أفق
البضاعةُ تقدمٌ وانطفاءٌ
تاريخ النشر : الثلاثاء ٧ فبراير ٢٠١٢
عبدالله خليفة
تخلفت الطبقاتُ الرأسمالية في الشرق عن نظيراتها في الغرب في التحول البضاعي الكبير بدءًا من عصر النهضة، لكن العالم يتحول نحو حكم هذه الطبقات عامة، حيث إن الديمقراطية هي افتراضٌ تخيلي وعالمٌ تعددي لهذه الطبقات فقط، أما قدرة الطبقات العاملة على الحكم فهي كفترات مؤقتة ولتحسين الأنظمة الرأسمالية تجاه الاقتراب من الشعب فقط، لأن التحول من الرأسمالية إلى الاشتراكية هو تحولٌ كوني بعيد المدى وحين يصل التصنيع إلى أقصى تطوراته، وهو تحول لكل البشرية وبأشكال عميقة في الحياة.
ومن هنا فصراعُ الشرقيين بين الكتل الحاكمة المالية والدينية وعدم قيام أنظمة تبادلية للسلطة هو مضيعةٌ للوقت التاريخي وللرساميل.
فبعد عقود سوف يكون الدينيون هم أنفسهم تعبيراتٌ عن رأس المال، وقد صار الشيوعيون حكاماً رأسماليين وبقى آخرون مع العمال نتيجةً لعدم وجود رساميل عندهم أو لاختياراتهم الفكرية.
وتحول الهتلريون إلى أحزابٍ مسيحية معبرة عن أكبر قوى رأس المال في ألمانيا بعد مقتل مئات الملايين من البشر، فضاعتْ أرواحٌ كثيرة ورساميل هائلة!
مائة مليون من القتلى في حربهم السوقية المدمرة لكن روسيا صارت رأسماليةً وألمانيا رأسمالية، فما الفرق؟!
ولماذا لم يُعط الناس فرصُ العيش ليسعدوا؟ ولماذا ماتت الأمهاتُ والأطفال والرجال لخلافات مؤقتة تافهة في عمق الزمن؟
إن الخوف من الشيوعية والخوف من اليسار ومن الدينيين هي كلها مخاوف موهومة، وصراعاتٌ على الكراسي بين الرأسماليين بمختلف مستوياتهم، وغداً سوف تصبحُ إيران واحةً كبرى للرأسمالية والسعودية ستغدو مملكةَ الرساميل الهائلة، فلماذا الصراع؟
أنتم إخوةٌ في المال والبضائع والأرباح إضافةً إلى الدين.
يجب التفكير بتجربتي ألمانيا وروسيا، والتفكير بالضحايا التي ستذهب والكوارث التي سوف تحل لو أن عود كبريت واحد اشتعل خطأً، ثم ستقوم الأجيالُ التاليةُ بعد صحارى الجوع والدخان الذري بالعودة إلى المسار نفسه والبدء من جديد ولعن الماضي!
وتكون سلالاتٌ وقبائل وعائلات قد زالت من الوجود ومشاعر الحزن تملأ من بقي ليعيش.
الرأسمالية سوف تزول من شيءٍ آخر، سوف تزول من البضائع التي اشتغلتْ في كل تاريخها لتطويرها ودفعها إلى الأسواق، فكل الدول ستغدو متطورة في تصنيع كل السلع ولكن الأسواق ستتقلص وتتقلص حتى تختنق البضائع.
تبدو الآن بعض الملامح الأولية من ذلك، لكن هذه البوادر سوف تتعاظم لاحقاً، مع تطور البشر العلمي وتضخمهم العددي وسقوط الحواجز بين الدول والطبقات وتطور قدراتهم للسيطرة على الوجود الفوضوي الذي يعيشونه، فالرأسمالية ستنطفئُ من الجرثومة التي تشكلت منها، وهي البضاعة.
فلماذا الماليون والدينيون؟ لماذا الأحزاب الدينية والليبرالية؟ ولماذا الجمود خلال ثلاثين سنة أو أكثر في الدوران السياسي؟ ويمضي قرنٌ والمجموعات تتبادل الصراعات اللامجدية، وهي كلها ألوان من الحزب البضاعي المالي المستثمر؟
ألا يقولُ قائل تعالوا يا إخوة رأس المال نتقاسم السلطات ونوفر الأموال ونطور الاقتصادات ونرفع من مستوى العمال؟
مثلما أن القومية بذرة من ألمانيا والبعث بذرة من إيطاليا وقد فشلت مشروعات الغباء التعجيلي الناري هذه فلماذا لا يستفيد أقرانهم الجدد ووارثوهم في الشرق من هذه التجارب ويتجاوزون الصراعات والحروب السياسية والدينية والقومية ويدخلون في التنافس حول السلع وتطويرها؟
المنطقتان الجزيرية الخليجية والإيرانية تحويان ثروات هائلة من النفط المكتشف والمُنتج وثمة ثروات أكبر من المعادن المخبأة، ثم يجري تغيير خطوط النفط لتدور حول البحار والجبال، وهي رساميل تكفي لعيش رغد في المنطقة فلماذا القنابل النووية.