الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٧١ - الأحد ٥ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


قراءة في وقائع مؤتمر الأمن الوطني والأمن الإقليمي لمجلس التعاون الخليجي.. البحرين: رؤية من الداخل





في إطار ما يطرح الآن على الساحة الأكاديمية وما تظهره متغيرات الواقع المعاش، المتمثل في إعادة طرح ثنائية الأمن الوطني والأمن الإقليمي بين التقارب والتباعد، يتمحور النقاش وتتوالى الجهود والأفكار للخروج بصيغ آنية ومستقبلية، تعود بالنفع على دول الخليج العربي وشعوبها وتبني لغدٍ أفضل.. وفي هذا الإطار، نظم مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة مؤتمرا تحت عنوان «الأمن الوطني والأمن الإقليمي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية: رؤية من الداخل»، يومي ١٧-١٨/١/٢٠١٢، تحت رعاية سمو الشيخ «محمد بن مبارك آل خليفة» نائب رئيس مجلس الوزراء البحريني، وحضور كل من سمو الأمير «تركي الفيصل» رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، والدكتور «محمد جابر الأنصاري» مستشار جلالة ملك البحرين للشؤون الثقافية والعلمية، والدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، والفريق «ضاحي خلفان» قائد عام شرطة دبي، وحضور عدد كبير من الكتاب، والأكاديميين، والإعلاميين، والعسكريين، ورجال الأعمال في دول الخليج العربي.

وقد انقسمت أعمال المؤتمر ثلاثة محاور رئيسية: (الأول) كان عن المنظور الأمني الجيوسياسي، فيما استعرض المحور (الثاني) التهديدات الداخلية والخارجية لأمن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بينما كانت الفكرة الرئيسية للمحور (الثالث) قائمة على محاولة تشكيل مفهوم استراتيجي للأمن الإقليمي لمجلس التعاون.

وفي الجلسة الافتتاحية أشار الدكتور «محمد عبدالغفار» مستشار الملك للشؤون الدبلوماسية، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة، إلى قيام المركز برصدٍ للكتب والبحوث التي نشرت حول أمن منطقة الخليج العربي خلال السنوات الماضية، والتي زادت على ٣٠٠ دراسة، أتى معظمها من قبل باحثين أجانب انصبت جهودهم على تحليل مسائل متعلقة بأمن الخليج وتطوير مفاهيم أمنية لا تضع في الاعتبار بالضرورة رؤى ومصالح دول مجلس التعاون، وأكد ضرورة محاولة وضع رؤية خليجية لمواجهة التحديات المشتركة وتعزيز الأمن والاستقرار في جميع دول المجلس، وتقديمها إلى صانعي القرار في الدول الخليجية على غرار ما يحدث مع حكومات الدول المتقدمة؛ حيث إن المتغيرات التي تمر بها المنطقة اليوم تؤكد أن الأمن الوطني لم يعد شأنًا داخليٌّا بحتًا، إذ إن أغلب مخاطر ومهددات الأمن الوطني قد أصبحت عابرة للحدود، كالتنظيمات المتطرفة وأيديولوجيات التعصب التي تهدف إلى تمزيق النسيج الاجتماعي لدول مجلس التعاون، والتي أصبح من الضرورة مواجهتها برؤية سياسية واستراتيجية شاملة تعالج متطلبات الإصلاح، وتصون المجتمعات الخليجية من مخاطر التدخل الخارجي، وتوجد مفهوما استراتيجيا شاملا تنطلق منه دول الخليج لمجابهة التحديات المحيطة، تسهم في مرحلة التحول من التعاون إلى الاتحاد، الذي رحبت به البحرين وأتت كامتداد لطموحات عبر عنها ملكها عندما دعا إلى التفكير في دفع نظام التعاون لدول المجلس إلى مرحلة أكثر تطورًا في القمة الخليجية الثلاثين عام ٢٠٠٩، وفقًا لما تتفق عليه دول المجلس وللتأكيد أن تحقيق الوحدة الخليجية كان من أبرز الأهداف التي تسعى اليها مملكة البحرين.من جانبه شدد الأمير «تركي الفيصل»، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، في بداية كلمته على سعي جلالة الملك «حمد»، إلى رأب الصدع بين أبناء شعب البحرين، واصفا بادرة لجنة تقصي الحقائق واستقلالية عملها وقرارها والتزام قيادة البحرين بتنفيذ توصياتها هي البلسم الذي سيشفي الجرح الدامي في هذا البلد الطيب، مؤكدًا أن ما يواجه المنطقة الخليجية من تحديات استراتيجية جراء ما يحدث من تحولات وتغيرات بنيوية في طبيعة العلاقات الدولية، يحتم التعامل بوعي وحرص شديدين لتجنب مخاطر هذه التحولات، والاستفادة من الفرص التي قد توفرها لتعزيز الأمن والاستقرار الداخليين والإقليميين، وأوضح أن التحدي الأمني هو أخطر وأعقد ما يواجه المنطقة من تحديات على المستوى الإقليمي، ورغم أن أمن منطقة الخليج قضيةُ أمنٍ دولية لأهميتها الاستراتيجية وأهمية مصادرها الطبيعية للعالم أجمع، فإن مسؤولية الحفاظ على أمنها واستقرارها تقع، أولاً وأخيرًا، على عاتق أبنائها، دولاً وشعوبًا، عربًا وعجمًا، لأن الجميع أصحاب مصلحة في تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي.

