الجريدة اليومية الأولى في البحرين


عالم يتغير

البحرين عاصمة للثقافة العربية:

2 - ثقافة البناء وثقافة الهدم

تاريخ النشر : الاثنين ٦ فبراير ٢٠١٢

فوزية رشيد



{ كل شيء في الحياة ينتمي الى الثقافة بمعناها الفكري العام، وحراكها الحياتي المتنوع. الانسان كائن قبل كل شيء مفكر، أي كائن ثقافي، المجتمعات نفسها حصيلة أحوال فكرية ثقافية ومناخات حضارية وفنون وآداب. السياسة ذاتها ثقافة، والاقتصاد ثقافة والدين ثقافة وقيم وخلق، والتعليم ثقافة والأخلاق ثقافة، جميعها تربطها وشيجة واحدة حصيلتها هي المعرفة الشمولية والثقافة العامة، لتأتي الآداب والفنون والفلسفة وغيرها كنتاج تخصصي، لمعارف تحتوي على ثمار ما يدور في المجتمع وفي بنيته الفكرية والأخلاقية من نموذج خاص، إما انه يقع في اتجاه البناء والتطور فينتج ثقافة تبني، وإما انه يقع في اتجاه الهدم والتخلف فينتج ثقافة تهدم، وتاريخ البحرين عبر العصور تاريخ منحاز دائما إلى ثقافة البناء.
{ جاء اختيار البحرين لتكون عاصمة للثقافة العربية 2012، قبل ان تدخل في ازمة شهري فبراير ومارس، ولكن تلك الأزمة ضربت تحديدا في كل ما يمت الى ثقافة البحرين البنائية، والى عوامل التطور والنمو فيها، ولتجعل من الانقسام المجتمعي انقساما فكريا - ثقافيا بالدرجة الأولى، ومن خلالهما شاء القائمون على (فكر المعسكرين) أن يوجهوا السياسة بهما، وان يحشروا التوجيه العام فيهما في بوتقة طائفية مقيتة، ضربت الروح البحرينية والوعي البحريني والضمير البحريني بقوة ان لم تكن في مقتل، لتنشأ المفارقة في ان تواجه عاصمة الثقافة العربية 2012، احتداما ثقافيا - فكريا بين ثقافة الحياة والبناء، وبين ثقافة الموت والهدم، الاولى تدفع تجاه استمرار الطبيعة البحرينية كما كانت دوما: تعددية، متآلفة، مسالمة، أخلاقية، منفتحة وفي سياق الوحدة الوطنية، والثقافة الثانية تدفع نحو الكراهية والضغائن والانقسام ونحو العنف والتخريب والتحريض وهدم كل السياق التاريخي وضرب السياق الوطني وتدمير الوحدة الوطنية.
{ والبحرين تدخل هذه المفارقة بين صراع الثقافتين كما لم تعهدها قط، وهو الصراع الذي يحاول اصحاب ثقافة الهدم، ان يستلبوا عبرها الانسان البحريني وطبيعته الانسانية المتفردة، من حيث سلميتها وتعايشها وفطرتها القائمة على قبول الاختلاف في اطار من التآلف والمحبة، محصنة كما كانت دائما بالاخلاق البحرينية الدمثة والراقية، فيستلب (الهدامون) كل خصائص الفطرة التي استمرت منذ التاريخ المكتوب، ليخترقوها بثقافة لا تنتمي الى البحرين، وبأخلاقيات ليست هي اخلاقيات اهلها، وبطبيعة يراد تحويلها عبر احداث الصدمات، وبوعي طائفي تقسيمي ألحق بالبحرين وشعبها أفدح الأضرار، تحت وطأة استقواء البعض بثقافة وأخلاقيات وعقد تاريخية، لا تنتمي لا إلى الحضارة العربية، ولا إلى الاسلام الصحيح ولا إلى الثقافة العربية في مراحلها الحضارية المختلفة، لكأنه مشروع محاولة تحويل الانسان البحريني خارج طبيعته وفطرته ليكون عنصرا مستلبا لثقافة اخرى، تجعل من الدين والسياسة مجرد مطية، بعد ان تستلبهما دوريهما، وتفرغهما من كل ما ينتمي اليهما من منطق وعقل، وبعد ان تفرغ الدين الاسلامي من فحواه الانسانية الراقية، وكونها الرسالة - الرحمة للعالمين فتؤسس بذلك لثقافة لا تنتمي إلى هذه الارض ولا إلى أهل هذه الارض.
