الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٧٤ - الأربعاء ٨ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ١٦ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


لماذا تراجع بريق مرشحي «حزب الشاي» في أمريكا؟





لا احد يمكنه التنبؤ بمسار السياسة الامريكية التي غالباً ما تفاجىء العالم باتجاهات ومسارات غير متوقعة على الاطلاق، فقبل عام فقط بدت حركة «حزب الشاي» الامريكية كأنها اجتاحت الحزب الجمهوري بالكامل مثل موجة عاتية تصعب مقاومتها، وبدا كذلك أن أي طامح إلى الفوز بتزكية الحزب الجمهوري من المرشحين خلال العام الجاري عليه تبني المطالب الصارمة لحزب الشاي، المتمثلة في تقليص نفقات الحكومة وخفض الضرائب والحد من الإنفاق، وعليه محاباتها وكسب رضاها، لكن اليوم تغير الكثير.

ما حدث في انتخابات ولاية أيوا التمهيدية للحزب الجمهوري، وهي من اهم الولايات لدى الجمهوريين، يذهب في اتجاه مختلف ويبعث بمؤشرات مغايرة، بحيث تعثر المرشحون الثلاثة الأقرب إلى حركة حزب «الشاي»، وهم: ميشال باكمان وريك بيري ونيوت جينجريتش، فبدلاً من اختيار الناخبين للمحافظين المعروفين بمواقفهم المتشددة في مجال الإنفاق مثل المرشحين الثلاثة، وزع الجمهوريون في أيوا أغلب أصواتهم بين ميت رومني، الأقل حظوة لدى حركة حزب الشاي، وريك سانتوريم، المحافظ الاجتماعي الذي سبق له التصويت لصالح الزيادة في الإنفاق ودافع عن المخصصات المالية الإضافية التي يقرها الكونجرس عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ، ولم يتبق لحركة حزب الشاي سوى رون بول الأقرب إليهم الذي احتل المرتبة الثالثة في اختيار الجمهوريين بولاية أيوا، وربما تكون نسبة ٢٢ في المائة التي حصل عليها في الانتخابات هي الأعلى له في السباق الانتخابي، لتنتهي بذلك مسيرته السياسية.

«أورينت برس» أعدت التقرير التالي:

تعثر بالغ تواجهه حركة حزب الشاي اخيراً حسبما عكسته استطلاعات الرأي التي أشارت إلى تراجع بريق الحركة الى حد كبير بعد ما تمكنت منذ انطلاقتها من جذب الكثير من الجمهوريين القدامى، فقد أظهرت دراسة اخيرة أن ٢٧ في المائة من الرأي العام الامريكي، قالوا إنهم يعارضون الحركة، فيما ٢٠ في المائة فقط قالوا إنهم يؤيدونها، وهو انقلاب واضح عما كان عليه الأمر بالنسبة لحركة حزب الشاي بداية السنة عندما أعرب ٢٧ في المائة من المستجوبين عن تأييدهم لها. وحسب الباحثين، يعود هذا التراجع في شعبية الحركة إلى تحميلها مسؤولية التأزم الذي عرفته قضية إقرار الموازنة العامة، والى جملة من مواقفها الاقتصادية ليس اقلها تقليص الانفاق فيما الشعب يعاني الامرين اقتصاديا. ويبدو ان انبلاج فجر حركة «احتلوا وول ستريت» قد ادى الى حجب الضوء عن حزب الشاي، وفي حال استمرار الحال على ما هو عليه فعلى الارجح ان حركة الشاي لن تحتفل باختيار مرشح الحزب الجمهوري الذي يلائم توقعاتها واهدافها.

نهاية الحركة

لكن هل يعني كل ما تقدم نهاية حركة حزب الشاي؟ بالطبع لا، فقد ساهمت الحركة في تغيير المشهد السياسي في الولايات المتحدة بدرجة لن ينسحب فيها هذا التأثير بسهولة وان تراجعت شعبيتها بسرعة، وعلى سبيل المثال يتبنى جميع المرشحين الجمهوريين فكرة تقليص الإنفاق كفكرة رئيسية، حتى المرشح الجمهوري الاوفر حظا ميت رومني الذي بنى مجده عندما كان حاكماً على فرض التغطية الصحية الإجبارية في ولايته يقول اليوم إنه يدعم فكرة تعديل الدستور لفرض سقف على الإنفاق الحكومي لا يتعدى ٢٠ في المائة من الدخل المحلي الإجمالي، وهو خفض مهم مقارنة بالنسبة الحالية المتمثلة في ٢٤ في المائة، كما أن المرشح الآخر سانتوريم يذهب إلى أبعد من ذلك باقتراح سقف للإنفاق لا يتجاوز ١٨ في المائة، وذلك بغية انتشال الاقتصاد من دوامة الازمات، وطبعاً وسط معارضة من جمهور الديمقراطيين.