وأكد أن خيار التعاون والتنسيق، هو السياسةَ الثابتةَ لدول المجلس منذ تأسيسه لَكِنَّ الشريك في المصلحة، اختار سياسةً أخرى تُعَرِّضُ الأمن الإقليمي لمخاطر دائمة تجلب التدخلات الأجنبية التي يريد التخلص منها حسب ادعاءاته، آملاً أن تكون قيادة إيران إيجابيةً في تعاملها مع قضية أمن الخليج باعتباره مصلحةً وطنيةً لها ولشعبها كما هي مصلحة لنا ولشعوبنا. ونوه بأن تَمَللاكَ السلاح النووي ليس ضمانةً لتحقيق هذين الأمن والاستقرار، بل هو مدعاةٌ للدخول في سباق تسلح ليس في مصلحة المنطقة. وهنا، فإن المسؤولية الكبرى ؟ من وجهة نظر الأمير تركي الفيصل - تقع على إيران في مسألة الأمن الإقليمي؛ لأنها هي مصدر التهديد الحالي له، لذا فعلى القيادة الإيرانية الكفلا عن تدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون، ومحاولة بث الفرقة، وإثارة الفتنة الطائفية بين مواطنيها، ويجب عليها الالتزام التام بمبادئ حسن الجوار، والاحترام المتبادل، والأعراف والقوانين والمواثيق الدولية.

وفيما يتعلق بالملف الأمني، ذكر الأمير «تركي» أن المطلوب هو: التزام إيران بالتعاون التام مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والالتزام بمبادئ الشــرعية الدولية وجعل منطقة الشرق الأوسط، بما فيها منطقة الخليج العربي، منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل والأسلحة النووية، فدول - بحسبه - الخليج ليست طرفًا في النزاع الإيراني مع المجتمع الدولي حول برنامجها النووي، لكنها ملتزمة بشكل كامل بالشرعية والقوانين الدولية، لذا على إيران ألا تُؤَجِّجَ هذا النزاع، وعليها تحييد مسألة أمن مضيق هرمز وأمن الطاقة الدولية عن هذا النزاع.. وإذا رغبت إيران في حوارٍ صادقٍ بينها وبين دول المنطقة حول هذه القضية، فعليها أن تأتي مباشرة إلى قيادات المنطقة، لا أن تلتفَ من خلف الظهور.

وحول العراق بيّن تركي الفيصل أنه كان دولة فاعلة في معادلة التوازن الإقليمي الخليجي، لكِنَّ إخراجه منها بسبب الغزو الأمريكي، أخلَّ بهذه المعادلة الضرورية لاستقرار الوضع الإقليمي، مما حدا بإيران إلى العمل على استغلاله، باستخدامها لعامل الطائفية، لإبقاء العراق في وضع استقطاب طائفي يُهمش دوره ويجعله أداة من أدوات سياستها الخارجية وتابعًا لها، لذا يجب أن يخرج العراق من مأزقه والجميع يجب أن يشارك في ذلك.

وفيما يتعلق باليمن أكد أن عدم استقرار الأوضاع فيه يشكل أحد التحديات التي يواجهها أمن المنطقة الإقليمي والوطني، فيجب عدم تجاهل هذا التحدي، وأن نسهم في مساعدة اليمن على تجاوز صعوباته ومشاكله، والتغلب على عوامل عدم الاستقرار الكامنة في تركيبته.. موضحًا أن استقرار اليمن مصلحةٌ وحاجةٌ استراتيجية للأمن الإقليمي والوطني، وأبان أن دول المجلس منكشفة استراتيجيا في مجالات كثيرة: عسكرية واقتصادية وأمنية وسكانية وتنموية. لذا يجب تحصين الجبهة الداخلية بمزيد من الإصلاح: إصلاح اقتصادي لتكون اقتصاداتٍ وطنيةً يجني ثمرةَ ازدهارها مواطنوها، وترسيخ مفهوم المواطنة كأساس لعلاقة المواطن بالدولة، وتوسيع دائرة المشاركة في النظم السياسية، وكذلك عملُ كل ما يرقى بمجتمعاتنا وشعوبنا لتكون قادرةً على مواجهة كل أنواع التحديات السياسية والأمنية التي تفرضها الأوضاع الإقليمية.

بدوره أكد الدكتور «محمد جابر الأنصاري»، مستشار جلالة الملك للشؤون الثقافية والعلمية، ضرورة إعادة النظر في المتغيرات والمستجدات، فمسألة الأمن الوطني والأمن الاقليمي لدول المجلس، بحاجة إلى ذلك؛ حيث كانت النظرة التقليدية لهذا الموضوع تتركز حول حماية الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الغربية لأمن المنطقة. وقد يكون ذلك صحيحًا حتى اللحظة الراهنة، لكنه عرضة للتغير في المستقبل القريب، ويرى في إيران أنها تسعى إلى دعم التحركات المناوئة بالإعلام وبغيره، فإيران جارة مسلمة وهي قوة باقية دائمًا، لكن الفارق في طبيعة النظام الذي يحكمها، فإن جاء نظام يرغب في المشاركة في التنمية الجارية، وفي الرخاء الاقتصادي الذي تنشده شعوب المنطقة، فلابد أن يشجع التعايش السلمي بين دولها، وإيران دولة غنية بإمكانها الإسهام في مثل هذه التنمية السلمية.. وإن جاء نظام أيديولوجي يرغب في السيطرة بإثارة تلك المكونات في الجانب الآخر، فإن المواجهة هي قدر الجميع، ولن يكسب منها أحد.

كما رأى «الأنصاري» أن ثمة لاعبًا آخر جديدًا، بالنسبة لأمن الشرق الأوسط والخليج هو اللاعب التركي الذي من المبكر إصدار حكم نهائي على دوره الذي ينظر إليه البعض كموازن لقوة إيران ففي البداية بدت تركيا قريبة من إيران، ولكن توالت مؤشرات أخرى على حدوث تباعد بين القوتين يحرص الطرفان على عدم ظهوره للعلن؛ فمن المتوقع أن تقف تركيا إلى جانب دول مجلس التعاون نظرًا لمصالحها الاقتصادية، حيث نمو الاقتصاد التركي من البواعث المهمة للسياسة التركية.

ولفت «الأنصاري» أيضا الأنظار إلى أهمية الهند وباكستان؛ حيث إنه لقرب كل من الهند وباكستان من منطقة الخليج العربي، فإن ذلك يجعل كلا منهما في وضع جغرافي أفضل لمواجهة أية قوة تهدد الأمن الخليجي، وبإمكان البحريتين: الهندية والباكستانية ردع أي قوة أخرى تهدف إلى المساس بإحدى دول الخليج العربي، لذا فمن المفيد لدول الخليج تدعيم العلاقات معهما، والصين أيضًا ؟ من وجهة نظره - كقوة صاعدة في الشرق مرشحة لأن ترث الولايات المتحدة في النفوذ الدولي، ولهذا السبب فقد طوقتها الولايات المتحدة بطوق عسكري استراتيجي.

وختم «الأنصاري» حديثه مؤكدًا ضرورة اعتماد دول الخليج على الذات في الدفاع عن نفسها.

بينما استعرض «د. عبداللطيف بن راشد الزياني»، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، كلمته مؤكدًا أهمية الترابط والتكامل والتنسيق والتعاون بين دول مجلس التعاون عند النظر في المسائل المتعلقة بالشؤون الأمنية ذات الأهمية سواء للأمن الوطني لدول المجلس أو الأمن الجماعي على حد سواء، وهو ما تضمنه النظام الأساسي لمجلس التعاون في مادته الرابعة، وأضاف أن دول المجلس حددت أهدافاً استراتيجية رئيسية من أجل التعاون والترابط والتكامل المنشود، وهذه الأهداف هي:

١- تحصين دول مجلس التعاون الخليجي ضد جميع المخاطر المتمثلة في: التهديدات الدولية مثل العدوان الخارجي، والإرهاب، والاضطرابات المدنية الداخلية، والأنشطة الإجرامية الخطرة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، وتعزيز قدراتها في مجالات مختلفة مثل قوات «درع الجزيرة»، وزيادة التعاون في المجال العسكري، واستراتيجية محددة من الدول الصديقة داعمة لدول المجلس.

٢- زيادة النمو الاقتصادي المستدام، والتحدث بصوت موحد اقتصاديا وماليا.

٣- التشجيع والحفاظ على مستوى عال من التنمية البشرية، فقادة دول المجلس قد أولوا هذا الهدف أهمية خاصة واعتبروه من الأولويات، إيمانًا منهم بأن الإنسان هو محور التنمية المنشودة وهو هدفها ووسيلتها أيضًا.

٤- الحيوية والقدرة على التعافي من المخاطر والتوعية بالأزمات وإدارتها.

وأشار «الزياني» إلى أن دول مجلس التعاون تتجه إلى البدء بتشغيل مركز خليجي لإدارة الطوارئ سوف يضطلع بدور مهم في تنسيق جهود التعاون وقت السلم بالإضافة إلى أنه سيصبح بمثابة نقطة محورية لأنشطة الدفاع المدني بدول المجلس لمواجهة الكوارث، وإنشاء مركز خليجي لرصد الإشعاعات النووية وذلك بسبب ازدياد الخطر الإشعاعي في المنطقة، وتعزيز المكانة الدولية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

وأضاف «الزياني» أنه قد تم بذل جهود كثيرة لتحقيق هذا الهدف من خلال المساعدات والدعم المادي اللذين تقدمهما دول المجلس إلى العديد من الدول المحتاجة إقليميا ودوليا، بالإضافة إلى مساهمة دول المجلس في معالجة العديد من الأزمات وحضورها الفعال والمساهمة بإيجابية في جميع القضايا التي ترتبط بالأمن والسلم الدوليين، كحالة اليمن مثالاً، واختتم كلمته بالتذكير بأن القوة الحقيقية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الاستعداد الدائم لمواجهة جميع المخاطر الذي بدوره سيزيد من قيمة «الردع».

من جانبه تطرق «الفريق ضاحي خلفان» قائد عام شرطة دبي في كلمته إلى العديد من المهددات لأمن الخليج العربي منها ما هو داخلي ومنها ما خارجي. وأوضح أن من المهددات الخارجية تراجع ثقة شعوب دول مجلس التعاون بالدور الأمريكي في المنطقة وتساؤلهم حول تحقيق مصالحهم وأمنهم، وأورد عددًا من الأسباب، التي اعتبرها من المهددات، وهي:

* السياسة الأمريكية في المنطقة، من خلال عملها على قلب الأنظمة أحيانًا أو تصدير الثورة أو الإتيان بأنظمة جديدة حسبما يتماشى مع مصالحها أولاً، وأخيرًا.

* البرنامج النووي الإيراني، والأطماع الإيرانية في الهيمنة على دول الخليج، والنفوذ الإيراني في العراق.

* عدم تناسق السياسات بين بعض الدول الخليجية، واتباع بعض هذه الدول سياسة مختلفة، مما يضر بالأمن الخليجي ككل.

* غياب الاتحاد الخليجي.

* تدهور الأوضاع في اليمن، وتصاعد التهديدات من قبل جماعة الحوثيين وتنظيم القاعدة.

* وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر، وبعض الدول العربية، وهم الذين يطمحون إلى القضاء على أنظمة الحكم في الخليج، وفق «الفريق ضاحي خلفان».

* دعم بعض الأنظمة الخليجية لتيارات إسلامية معينة.

* النعرات الطائفية، ومشاكل التهميش لبعض الجماعات.

* خطر التطرف والإرهاب، والجماعات الأصولية المتشددة.

* عدم تطوير أنظمة الحكم في الخليج، بما يتلاءم مع التطورات المتسارعة في العالم، وفي المجتمعات الخليجية نفسها، واتساع الفجوة بين الحاكم والمحكوم.

* قمع الحريات، وتسلط الأجهزة الأمنية، وغياب سيادة القانون.

* فقدان العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وتفشي الفساد المالي والإداري خاصة في القطاع الحكومي، بالإضافة إلى مشكلة البطالة المتفاقمة، وعدم وجود ضمان اجتماعي شامل.

* تضخم الصناديق السيادية للدولة، وأثر ذلك في معاناة المواطن.

* اختلال التركيبة السكانية في بعض دول الخليج.

* ضعف الانتماء الوطني، ووجود فوارق جيلية كبيرة في المجتمعات الخليجية.

وأكد في النهاية أن الاتحاد لدول الخليج العربي غاية في الأهمية، وأن السنوات الخمس القادمة ربما تكون سنوات مخاض على مستوى الأمن الخليجي من الناحية السياسية.

وضمن برنامج المؤتمر في اليوم الأول، فقد عقدت الجلسة الأولى التي تناولت محور الأمن الوطني والأمن الإقليمي من منظور جيوسياسي، وشارك فيها الأستاذ «عبدالله يعقوب بشارة» رئيس المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية بورقة بعنوان: «لا عالم مستقر بدون أمن الخليج»، وأكد فيها أهمية وجود شراكة استراتيجية بين الأسرة الخليجية، فبين مباهج الجيولوجيا (النفط - الطاقة) وأوجاع الجغرافيا، متاعب شتى راديكالية (إيران)، ودول فاشلة (اليمن)، فرضت تحديات كثيرة يجب أخذها في الاعتبار. مشيرًا أيضًا إلى أن المجتمع الدولي يريد حماية منابع النفط ويشارك في خيراتها، لذا فهذا يعني أن هناك مصالح سيدافع عنها المجتمع الدولي ضد ما قد يهدد ذلك، وأشار إلى أن دول الخليج تمثل ميزة عن بقية الدول في العالم بما لها من موارد وترابط وتوافق سلوكي واجتماعي وسكاني، وبما تبديه في سلوكها من اعتدال وفق قواعد حسن الجوار، مؤكدًا أن تركيبة منظومة الأمن الخليجي أثبتت فعاليتها، وبالتالي لا حاجة إلى تغييرها.

كما تحدث في الجلسة ذاتها «الدكتور محمد عبدالغفار» رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة، حول «الاستراتجية الإقليمية والدولية لأمـن منطـقـة الخليج العربي»: رؤيـة فـي مـحركات الصـراع الاستراتـيجي والتـفـاعـلات الـمحليـة معها، واستكمل فيها تفصيلاً ما قاله في كلمته الافتتاحية، ساردًا النظريات العلمية التي تحدثت عن أمن الخليج، من نظريات كالبدائل الأمنية، ونظرية المباريات، ونظرية المحاور، وشدد على أهمية وجود مفهوم استراتيجي لدول الخليج يكون منطلقًا يبنى عليه على غرار دول حلف شمال الأطلسي، التي لديها تلك الرؤية الاستراتيجية، وتقوم بتطويرها كل عشر سنوات.

أما الجلسة الثانية فتناولت التهديدات الداخلية والخارجية لأمن مجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي تحدث فيها «الدكتور محمد غانم الرميحي»، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الكويت، و«الدكتور عبدالخالق عبدالله» أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات العربية المتحدة، و«الأستاذ طارق الحميد» رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط.

أما الجلسة الثالثة فتناولت: تـشكيـل مـفهـوم اسـتراتيجـي للأمـن الإقـليـمـي لـمجلـس الـتـعاون، تحدث فيها «الدكتور عبدالعزيز بن عثمان بن صقر»، رئيس ومؤسس مركز الخليج للأبحاث، واللواء ركن دكتور «أنور ماجد عشقي» رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية.

واختتم المؤتمر فعالياته بجلسة ختامية لعرض التوصيات، وأصدر المؤتمر بيانه الختامي حيث أوصى المشاركون فيه بما يلي:

أولاً: تعزيز الجبهة الداخلية واعتبار النسيج الاجتماعي واحدًا مهما تغيرت الاجتهادات، ومواجهة المتغيرات الإقليمية والتحولات البنيوية، التي تواجهها منطقة الخليج العربي باستراتيجية إصلاح سياسي واقتصادي وأمني وتنموي شامل، وتعزيز المشاركة السياسية وتطوير وسائلها، والرقي بمجتمعات دول الخليج وشعوبها في مجال التنمية البشرية وتصنيع رأسمال بشري فاعل حتى يكون قادرًا على مواجهة التحديات التي يواجهها على جميع الأصعدة، وفتح مجالات الإبداع لفئة الشباب، وتشجيعهم على التفاعل السياسي الوطني، وإشراكهم في بناء الوطن وبحث مفاهيم المواطنة والانتماء، وجعلهم قوة بناء تساهم في نهضة المجتمع وتقدمه.

