أفق
نتائجُ انتخاباتِ الكويت
تاريخ النشر : الاثنين ٦ فبراير ٢٠١٢
عبدالله خليفة
إذ تتكسر الرأسمالياتُ الحكوميةُ في الشرق واحدةً بعد الأخرى، تتجه التطورات من جهة للأسوأ، ومن جهة أخرى للأفضل.
أكثر المشكلات غير المحلولة في هذه الرأسماليات هي تجميع الفوائض الاقتصادية عند النخب الكبرى، وقد تقزّمتْ المعارضات الديمقراطية والليبرالية الناقدة لهذا في الزمن السابق، وغدت القوى المذهبية السياسية اليمينية هي الأقوى على الساحات العربية المختلفة بسبب ارتباطها بالعامة ومراكز عباداتها وتنامي صفوفها.
نهوضٌ ورفضٌ لميزانياتٍ حكومية مثقوبة من كل جهة، وارتباط بالقبلية والقوى الريفية والبدوية، هذه هي الظروف التي أثرتْ في الثورات العربية والانتخابات في الكويت خاصة.
حقوقُ وأوضاعُ النساء والحريات الفكرية والاجتماعية تتقلص فيما يُهاجم الانفراد والضيق في قرارات المؤسسات الحكومية الاقتصادية والمالية، وهي كلها نتائج زرعتها وحصدت نتائجَها الحكوماتُ نفسها.
الشعوب وقواها الذكورية الناشطة في المؤسسات المذهبية والسياسية والاجتماعية هي التي تؤسس العمل السياسي الانتخابي، وتحصد ثماره.
تضخمُ السكانِ البدويين ونزولهم للمدن الكويتية والديمقراطية وصناديق الانتخابات يجعلهم يركزون في الأموال العامة، التي يريدون المزيد منها لزيادة أعداد الزوجات والصرف على العائلات المتكاثرة الأفراد والقيام بالمتع الكثيرة من سفريات ورفاه، فيما تتدهور الخدمات الثقافية والتنوير وتتقلص حريات النساء ويغيب توجيه الفقه نحو المساواة والمواطنة.
التحولات الانتخابية في الكويت تأخذ لها أبعاداً محافظة أكثر من الدول العربية الأخرى، فقد تفاقم حضورُ القبائل والعائلات والشعارات الطائفية والخوف من التغلغل الإيراني وتقلص النمو الثقافي الديمقراطي الوطني التوحيدي، ولهذا صار التركيز في نقد الفساد الإداري هو أبرز ما يجمع هذه الكتل ذات الحضور الذكوري الواسع.
التكوين البدوي واسع في الكويت فلا بد أن تقوى الجوانب المحافظة ويغيب التباينُ الدقيقُ بين الاخوان المسلمين الأقرب لليبرالية وبين السلف الأكثر تعبيراً عن فقه البداوة والذكورية الكلية.
الاخوان لم يؤسسوا في الجزيرة العربية تطوراتٍ فقهيةً وفكريةً ديمقراطية لافتة للنظر، فالدولُ الكبيرةُ أقربُ للبداوة العامة الشاملة، والحريات الاجتماعية والسياسية تتشكل فيها عبر هوامش معينة لم تنتقل إلى عمق المجتمعات والطبقات والدول، وموجاتُ المحافظة تتقلصُ بها الفئاتُ الوسطى الحرة الصغيرة في المدن التي تتعامل أكثر مع العمال الأجانب بصفة رئيسية وهم لا يمتلكون أصواتاً انتخابية.
عجزُ الفئاتِ الوسطى عن تشكيل علاقات وثقافة ديمقراطية وسط الحشود الذكورية المحافظة المهيمنة والنساء المغيّبات عموماً، مع تدهور وضع حركاتها السياسية المؤيدة للأنظمة الشمولية القومية العربية السابقة، جعل القوى السنية هي الأكثر حراكاً لمخاض الشعوب العربية الراهن الباحث عن الحريات السياسية والنمو الاقتصادي كما جرى الأمر في تونس مع غياب السلف هناك نظراً لمستوى التطور الاجتماعي، ثم ازدياد حضورهم في مصر بتزايد العلاقات المحافظة وتفاقم حضور الريفيين في المدن والحياة الاجتماعية المصرية بشكل عام، ثم أحجامهم الكبرى في دول الجزيرة العربية، كما هي مؤشرات ما حدث في الفقه السني زمن التأسيس حيث الفارق كبير بين فقه أبي حنيفة في العراق وفقه مالك في الحجاز.
تفاقم حضور المذهبيين المحافظين في برلمان الكويت يشير من جهة أخرى إلى أساليب مواجهات قبلية وأسرية وعامية حادة وعجز الفئات الوسطى عن القيام بالتوحيد والعقلنة للعمليات السياسية الوطنية حيث التآكل السابق الذكر، وتدهور الوعي الثقافي، مما يحيل البرلمان إلى ساحة مواجهة صاخبة ذات أهداف سياسية انقلابية متوارية، فالفئات القبلية تريد أن تكون هي الحكومة، من دون أن تتمكن من تجاوز قبليتها وتأسيس وحدة وطنية والتقدم بحلول عميقة لمشكلات التطور السياسي الاجتماعي الكويتي.