{ لذلك والبحرين اليوم عاصمة للثقافة العربية، اقترح اقامة ندوات ومناقشات وحوارات (لاستيعاب) حجم (الخلخلة الثقافية والفكرية والأخلاقية) التي أحدثتها (ثقافة الهدم) في مجتمعنا، وهي الثقافة التي تعمل على اسقاط السواد والظلامية والماضي، على مفاعيل الحضارة والتاريخ والفطرة، وعلى دور الثقافة الصحيحة، التي تسعى إلى البناء والتنمية والتطور والاصلاح، وهما عموما وجهان للصراع الثقافي الدائر اليوم في كل البلدان العربية والاسلامية، وان اتخذ شكله التدميري الخاص في المجتمع البحريني بدخوله في دهاليز الطائفية المقيتة.
{ لابد من طرح الاسئلة واستيعاب المستجدات التي تعمل اليوم بشكل شره على استلاب الوعي البحريني، عبر شعارات كاذبة حول الديمقراطية والحرية والحقوق، فيما يقبع خلف زيفها ممارسات ظلامية و«ثقافة استبدادية هدامة» تستل جذورها من أصول ومرجعيات لا تنتمي إلى الثقافة العربية الطبيعية، ولا الى اختلافاتها المذهبية العادية، ولا الى سننها المتجذرة في البحرين والخليج العربي منذ ان عرفت تاريخها المكتوب.
{ لابد من ان يرافق الاحتفاء بالبحرين عاصمة للثقافة، غربلة خاصة (للثقافة الدخيلة) على مجتمعنا التي تجلت على الارض تحديدا منذ فبراير الماضي، وقبل ان تستمر في تحويل الطبيعة البحرينية تحويلا يصعب بعد ذلك الرجوع بها الى اصولها التي لطالما كانت اصولا رائعة، عرفت هذه الارض الطيبة انسانها من خلالها.
واذا لم تقم الدولة بذلك، وحيث نحن اليوم نحتاج الى المصارحة والمكاشفة وتشخيص (المرض الثقافي) واعراضه السياسية في مجتمعنا، فلا اقل من الجمعيات السياسية الوطنية والثقافية والمؤسسات المدنية والاهلية، ان تتكفل بهذا الدور الثقافي الفكري، لتشريح اسباب الازمة ثقافيا وفكريا وبرعاية وزارة الثقافة قبل ان يتم تكريس كون تلك الازمة انها مجرد ازمة سياسية او طائفية بحتة، عاصمة الثقافة تدعونا كشعب بحريني إلى ان نكون بمستوى الحدث، وان نطرح قضايانا وازمتنا التي هي في حقيقتها ازمة ثقافية، ما بين ثقافة البناء وثقافة الهدم، ولندرك الحلول في اطارها الفكري الصحيح، فكل ما نراه من ممارسات سياسية وديمقراطية خاطئة ومتطرفة انما هي نتاج (وعي ثقافي) بالأصل، لا ينتمي الى وعي شعبنا الصحيح والطبيعي، ولذلك فهو (النشاز) الذي تجب معرفته بدقة اولا، ثم مواجهته ومواجهة افراغ الدين كأساس روحي وأخلاقي من محتواه الأصلي، مثلما افراغ السياسة من وشائجها الوطنية ودورها الثقافي والفكري وللحفاظ على أمن واستقرار وتطور ونماء المجتمع البحريني، فكل ذلك داخل في صلب الطبيعة الثقافية والفكرية، وللمتطرفين وللهدامين عبر ثقافة الهدم والعنف والتحريض وافراغ حتى التاريخ من محتوياته كافة وسياقه الصحيح دور استلابي ليقتصر المجتمع على ثقافة الكراهية والبغض وتقسيم الناس الى معسكرين، وتناحرهما ثقافيا وفكريا كأساسين لتناحر طائفي سياسي.
وللحديث صلة.