خطأ واضح

الحقيقة أن الخطأ لا يعود في جميع الأحوال إلى الحركة، بل أيضاً إلى المترشحين أنفسهم، فباكمان التي كانت من مؤسسي الهيئة الناخبة للحركة داخل الكونجرس، لم تتمكن قط من استغلال ذلك لدعم حظوظها، فيما بيري الذي تبدو سيرته الذاتية قوية على الورق أظهر عدم كفاءة واضحة خلال المناظرات التلفزيونية بحيث لم يتذكر الوكالات الحكومية الثلاث التي يسعى إلى إلغائها، مما تسبب له في موجة من الانتقادات الساخرة، كونه بدا غير عالم بأبجديات السياسة وغير مدرك لبديهياتها.

وحسب استطلاعات الرأي التي تسبق عملية التصويت، فقد أعرب ثلث الناخبين عن أنهم من المؤيدين لحركة حزب الشاي، ومن هؤلاء قال ٣٠ في المائة إنهم صوتوا لصالح سانتوريم و١٧ في المائة لجينجريتش و١٦ في المائة لبول، في حين احتل رومني وبيري مراتب متأخرة في سلم الأفضلية لدى حركة الشاي.

بل إن إقبال الناخبين من خارج حركة الشاي على دعم رومني هو ما بوأه المرتبة الأولى في الانتخابات بفارق بسيط لا يتعدى ثمانية أصوات، هذا الفرق البسيط يعكس انقسام حركة الشاي على نفسها، وتشتت أصواتها بين مختلف المرشحين، وهو السبب الرئيسي الذي جعل رومني، بعد فرز الأصوات، يصعد إلى مقدمة السباق الانتخابي للحزب الجمهوري، ومن المهم أيضاً الإشارة إلى أنه في الوقت الذي أقر نصف الناخبين الجمهوريين بأنهم محافظون، فقط الثلث قالوا إنهم من حركة حزب الشاي في تراجع ملحوظ عما كانت عليه النسب العام الماضي.

وكانت باكمان قد انهت حملتها الانتخابية وانسحبت من السباق في ضربة موجعة للحركة، لكنها اكدت متابعة النضال لمواجهة «الأجندة الاشتراكية» للرئيس الديمقراطي باراك اوباما. وتعرف باكمان بتصريحاتها الاعتباطية التي غالباً لا تستند إلى معلومات صحيحة وتزعم باكمان أن الله هو الذي شجعها على الترشح إلى الانتخابات. وبهذا تكون حركة حزب الشاي قد خسرت احدى المرشحات التي تمثل افكارها وتجسد كل ما تطمح اليه الحركة.

تقدم رومني

وفيما تنتقل الانتخابات التمهيدية الرئاسية إلى ولايتي نيوهامبشر وكارولاينا الجنوبية، فإن هذا التشظي في صفوف حركة حزب الشاي، قد يشكل أهم عامل لاستمرار تقدم رومني، ففي العديد من الولايات سيسعى الناخبون في الحزب الجمهوري إلى تفادي كل ما له علاقة برومني، لكنهم إذا فشلوا في الاستقرار على مرشح واحد يقفون معه، فإنه من المرجح أن يفوز رومني بترشيح الحزب الجمهوري مستفيدا من الانقسامات والتجاذبات الحاصلة.

وإلى هذه اللحظة، يبدو سانتوريم المرشح الجمهوري الأكثر قدرة ربما على حشد أصوات حركة الشاي وأيضاً كل من لا يحب رومني، إلا أن السيناتور السابق من ولاية بنسلفانيا لم يجمع ما يكفي من المال في حملته الانتخابية لمنافسة خصومه، ولم يبن آلية انتخابية كبيرة بما يكفي لتدبير مراحل السباق الانتخابي المختلفة، فضلاً عن عدم اقتناع العديد من الناخبين بمؤهلاته كمحافظ، ولاسيما أنه صوت لصالح استحقاق الوصفات الطبية ضمن الرعاية الصحية ذي الكلفة الباهظة، وهي خطيئة لا تغتفر لدى المحافظين من حركة حزب الشاي المعروف انهم غير متسامحين على الاطلاق ولاسيما تجاه من يعارض اجنداتهم.

وهكذا وفي السنة الانتخابية التي كان يفترض بها أن تعزز هيمنة حركة حزب الشاي على المشهد الحزبي الجمهوري، فإن ما حصل كان مختلفاً بصعود مرشحين ينتميان إلى أجنحة الحزب من خارج حزب الشاي، وهما ريك سانتوريم باعتباره محافظاً اجتماعيا بالدرجة الأولى، وميت رومني، المرشح الرئيسي للمؤسسة الرسمية بالحزب. وبحسب استطلاعات الرأي فإنه من الصعب جدا على الحركة ان تعيد بناء شعبيتها او ان تعيدها الى ما كانت عليه ولاسيما في هذا الوقت الحساس الذي تشهد فيه البلاد تنافساً لجهة تحديد الخطط الاقتصادية المستقبلية القادرة على اجراء تحسينات في الاوضاع المعيشية لفئة كبيرة من الامريكيين.































.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة