شرق و غرب
انقسام المواقف الدولية حول الأزمة السورية
تاريخ النشر : الأربعاء ٨ فبراير ٢٠١٢
لقد صعّدت دول مجلس التعاون الخليجي من انتقاداتها للنظام الحاكم في دمشق وقررت سحب المراقبين التابعين لها من بعثة جامعة الدول العربية. وفي خطوة أخرى لافتة قررت جامعة الدول العربية مطالبة مجلس الأمن الدولي بدعم مبادرتها من أجل حماية الشعب السوري، غير أن تلك المساعي اصطدمت بالرفض الذي أبدته روسيا التي تظل تدعم نظام دمشق فيما ارتفعت أعداد القتلى الذين يسقطون بالعشرات يوميا. لذلك فإن الضرورة باتت تستدعي العمل على وقف هذه المأساة والحيلولة دون دخول الأزمة السياسية السورية في طريق مسدودة بسبب الحسابات الإقليمية والدولية.
لعله عكس بقية السيناريوهات التي شهدها بعض الدول العربية - وأخص بالذكر تحديدا تونس ومصر وليبيا - فإن الأزمة السورية ستتواصل على أشدها وتدخل في طريق مسدود مع تفاقم الشكوك والانقسامات بين القوى العالمية الذي أعاق المجتمع الدولي عن اتخاذ أي قرار أو القيام بأي تحرك ملموس على أرض الواقع ليظل الأمر منحصرا في تصريحات وتصريحات مضادة.
لا شك أن الصين وروسيا - اللتين تتمتعان بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي- ستظلان تلوحان باستخدام حق الفيتو دعما لنظام دمشق وإجهاضا لأي مشروع قرار يدعو إلى التدخل الدولي المسلح أو ينص على فرض عقوبات اقتصادية مشددة على النظام السوري. تعتبر روسيا والصين أنهما قد خدعتا في السنة الماضية من القوى الغربية عند تنفيذ القرار رقم 1973 الصادر عن مجلس الأمن الدولي. ترى سلطات موسكو وبكين أن القرار الدولي المذكور كان يفترض أن يعنى فقط بحماية المدنيين الليبيين من دون أن يشمل ذلك إسقاط نظام العقيد معمر القذافي. لا شك أن هاتين القوتين الاقتصاديتين الصاعدتين تريدان أن تضعا خطا أحمر أمام الدول الغربية بما يحفظ لهما مصالحهما في منطقة الشرق الأوسط، ذات الأهمية الاستراتيجية والحيوية في العالم، فهما ترفضان تحويل منظمة الأمم المتحدة إلى أداة لإضفاء الشرعية على المصالح السياسية الخارجية لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية.
لا شك أيضا أن أي قرار بشأن الأزمة السياسية الطاحنة في سوريا وثيق الارتباط بالجمهورية الإسلامية الإيرانية.
فالحكومات الغربية تسعى في الوقت الحالي إلى فرض عقوبات مشددة على نظام طهران على خلفية استمراره في تطوير برنامجه النووي علما أن الدوائر الغربية تعتقد أن السلطات الإيرانية تعمل على إنتاج أسلحة نووية، الأمر الذي ظلت تنفيه سلطات طهران التي تقول ان برنامجها النووي لأغراض سلمية مدنية.
ظل الصينيون والروس يرفضون الانسياق وراء هذه المساعي الغربية خوفا من الإضرار بروابطهم العسكرية والاقتصادية مع إيران، وخاصة إذا ما تعلق الأمر بفرض عقوبات على الصادرات النفطية التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الإيراني. تعتبر روسيا والصين أيضا أن القرارات المقترحة في منظمة الأمم المتحدة والمتعلقة بسوريا وإيران إنما تمثل مناورات تكتيكية تصب في هدف غربي مشترك ألا وهو تغيير الأنظمة الحاكمة عبر منطقة الشرق الأوسط.
يجب أن ندرك أيضا أن الدعم الذي يقدمه الروس والصينيون للنظام الحاكم في دمشق إنما ينسجم مع مواقفهم من المعارضة الداخلية، سواء في شوارع موسكو أو في مقاطعة التبت. تعتبر روسيا والصين أن القوى الغربية تروج الأفكار وتقدم الأموال للحركات الانفصالية مما يؤدي الى حركات احتجاجية ممولة من الغرب أساسا.
هذا أيضا هو الكلام الذي ظل يردده بشار الأسد نفسه وبقية رموز نظامه في أكثر من مناسبة، حيث انه ينظر إلى أي دعم لحق المدنيين في التظاهر على أنه يمثل تدخلا سافرا في سيادة الدولة السورية.
لقد تسببت الأزمة الاقتصادية الراهنة في إضعاف موقف القوى الغربية، وهو الأمر الذي يدركه الروس والصينيون على حد سواء، فالولايات المتحدة الامريكية تواجه تحديات كبيرة الأمر، الذي قد يحد من قدرتها واستعدادها لخوض حرب أخرى في منطقة الشرق الأوسط. أما الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي فهما يستعدان لخوض الحملة الانتخابية سنة 2012 علما أن ادعاءهما تحقيق نجاحات سياسية خارجية لم يسهم في التخفيف من حدة الانتقادات التي يواجهانها في الداخل بخصوص السياسات الاقتصادية التي ينتهجانها.
أما روسيا والصين فهما ستشهدان تغييرات على مستوى القيادة هذه السنة بخاصة إذ ينتظر أن يتولى فلاديمير بوتين وكسي جنبينج مقاليد الرئاسة في كل من موسكو وبيكين وهما من المتشددين الذين يرفضون اي حلول وسط مع المصالح الغربية في منظمة الأمم المتحدة.
* أستاذة في جامعة واترلو وباحثة في مركز واترلو الدولي لدراسات الحوكمة ومعهد بروكينز في واشنطون.