حتى ان كان في ذلك انتهاك مباشر للدستور العراقي وضرب لشرعيته.
من هنا، يرى المراقبون أن التحالف الكردي وحده قد ينجح في التصدي لسياسات المالكي التوسعية من خلال الحفاظ على مناصب أساسية ضمن الجيش العراقي وقيادة الشرطة وهو فعل ذلك بتأن وجسارة، فضلاً عن صلاحيات قوات البشمركة الكردية التابعة للتحالف التي تتمتع بسيطرة كبيرة في المناطق الكردية.
قد تستفيد الأحزاب الكردية أيضاً من لعب دور الوساطة بين المالكي وحزب «العراقية» لتقوي موقعها، مع حصد التنازلات من الفريقين وتعزيز وجود القوى الأمنية التابعة لها في أجزاء من المحافظات الشمالية التي كانت تطالب بحق تبعيتها لها منذ فترة طويلة.
في خضم هذا الصراع على استمالة قوى الأمن، يتوقف إنجاز الأمن حتى الآن على الاتفاقات المبرمة بين المالكي وخصومه المتبقين. يخضع هذا التوازن لاختبار جدي على ما يبدو، فقد أدت سلسلة من التفجيرات الهائلة في بغداد، قبل فترة قصيرة، إلى تعزيز احتمال تجدد الصراع الطائفي.
لن يساهم تعزيز الإمكانات التقنية للقوى الأمنية في إعادة توجيه الجيش الذي ينشط ضمن إطار مؤسساتي هش. لقد سار الجيش العراقي في طريق خطر بعدما أصبح خاضعاً لمناخ سياسي عدائي بدل أن يتحول إلى مؤسسة تعمل على إرساء الأمن في أنحاء العراق.
شهد عام 2011 ترسيخ نفوذ المالكي الذي أصبح أبرز زعيم في العراق، وتزامناً مع تزايد سيطرته على الجيش العراقي.