هوامش
المصلحة الوطنية تفرض المصالحة
تاريخ النشر : السبت ٤ فبراير ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
في الرابع عشر من شهر فبراير الجاري تطوي بلادنا عاما كاملا منذ اندلاع الأحداث المأساوية التي تصاعدت وتيرتها بعد ذلك التاريخ من العام الماضي وأفرزت تداعيات خطرة على نسيجنا الوطني، ربما أخطرها على الإطلاق تلك التي أحدثت شرخا في العلاقات بين أبناء طائفتي المجتمع الكريمتين جراء اللعب على الوتر الطائفي في أوج تصاعد تلك الأحداث، وبعد مرور هذه الفترة الطويلة والخسائر البشرية والمادية التي تحملها شعبنا وبلادنا، ومع أن استمرار هذا الوضع غير الصحي والشاذ يصب في مصلحة قلة انتهازية متمصلحة، فإنه لا يمكن أن يستمر على هذا المنوال حيث ان الوطن غير قادر على تحمل أعباء تضاف إلى تلك الأعباء التي أثقلت كاهله على مدى عام كامل، أضف إلى ذلك، وهو الأهم، أن انقلابا يحدث الآن في المزاج العام باتجاه الطريق الصحيح، أي الالتفات إلى مصلحة الوطن من دون غيره.
على مدى الأشهر القليلة الماضية حتى يومنا هذا تعالت الكثير من الأصوات في اتجاه كسر حاجز الانشقاق والفرقة الذي تسببت فيه تلك الأحداث ونفخت فيه الفئة المتمصلحة «لغرض في نفس يعقوب»، وما ميز التحركات الأخيرة أنها استهدفت كسر التخندق الطائفي، حيث حرص القائمون عليها على حشد جميع ألوان الطيف البحريني الجميل الذي يمثل سمة فريدة من سمات مجتمعنا البحريني تكونت عليه المناعة الوطنية التي صدت مختلف الضربات التي تعرض لها نسيجنا على مدى عقود عدة، ومن شأن مثل هذه الأصوات والتحركات أن تحدث ثقوبا في جدار العزلة والافتراق الذي بناه البعض مستفيدا من الإرباك الذي أوجدته تلك الأحداث لدى شرائح مختلفة من شعبنا.
فالأحداث التي شهدتها بلادنا منذ الرابع عشر من شهر فبراير العام الماضي ولاتزال تداعياتها مستمرة حتى الآن ليست هينة وبالتالي لا نستطيع أن نلوم البعض إن هو وقع ضحية التأجيج الطائفي الذي رافق تداعياتها واستمر العزف على وتره بل تصاعدت وتيرته مع اختفاء أصوات التهدئة والعقلانية، وسيطرت عاطفة الانتماء الطائفي لدى البعض خلال ذروة تلك الأحداث، فغاب العقل وعجز عن تغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الطائفية الضيقة، ولكن هذه الحالة غير قابلة للاستمرار لأنها باختصار لا تمثل الحالة الوطنية البحرينية الجامعة.
فهناك الآن ما يمكن وصفه بالصحوة الوطنية التي أخذت تتسع رقعتها بين مختلف فئات المجتمع البحريني، فلم تعد الأصوات المنادية بتغليب المصلحة الوطنية على المصالح كافة، منحصرة في فئة وطنية معينة، فمن الشخصيات الوطنية المعروفة التي أخذت على عاتقها مسئولية التحرك لإخراج الوطن والشعب من الحالة غير الطبيعية التي يمران بها، فئة الشباب التي تريد أن تسهم بطاقتها الخلاقة والكبيرة في هذه المهمة الوطنية النبيلة، الأمر الذي يؤكد اتساع دائرة الأصوات الرافضة للوضع الحالي، وهي بالتالي قادرة على محاصرة الأصوات الشاذة التي تشكك في كل تحرك وطني، ليس بدوافع الحرص على الوطن، وإنما للحفاظ على ما جنته من مكاسب جراء الأحداث الأليمة.
هذه الصحوة الوطنية وذاك الحديث المتصاعد عن لملمة الشمل البحريني تحت سقف المصلحة الوطنية، هما الرد الطبيعي على الأوضاع غير الطبيعة وغير الصحية التي طال أمد بقائنا نراوح تحت تأثيرها المدمر، لهذا فإن المسئولية الوطنية تفرض علينا جميعا الدفع بهذه الصحوة إلى الأمام والعمل على تذويب كل الترسبات التي خلفتها الأحداث المؤلمة في بلادنا، فلا خيار أمام البحرينيين، ومن جميع الطوائف والمذاهب والأديان والأعراق، سوى العمل المشترك على غزل نسيجنا الوطني من جديد بعد التهتك الذي أصابه، فالحديث عن مصالح فئوية ضيقة - مهما كانت الأسباب والذرائع - لا يمكن أن يصمد، ولكنه يضر بالوطن على المدى البعيد.
البعض يطرح أنه للخروج من الأوضاع التي نمر بها حاليا، فإننا بحاجة إلى مصالحة وطنية، وأصحاب هذا الطرح ربما يستندون إلى الشرخ الذي أصاب النسيج الوطني جراء تلك الأحداث، وبغض النظر عما إذا كان هذا الطرح صائبا أم لا، فأنا أرى أننا بحاجة إلى فهم المصلحة الوطنية وتغليبها على أي مصالح أخرى، فإذا ما تمكنا من تكوين كتلة متجانسة تضع هذه المصلحة في سلم أولوياتها، وهذا ما يبدو أنه آخذ في التكون، عندها من المؤكد أننا سنكون قادرين على الخروج من هذه الحالة بأقل الخسائر، وهذا هو الهدف الوطني الذي يجب أن نسعى جميعا إلى تحقيقه.ئن