مقالات
الثقافة السياسية
الأمن والتنمية السياسية
تاريخ النشر : الأحد ٥ فبراير ٢٠١٢
يكثر الحديث خلال الوقت الحالي بشأن التطورات الأمنية التي تشهدها البلاد، ويعتقد معظم المواطنين أن لها تأثيرات سلبية على المجتمع، وعلى ظروف حياتهم اليومية. والسؤال هنا؛ من الذي يتحمل مسؤولية الأمن؟ وما علاقة الأمن بالتنمية السياسية؟
دائماً ما ينظر إلى الأمن بأنه مسؤولية طرف واحد في المجتمع، وهي الحكومة، وتحديداً الأجهزة الأمنية المعنية بحفظ الأمن والاستقرار وإنفاذ القانون، مثل وزارة الداخلية، والأمن العام، وغيرها من الأجهزة الأمنية. مثل هذا الطرح صحيح، ولكنه يعكس النظرة التقليدية لمفهوم الأمن التي تطورت في مختلف بلدان العالم، عندما تحولت مسؤولية الأمن من مسؤولية أحادية ملقاة على عاتق الحكومات وأجهزتها الأمنية إلى مسؤولية جماعية تشترك فيها كل أطراف المجتمع من أفراد ومؤسسات.
في السابق كانت النظرة التقليدية التي تقوم على أن مسؤولية الأمن ملقاة على عاتق الحكومة وأجهزتها الأمنية سائدة لسبب بسيط أن كل عناصر القوة والتأثير في يد الحكومات، ولكن مع تطور التنمية السياسية على مستوى العالم، تحولت هذه المسؤولية بشكل تدريجي من المسؤولية الفردية إلى المسؤولية الجماعية، لأن الأنظمة السياسية تطورت، وشهدت مختلف بلدان العالم تحولات ديمقراطية متتالية دفعت كل أطراف المجتمع إلى تحمل مسؤولياتها في حفظ الأمن والاستقرار بشكل تشاركي يقوم على احترام الحقوق والواجبات، والأهم من ذلك احترام سيادة القانون ودولة المؤسسات وهيبة الدولة.
من هنا فإن الوضع الجديد للأمن والنظرة غير التقليدية له تعتمد على أن يتحمل كل طرف من أطراف المجتمع مسؤولية حماية هذا الأمن، الذي يعني انعدامه انعدام أي تطور سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي حتى. ولذلك عندما يتم الحديث عن حفظ الأمن والاستقرار فإن ذلك لا يقصد به جهود وزارة الداخلية ومنتسبي الأمن العام، بل جهود جميع أفراد المجتمع التي يجب أن تتضافر في سبيل تحقيق الأمن وحمايته.
بالإضافة إلى الجهات الرسمية المناط بها حفظ الأمن، فإن حماية الأمن والاستقرار تشمل مؤسسات المجتمع المدني من مختلف الجمعيات، وكذلك الجمعيات السياسية التي يجب أن تتحمل مسؤولياتها الوطنية تجاه هذا الجانب الهام. وأيضاً تشمل المسؤولية كذلك الأفراد بمختلف مستوياتهم العمرية، فمثلاً على أولياء الأمور توعية أبناءهم بضرورة عدم الانخراط في أنشطة خارجة عن القانون، أو المساهمة في تخريب أو حرق الممتلكات العامة والخاصة باعتبارها جرائم يعاقب عليها القانون.
ولضمان قيام كل الأطراف في المجتمع بمسؤولياتها تجاه حفظ الأمن والاستقرار لابد من أن يكون هناك وعي جماعي بأهمية دور كل طرف في تحقيق هذا الهدف، وعملية التوعية هذه تشمل مختلف المراحل العمرية، كما أنها عملية لا تتوقف بل يجب أن تكون مستمرة من أجل ضمان قيام كل طرف بدوره الرئيس.
انطلاقاً مما سبق، ظهر مفهوم الشراكة المجتمعية في تحقيق الأمن، وهو مفهوم تبنته الأجهزة الأمنية في مملكة البحرين منذ سنوات عدة ويقوم على كيفية تحقيق التوازن وتولي المسؤولية الجماعية لحفظ الأمن الوطني من التحديات الداخلية وكذلك الخارجية.
مفهوم الشراكة المجتمعية له دلالات كثيرة، ومعاني مهمة ينبغي استيعابها جيداً حتى يمكن تفسير أي ظاهرة أو حدث أمني بمختلف أبعاده، ومن هذه المعاني والدلالات:
أولاً: الشراكة المجتمعية تعني تداخل المسؤوليات بين الدولة وأجهزتها المختلفة والمجتمع من أفراد ومواطنين في حفظ الأمن والاستقرار.
ثانياً: مواجهة أية تحديات أو تهديدات أمنية داخل المجتمع تعني بأنها تهديدات تواجه الدولة بأكملها وتتطلب تضافر كافة الجهود لمواجهتها بعيداً عن أية مزايدات يمكن أن تظهر من طرف أو آخر.
ثالثاً: الشراكة المجتمعية لا تعني تخلي الحكومة وأجهزة الدولة عن مسؤولياتها في حفظ الأمن والاستقرار، بل تتطلب أيضاً إبراز هذا الدور وأن يكون لها دوراً قيادياً في هذا المجال.
رابعاً: توجد شراكة مجتمعية وقائية، وهي الشراكة التي تعتمد على إطلاق حملات توعوية مستمرة من أجل تثقيف كافة أطراف المجتمع ومكوناته بأهمية دورهم في تعزيز الأمن والاستقرار من خلال المدارس وصولاً إلى استخدام وسائل الإعلام المتعددة التقليدية وغير التقليدية.
خامساً: الشراكة المجتمعية ليست عملية عشوائية، بل عملية منظمة، لأنها تعتمد على احترام الحقوق والواجبات، وهي المكفولة دستورياً، والمنظمة في القوانين.
تلك أبرز دلالات مفهوم الشراكة المجتمعية، ولكن لابد من الإشارة هنا إلى أن هناك ارتباط وثيق بين الأمن الذي يتحقق بالشراكة المجتمعية من جهة وبين التنمية السياسية من جهة أخرى، فالعلاقة هنا بينهما تكاملية، بمعنى أن كل مفهوم يحقق المفهوم الآخر، فمتى ما انعدم الأمن لا يمكن تحقيق التنمية السياسية، أو إحداث إصلاح سياسي داخل الدولة، والعكس صحيح، إذ لا يتحقق الأمن إلا من خلال العديد من الأدوات ومن أبرزها التنمية السياسية التي تتيح استيعاب مطالب وطموحات وحماية مصالح كافة مكونات المجتمع، وتحقيق التوافق فيما بينهما بشكل مستمر.
ولذلك فإن الأمن عنصر مهم من العناصر التي تقوم عليها التنمية السياسية، وينبغي عدم تجاهل إمكانيات وقدرات التنمية السياسية على تحقيق الأمن نفسه، وهي العملية التي تتم من خلال تنفيذ المزيد من الإصلاحات السياسية، وضمان سير عمل المؤسسات الدستورية في الدولة بالشكل المحدد لها وفقاً للصلاحيات المنصوص عليها في الدستور والقوانين.
معهد البحرين للتنمية السياسية
للتواصل hb.vog.dpib@ofni