التحقيقات
مركز الرحمة.. رؤية عصرية لرعاية المعوقين
تاريخ النشر : الثلاثاء ٧ فبراير ٢٠١٢
«الرحمة» ليست كلمة تطلق من دون معنى، بل هي مضمون يحمل بين طياته الكثير من المعاني والمفردات، ومركز الرحمة يحمل المعنى والمضمون والفعل الدال على الاسم، لأنه يضم بين جنباته فئة من المرضى المصابين بإعاقات عقلية، لم تكن تجد في السابق من يهتم بها أو يقدم لها يد العون، وقد حرص القائمون على المركز ان يقدموا للطلاب خدمة متميزة سواء من الناحية العلاجية أو التعليمية، أو الخدماتية والترفيهية أيضا، إذ يحرص المركز على تنمية الميول والهوايات المختلفة وشغل أوقات الطلاب بالأنشطة الترفيهية والاجتماعية المفيدة.
«أخبار الخليج» حرصت على الاقتراب من هذه الفئة من ذوي الاحتياجات الخاصة، لمعرفة نوعية الخدمات التي يقدمها لهم المركز، وأثناء زيارتنا لهم رأينا الطلاب مستمتعين بحفل شواء في الهواء الطلق إذ كانوا يحتفلون بفوز زملائهم بميداليات وجوائز في مسابقة الألعاب الرياضية، وقد التقينا العديد من القائمين على المركز لمعرفة طبيعة عملهم والصعوبات التي تقابلهم ورصدناها خلال السطور التالية:
في البداية يتحدث نائب رئيس جمعية الرحمة لرعاية المعاقين عارف جمشير عن تاريخ المركز وطبيعة عمله قائلا: حصلنا على الأرض التي تم بناء المركز عليها من وزارة العمل والشئون الاجتماعية في ذاك الوقت، وتبرع لنا الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة رحمه الله بنصف مليون دينار، وأقمنا المركز من حوالي عشر سنوات، والهدف منه استقبال حالات التخلف العقلي المتوسطة والشديدة، للذكور والإناث من عمر 15 إلى 35 عاما، نظرا لان هذه الفئة لا تجد خدمات من قبل المجتمع ونعتمد على إقامة العديد من الفعاليات سنويا لإدخال ريعها إلى المركز، وأسرة العاملين يعتبرون ان وجود المركز لخدمة هذه الفئة من أبنائنا بمثابة رد الجميل لمملكتنا الغالية، وقد كنا في السابق نعتمد بشكل كلي على التبرعات ولكن حاليا نحصل على مبلغ من وزارة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية، ويستوعب المركز 50 طالبا ولكننا قمنا بزيادة القدرة الاستيعابية للمركز إلى 60 طالبا وطالبة.
مسئولية الوزارات
وعن مطالبهم من الحكومة يقول جمشير نطالب وزارة الصحة بتبني هذه الفئة من المعاقين وإيجاد خدمات صحية لهم، وان يوجد جدول مواعيد للمراكز التي تستقبلهم، لأنهم يولدون وهم يعانون العديد من الأمراض مثل السكري والصرع وغيرهما من الأمراض، وقد تلقينا بعض المساعدات والمبادرات من وزارة الصحة ولكن للأسف لا توجد استمرارية مع تغير المسئولين والوزراء، فكل منهم له رؤية خاصة في تناول المشكلة، ولذلك نطالب بإيجاد نظام ملزم برعاية هذه الفئة يسير عليه كل من يأتي للعمل بوزارة الصحة، لان ميزانيتنا لا تسمح بإحضار أطباء على حساب المركز، وكانت لدينا ممرضة تتقاضى 150 دينارا، ولكن نظرا لضعف الراتب انتقلت إلى مكان اخر براتب اكبر، ولم نجد بديلا إلى الآن، كما نطالب وزارة الكهرباء بأن تقوم بإعفاء جميع المراكز التي تقدم خدمات لفئة المعاقين من رسوم الكهرباء والماء، وان تتبنى احدى الجهات المختصة صيانة المباني مجانا، لان هذه الأبواب تستنفد مبلغا كبيرا من التبرعات التي تصل إلى المركز.
ويشير جمشير إلى وجود خطة لبناء مركز اخر في محافظة المحرق ويتمنى مساعدة وزارة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية بإعطائهم قطعة ارض، حيث يخطط لإنشاء مركز بكل محافظة نظرا لان المركز يستقبل طلابا من كل المحافظات وأكثر مشكلة تقابلهم هي نقل الطلاب من والى المركز، وخاصة ان كل الخدمات تقدم مجانا حتى المواصلات.