ثانيًا: إصلاح المشكلات البنيوية في اقتصادات دول مجلس التعاون، ليكون اقتصادًا أكثر تطورًا ومتانة يجني ثمرة ازدهاره مواطنو دول المجلس، ووضع الخطط الاستراتيجية لتحسين مستوى المعيشة، والتوزيع العادل للثروة، وتوفير فرص العمل، ومكافحة الفساد، والحد من الهدر في المال العام، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومنع التمييز بكل أنواعه بين أبناء المجتمع، والعناية بكفاءة التعليم والتدريب، وتطوير الخطاب الديني بما يرسخ ثقافة التسامح بين أبناء المجتمع الواحد.

ثالثًا: تعزيز الحريات العامة وآليات التواصل بين جميع شرائح المجتمع ومؤسسات الحكم، وترسيخ مفاهيم حقوق الإنسان، والرقي بدور وسائل الإعلام وأدوات التواصل الاجتماعي لدعم حرية التعبير وترسيخ مفاهيم المواطنة والانتماء، واحترام الرأي الآخر، وتفويت الفرصة على الجهات الخارجية في توظيف تلك الأدوات لتمزيق النسيج الاجتماعي، وبث روح الكراهية بين أبناء المجتمع الواحد.

رابعًا: تأكيد أن مسؤولية تحقيق أمن واستقرار المنطقة تقع على كاهل المواطنين جميعًا، وبناء على ذلك فإنه يتعين بذل الجهود الحثيثة لوضع مفهوم استراتيجي شامل يتضمن آليات فاعلة للدفاع المشترك، وردع التهديدات الخارجية المحتملة في إطار مظلة خليجية مستقلة واسعة.

خامسًا: يرى معظم المشاركين أن جمهورية إيران الإسلامية هي جارة إقليمية، ويطمح المجتمعون إلى أن تكون شريكًا إيجابيٌّا في تحقيق التنمية وأمن منطقة الخليج العربي، إلا أن تدخلها في الشؤون الداخلية لدول المجلس - للأسف - يعرّض الأمن الإقليمي لمخاطر دائمة واحتمالات التدخل الأجنبي، ويربك استقرار المنطقة، كما أن انتشار الأسلحة النووية لا يمثل ضمانة لتحقيق الأمن، بل من شأنه إدخال المنطقة في سباق تسلح لا يعود على دول المنطقة بالأمن ولا على شعوبها بالاستقرار والرخاء.

سادسًا: نجحت دبلوماسية مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مواجهة العديد من التحديات الإقليمية والدولية، وحازت إشادة المجتمع الدولي بسياستها المعتدلة، وإنجازاتها في تعميق مفاهيم الدفاع المشترك، وتقف دول المجلس اليوم أمام فرصة تاريخية يطمح المجتمعون إلى أن تصل فيه إلى دور محوري في السياسة الإقليمية في منطقة الخليج، وبناء على ذلك فإن أعضاء المؤتمر يطالبون بالاستفادة من تلك الإنجازات والرقي بها لصياغة استراتيجية أمنية موحدة تعتمدها دول المجلس لتحقيق الأمن الإقليمي ومواجهة الأخطار المشتركة.

سابعًا: يرحب المجتمعون بالوحدة الخليجية ويحثون على بذل الجهود لتنفيذ دعوة العاهل السعودي الملك «عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود» في افتتاح قمة مجلس التعاون الثانية والثلاثين، للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان واحد، ووضع الآليات الفاعلة لتحقيق تلك الدعوة التي تمثل مطلبًا شعبيٌّا وضرورة استراتيجية ومصلحة أساسية ملحة.

ثامنًا: تشجيع البحوث والدراسات، وعقد المزيد من المؤتمرات والندوات وورش العمل وحلقات النقاش في مجالات الأمن الوطني والأمن الإقليمي والقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بها على مستوى دول الخليج من أجل إشاعة وعي كامل على مستوى قطاع واسع من المواطنين.































.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

    الأعداد السابقة