أهمية تطبيق سيادة القانون في الدولة الحديثة
 تاريخ النشر : الأحد ٥ فبراير ٢٠١٢
بقلم : وفاء جناحي
قد يتبادر الى اذهاننا من الوهلة الاولي ان السلطة والشعب هما عبارة عن مفهومين مستقلين يعبر الاول عن الحاكم والثاني عن المحكوم، ولكن لو امعنا النظر قليلا لرأينا انهما يشكلان مرتكزين اساسيين لمفهوم واحد فالسلطة في الاساس هي من تمثل الشعب.. فلا يمكن قيام سلطة من غير شعب ولا قيام شعب من غير وجود سلطة.. فكلاهما مكمل للآخر.. وعليه اتفق فقهاء القانون الدستوري في تعريفهم للدولة القانونية علي ضرورة وجود ثلاثة عناصر من اجل قيام الدولة الا وهي: السلطة، الشعب، الاقليم، لذلك فان تخلف أي عنصر من هذه العناصر يعني تضعضع الدولة.
ولو مثلنا الشعب بجسم إنسان لظهرت لنا السلطة الحاكمة بمثابة الرأس، بما فيه من مخ وحواس، وأعصاب متشابكة، مع العلم بأن ذلك الرأس، سيختل أو يتعطل نشاطه الحيوي بمجرد وقوع أي ضرر أو تلف أحد أعضاء جسمه، ومن هنا كانت من أول اهتمامات المخ المستعجلة أن يحافظ على سلامة وتوازن بقية أعضاء الجسد.. ومن مهام الجسد الأولية أن يحمل رأسه برعاية وعناية، ويرفع هامته بقوة واعتزاز.
ومادام الشعب، هو مصدر السلطة، ومرجعيتها الأساسية، كان لزاما على السلطة تقوية علاقتها بالشعب بغرس الثقة والمحبة في نفسه، فالسلطة الحكيمة هي التي تستطيع أن تستخلص من آمال الشعب وتطلعاته، وأوضاعه واحتياجاته، ما يحدد نشاطها، ويبلور أعمالها ويضمن ديمومتها.
ان ضمان سيادة القانون هو لذلك الوسيلة الوحيدة لحرية الفرد والأساس الشرعي لممارسة السلطة..وضمان سيادة القانون لن يتحقق الا بتوافر مقومات عدة اهمها:
١- تطبيق العدالة الاجتماعية ومبدأ المعاملة بالمثل عن طريق المساواة في الفرص والخدمات وعدم التفرقة بين المواطنين.. كما يجب ان ينعم جميع المواطنين بمستوى الخدمات نفسه بصرف النظر عن مكان اقامتهم اوسكنهم.. ان يتم التعيين في المناصب الادارية على اساس الكفاءة وليس على اساس المحاصصة.. فالعدالة الاجتماعية ضرورة في الدولة الحديثة.
٢- توزيع الثروات العامة توزيعا منصفا ومتوازنا.
٣- محاربة الفساد بأشكاله كافة.
٤- الحرص علي التطبيق الحقيقي لمبدأ الفصل بين السلطات الذي يشكل ضمانة مهمة وفعالة لخضوع الدولة للقانون.
٥- الفصل بين طبيعة مفهومي الدولة والسلطة، فالدولة ملك للشعب بأكمله، ومن ثم فإنها وحدة واحدة لا يجوز تقسيمها في حين أن السلطة هي تلك المؤسسات التي تتولى إدارة شؤون الدولة وتضمن سيادة القانون فيها.
٦- الاعتراف بالحقوق والحريات الفردية واحترامها وفق مبادئ الشريعة والقانون.. ولكن الحرية هنا لا تعني تعامل أي افراد او جماعات بعنجهية عبر القيام بأفعال عشوائية تزعزع الأمن القومي، فالمصلحة العامة هنا تعلو على المصلحة الخاصة.
٧- تمكين المواطنين من المشاركة السياسية الفعالة، ويقتضي هذا آلية انتخابات ديمقراطية بضمانات حقيقية تتسم بالشفافية والحياد.
٨- ضمان وجود مشاركة فعالة للمعارضة في البرلمان تكون ذات اهداف اصلاحية وليست طائفية.
٩- غرس مقومات وروح الوحدة الوطنية بين جميع طوائف المجتمع.. فللأسف الشديد هناك كثيرون ممن ينادون بالوحدة الوطنية لايحترمون هذا الشعار بل يسهمون بشكل او بآخر في تفكيك نسيج الوطن وتقسيمه بدلا من توحيده وتقويته، فالوحدة الوطنية بلا شك لا تتم الا بنبذ الكراهية والعنصرية والمعاقبة عليهما.
١٠- محاربة نزعات التأجيج الطائفي بكل انواعه سواء بين الكتاب او المتطرفين من شيوخ الدين وسن قوانين تجرم اي افعال تبث الكراهية.
١١- عدم تبني النظم والحكومات تيارات اسلامية متطرفة يمكن أن تدار فيها الدولة على اساس من الدين او الاعتبارات الفئوية، وليس على اساس العدالة والتسامح.
١٢- تطوير اداء جهاز الأمن بما يواكب الاتجاهات الحديثة في الاطار العالمي.
١٣- يجب ان تكون الكفاءة هي المعيار الوحيد لتولي المناصب في مجتمع ينشد تكافؤ الفرص.
١٤- القضاء على البطالة وتقليص اسبابها.
١٥- ضمان استمرارية عملية الاصلاح بحيث يتم استبعاد أي خطوات لا تخضع للتخطيط الدقيق والدراسة الوافية.
١٦- الحرص على ديمومة الثقة بين الحكومة والشعب، وتعميق الثقة بين الحاكم والمحكوم عن طريق التواصل المباشر والمستمر مع الشعوب.
* باحثة دكتوراه في القانون - لندن
.