ويوضح جمشير ان وزارة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية رصدت هذا العام مبلغ 113 ألف دينار كمساعدة للمركز، وفي العام الماضي ساعدتهم بملغ 56 ألف دينار، علما بأن مصاريفهم في 2011 وصلت إلى أكثر من 160 ألف دينار، وقد اعتمدوا في إكمال المبلغ على أصحاب الأيادي البيضاء من رجال الأعمال والبنوك ث، وفي ختام حديثه يوجه الشكر إلى جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء والقيادة الرشيدة لدعمهم واهتمامهم.
تقييم شامل
وتوضح مديرة مركز الرحمة نادية عبدالله البكر طبيعة عمل المركز قائلة: يضم المركز 21 موظفة بين معلمات وإداريات، وبعض المعلمات يجمعن بين العمل كإداريات ومعلمات، هذا بخلاف الوظائف المساندة مثل الزراع وعمال النظافة وما إلى ذلك، ويضم المركز مجموعة من الورش التعليمية والمهنية، منها ورشة النجارة وتعليم الزراعة والكمبيوتر، وعندما يتقدم الطالب للالتحاق بالمركز نجري له تقييما شاملا على كل جوانب الإعاقة، لان المعاق عقليا غالبا ما تصاحبه إعاقة جسدية وبالتالي يشمل التقييم الجوانب كافة العقلية والجسدية والحركية والحسية، كالسمع والبصر والنطق ومدى اعتماد المريض على نفسه في تسيير أموره الشخصية، إذ لدينا برنامج متكامل لتدريب المعوقين على الاعتماد على النفس في الجوانب الحياتية.
وتضيف البكر قائلة: بعد التقييم وقبول الطالب بالمركز نبدأ تنظيم برنامج خاص لكل طالب حسب قدراته وتكون لعام دراسي كامل وتسمى «الخطة التعليمية الفردية»، ويوجد لدينا العديد من البرامج لكل طالب، فهناك برنامج الإدراك المعرفي، والحسي، والبرامج الأكاديمية في القراءة والكتابة وإجراء العمليات الحسابية البسيطة، والكمبيوتر وهو برنامج لجميع الطلاب مع مختلف مستوياتهم، وبرنامج التنسيق الحركي الدقيق، وهو يختص بتدريب اليدين والأصابع والأنامل، والتدريب على التآزر البصري الحركي، والتنسيق الحركي الشامل، وهو يختص بتوازن حركة الجسم واليدين والرجلين، هذا بخلاف البرامج الرياضية والبرامج المهنية إذ توجد ورشة الأشغال اليدوية.
شقة السعادة
وتتحدث مديرة المركز عن جزء آخر من التدريب يتلقاه طلاب المركز وهو مهم وحيوي جدا بالنسبة لهم، ألا وهو التدريب على الأمور الحياتية اليومية، من خلال توفير نموذج كامل لشقة تحتوي على غرفة نوم، ومجلس، وصالة طعام ومطبخ وحمام، ويطلقون عليها شقة السعادة، إذ يتعلم الطلاب كيف يقومون بتنظيم ملابسهم في خزانة الملابس، وكيف يقيمون صورتهم في المرآة وهل هي مهندمة أم لا، كما يتعلمون كيفية الاستحمام والاعتناء بنظافتهم، بالإضافة إلى تدريبهم على استخدام المطبخ في تحضير الوجبات الخفيفة، وكيفية استقبال الضيوف والجلوس معهم، كما يتم تعليمهم طريقة تناول الطعام بشكل سليم وآداب المائدة والآداب الاجتماعية.
فيما تشرح فنية تأهيل أول لينا منصور طبيعة عملها بالمركز فتقول: اعمل بالمركز منذ أكثر من عامين وطبيعة عملي هي الإشراف على البرامج والخطط، ودورنا هو مراجعة خطط فنيات التأهيل لمعرفة مدى مناسبتها للطالب حسب مستواه وقدراته، وتوجد برامج خاصة للطلاب مثل الزراعة والنجارة، وللطالبات برامج الخياطة والأشغال اليدوية، أما البرامج الأكاديمية فهي مشتركة مثل دراسة اللغة العربية والحساب، وأعلى مستوى لدينا هو الصف الثالث الابتدائي، وهذا المستوى يصل إليه القليل من الطلاب، كما ان برامج الكمبيوتر تكون مشتركة لكل الطلاب، ونعلمهم الكتابة وهناك من يستطيع كتابة فقرة أو أكثر، كل حسب قدراته.
