شرق و غرب
أي مستقبل للقوة الأمريكية في الشرق الأوسط؟
تاريخ النشر : الأحد ٥ فبراير ٢٠١٢
مع نهاية سنة 2011 وجدت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها تواجه إشكالية حقيقية، فهي وإن ظلت تحتفظ بسطوتها العسكرية في العالم فقد بدأت تفقد تدريجيا مكانتها كقوة عظمى وكزعيمة للعالم.
لقد ولى ذلك الوقت الذي كان الحديث يدور فيه ليل نهار عن النظام العالمي الجديد. لقد جاء انهيار الاتحاد السوفيتي ليشكل فرصة سانحة من أجل بناء نظام عالمي جديد. لكن عوض استغلال تلك الفرصة من أجل تشكيل منظومة هيكلية أمنية جديدة في أوروبا راح حلف الأطلنطي يكشر عن أنيابه ويتوسع شرقا بدعوى أن تعزيز الحضور العسكري من شأنه أن يسهم في نشر الديمقراطية.
لم ترض القوة العسكرية الغربية ومعاهد البحوث والدراسات الممولة في أغلبها من الدوائر العسكرية بالتخلص من الغريم التاريخي: الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو، بل إنهم راحوا جميعا يبحثون عن البديل.
لقد فقدت الولايات المتحدة الأمريكية تلك السطوة التي اكتسبتها عقب نهاية الحرب الباردة إلى حد كبير وهيمنتها على العالم. يقول الخبراء ان هذه الإرهاصات تشكل بداية انهيار الولايات المتحدة الأمريكية التي ستلقى المصير المحتوم الذي عرفته كل الامبراطوريات من قبلها على مر التاريخ بقدر ما يتعلق بسعي القوة الأمريكية للتكيف مع عالم متعدد الأقطاب.
عندما جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001، اعتقد هؤلاء أن الفرصة قد أصبحت سانحة لإيجاء البديل. لقد بدا للوهلة الأولى أن تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن يحمل بعض سمات وخصائص الشيوعية، حيث انه يستطيع أن يضرب في أي مكان من العالم ويشكل تهديدا وجوديا كما أنه مدفوع باعتبارات أيديولوجية ولا يمكن احتواؤه عبر المفاوضات.
لم تكن الضربات الوقائية الاستباقية ولا الحروب التي شنت ضد البلدان الأجنبية بالأمر الجديد على العالم. تتمثل المشكلة الحقيقية في أن تنظيم القاعدة - الذي حوله الغرب إلى فزاعة - قد فشل. لم يفشل تنظيم القاعدة بسبب القصف الذي يستهدف المناطق القبلية في باكستان كما أنه لم يفشل بسبب خسارة زعيمه أسامة بن لادن الذي كان يظهر بين الحين والآخر في تسجيلات فيديو، لقد فشل تنظيم القاعدة أساسا كبديل أيديولوجي قائم بذاته.
لقد فشل تنظيم القاعدة في مصر - البلد الذي كان يهم الطبيب المصري المولد أيمن الظواهري - فقد كان زعماء تنظيم القاعدة يبشرون ببناء الخلافة وكسر هيمنة الغرب، غير أن شيئا من ذلك لم يحدث. صحيح أن الاسلام ينتشر اليوم في مختلف بقاع العالم غير أن الانتشار المتنامي يستند إلى السياسة ونبذ أساليب العنف، فالكثير من الدول الإسلامية تتحالف مع الغرب - الكافر في نظر تنظيم القاعدة - كما أنها تعلن مرارا وتكرارا التزامها بالشراكة الديمقراطية وسيادة القانون.
لقد كان فشل تنظيم القاعدة مدويا لأن التدخلات العسكرية الغربية في أفغانستان والعراق قد فشلت بدورها، ليس لأن العدو كان يتمتع بقوة استثنائية بل لأن المهمة كانت مستحيلة منذ بدايتها، فقد رفعت شعارات تتعلق بنشر الديمقراطية وبناء مؤسسات الدولة غير أنها انتهت بالانسحاب العسكري على عجل من العراق، فلا يكاد يوجد أي إنجاز يعتد به للقوات العسكرية الأمريكية في العراق، خاصة أن العديد من الإرهاصات التي تزداد كل يوم توحي بأن العراق سيتحول إلى دولة فيدرالية مرنة على أسس طائفية وهو تطور خطر قد يقضي في النهاية على وحدة وسيادة الدولة العراقية.
إن الاحتفالات والمواكب العسكرية التي نظمت في العراق احتفاء بالانسحاب الأمريكي أشبه ما تكون بجنازة الزعيم الكوري الشمالي كيم يونج إيل. هذه سمة الوضع الذي أصبح عليه العراق ما بعد الغزو العسكري للعراق.
إن التمدد العسكري في أماكن عديدة من العالم والأزمات الاقتصادية المتتالية قد أفرزا لنا جيلا جديدا من صغار القادة الذين يصارعون الأحداث التي تتجاوزهم وتثبت أنها أكبر من حجمهم.
إن هؤلاء القادة الصغار لم يعودوا قادرين على صنع الأحداث وهم يتخذون مواقف دفاعية. إن السياسات الحمائية قد عادت لتطغى على توجهات الكثير من الدول. لقد تحول الشرق الأوسط من منطقة للحلفاء إلى منطقة أخرى تحولت فيها الولايات المتحدة الأمريكية إلى دولة تلعب دور المشاهد المتفرج وقد تكرست هذه النزعة على وجه الخصوص في عهد إدارة الرئيس الحالي باراك أوباما. في الوقت الراهن لا تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من صناع السياسة في الشرق الأوسط بقدر ما تتعرض لتبعات ما يحدث في هذه المنطقة الاستراتيجية في العالم، أي أن قدرتها على تحريك الأحداث في منطقة الشرق الأوسط قد تراجعت.
هنالك مناطق أخرى من العالم كانت الولايات المتحدة الأمريكية تجد فيها حلفاء طبيعيين لها - وخاصة في منطقة المحيط الهادي - غير أن تنامي النفوذ الصين في هذه المناطق أصبح يثير المخاوف.
تلك هي الاشكالية الكبيرة التي أصبحت تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تعيش تغييرات كبيرة، فالقوة العسكرية الأمريكية تحتفظ بقوتها العسكرية المهيمنة في العالم (تعمل الولايات المتحدة الأمريكية الآن على تطوير صواريخ فائقة السرعة سوبرسونيك وطائرات من دون طيار بعيدة المدى). بالمقابل فإن الدور القيادي الذي ظلت تلعبه الولايات المتحدة في العالم على مدى عقود كاملة قد بدأ يتقلص تدريجيا.