وتتطرق فنية تأهيل أول خديجة علي حقيقي إلى جزء اخر من التقييم فتقول: في نهاية كل فصل نقوم بتقييم الخطط التي تم وضعها لكل طالب، لمعرفة إلى أي مدى استطاع كل طالب انجاز الخطط الخاصة به، وهل استطاعوا تنفيذها بالشكل المطلوب أم لا.
وعن كيفية تقييمهم لمن يصلح للالتحاق بالمركز تقول حقيقي: في البداية تقوم الباحثة الاجتماعية بتسلم التسجيل، ثم يتم تحويله علينا كفنيات تأهيل لتقييمه، فإذا رأينا ان مستواه يتناسب مع برامجنا نعرضه على الاختصاصي النفسي وفريق العمل بحضور ولي الامر لمناقشة أوضاعه الصحية والأسرية، وفي حال قبول الطالب يخضع لفترة تجريبية مدتها ثلاثة أشهر لمعرفة وتقييم سلوكاته ومستوى قدراته العامة، ثم يتم قبوله بالمركز وتثبيته ، وتوضع له خطة تعليمية شاملة.
فنانون متميزون
أما فنية تأهيل ومعلمة الكمبيوتر والرسم بالمركز فاطمة غالب فتشرح طبيعة عملها قائلة: لدينا أربعة مستويات من الطلبة، المستوى الأول وهو الطلاب ذوو مستوى الذكاء الأعلى، وهؤلاء نقوم بتعليمهم برامج «البور بوينت»، والمستوى الثاني يتعلمون الطباعة والتنسيق وتكبير وتصغير الخط على الكمبيوتر، والمستوى الثالث نقوم بإعطائهم صورا كي يقوموا بكتابة تعليق عليها بجملة أو كلمات بسيطة، وهناك أيضا برنامج توصيل ورسم على الدائرة، أما اخر مستوى فنكتفي ان نعرض من خلاله أنشطة وبرامج على الكمبيوتر وبعد ان يشاهدها الطلاب نقيم معهم حوارا حول مشاهداتهم.
وتشير غالب إلى بعض الصعوبات التي تقابلها أثناء تعليم الطلاب الكمبيوتر وخاصة عدم توافر أجهزة خاصة مناسبة لذوي الإعاقة الحركية، نظرا لان بعضهم لا يستطيع التحكم في أصابعه بشكل جيد، مما يضطرهم إلى إضافة بعض التعديلات على الكي بورد كي تناسب الطلاب، مؤكدة ان هذه الأجهزة لا تباع في أسواق البحرين ولكنها موجودة في الكويت، أما بالنسبة للرسم فتشير إلى ان هناك العديد من المستويات إذ ان بعض الطلاب يحبون الرسم ويرسمون ما يريدون ويعبرون عنه بطريقتهم، وان آخرين يفضلون الرسم بطريقة التقليد، وقد نظم المركز مؤخرا مسابقات للرسم الأولى بمناسبة العيد الوطني وشارك فيها بعض مراكز المعاقين، والثانية كانت تحمل عنوان «أنا وعالمي» بمناسبة اليوم العالمي للمعاقين، وشارك فيها مراكز المعاقين ومدارس الحكومة الابتدائية وفاز فيها المركز بجائزتين، والمسابقة الثالثة كانت بعنوان «الأزهار بريشتي» وشارك فيها 30 طالبا وطالبة من مراكز المعاقين وبعض المدارس الابتدائية الحكومية وحصلنا على جائزتين من أصل خمس جوائز.
الزراعة والنجارة
وتعمل مساعدة تأهيل خولة الهاشل بأعمال فنية مثل الزراعة والنجارة على الرغم من ان هذه الأعمال ليست من تخصصها فإنها أخذت على عاتقها القيام بها بعد ان ترك العاملون في هذا المجال أعمالهم لضعف الراتب، وأيضا لأنها تهوى هذه الأعمال وكانت تساعد المتخصصين فيها منذ البداية، ويوجد نجار متخصص في الورشة تعطيه النماذج التي تريد تدريب الطلاب عليها وهو يقوم بصنعها لهم، وتعبر خولة عن سعادتها الكبيرة بهذا العمل لأنه يصب في صالح الطلاب، خاصة بالنسبة للزراعة إذ تقوم بتدريسهم حب الأرض وكيفية تهيئتها للزراعة ووضع الحب ورعاية الزرعة وريها إلى ان تنمو، والطلاب يستمتعون جدا بهذا العمل وقد أقمنا معارض لإنتاجنا من الزراعة وفي السنوات الماضية فزنا بثلاث جوائز في عام واحد عن زراعة الطماطم.