هوامش
امتحان وطني أمام القادة الفلسطينيين
تاريخ النشر : الأربعاء ٨ فبراير ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
إن الظروف التي تمر بها القضية الفلسطينية في الوقت الحاضر تعتبر من أصعب الظروف التي شهدتها الساحة الوطنية الفلسطينية على مدى عقود من النضال الوطني ضد مشاريع التصفية الصهيونية للحقوق التاريخية المشروعة للشعب الفلسطيني، فالساحة الفلسطينية شهدت - طوال تاريخ النضال - خلافات واختلافات في وجهات النظر وفي المواقف السياسية من قضايا وطنية وقومية وأممية كثيرة، ولكن رغم كل هذه الاختلافات والخلافات، فإنها كانت تدار تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية التي استطاع القادة الوطنيون الفلسطينيون تحويلها إلى بيت وطني احتضن مختلف فصائل النضال الوطني الفلسطيني، لكن الخلافات في الساحة الوطنية الفلسطينية، تجاوزت المألوف حين تفجرت الخلافات بين حركتي فتح وحماس في قطاع غزة وتحولت إلى حرب حقيقية أحدثت تصدعا وشرخا عميقين في الجسد الفلسطيني بما يخدم المشروع الصهيوني القديم.
طوال فترة الشقاق بين الحركتين الرئيسيتين في الساحة الفلسطينية لم تتوقف المساعي الوطنية الهادفة لتقريب الطرفين إلى بعضهما بعضا والقبول بحل يجنب الساحة الوطنية الفلسطينية المزيد من التصدعات، وفي مقابل هذه الجهود كان هناك عمل محموم من جانب الكيان الصهيوني مدعوما بسياسة أمريكية معادية لتطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة، حيث حاول العدو ومن خلفه أمريكا منع أي مصالحة وطنية فلسطينية بين الحركتين حيث وصل الأمر إلى حد تهديد السلطة الوطنية الفلسطينية بقطع المساعدات الأمريكية عنها إن هي تصالحت مع حركة حماس، فيما دأب العدو على تصعيد عدوانه على قطاع غزة وتحذير السلطة الفلسطينية من أي خطوات تقاربية مع حركة حماس.
وقد نجحت جهود تخريب البيت الفلسطيني حيث أطيل أمد الخلاف والصدامات السياسية بين الجانبين حيث وصلت إلى حد التخوين الذي كان للسلطة الوطنية الفلسطينية نصيب الأسد منه، ولكن إصرار الوطنيين الفلسطينيين على تجاوز الوضع غير السليم الذي لا يخدم سوى المشاريع الصهيونية ويؤثر تأثيرا كبيرا في حركة النضال الوطني الفلسطيني من أجل انتزاع الحقوق التاريخية المشروعة، أسهم في زحزحة مواقف الطرفين من أمكنتها السابقة وساعد على تذويب جزء كبير من الجليد الذي جمد سبل الالتقاء بين الحركتين، أضف إلى ذلك فإن الشارع الفلسطيني ضغط بقوة من أجل تجاوز الوضع غير السليم حيث إن الشعب هو الذي يدفع ثمن ذلك فيما يصب الخلاف في مصلحة الكيان الصهيوني.
ومما أسهم في إقناع طرفي النزاع داخل البيت الفلسطيني بأهمية تجاوز الحالة الشاذة التي تمر بها علاقات الحركتين تحديدا، أن العدو الصهيوني استغل الشقاق داخل البيت الفلسطيني وواصل سياسة قضم الأراضي الفلسطينية ووضع العراقيل أمام أي جهود سياسية للتوصل إلى ما سمي السلام بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني على أساس حل الدولتين، حيث واصل العدو سياسة بناء المستوطنات وتوسيع القائمة منها على أراضي الضفة الغربية التي يفترض أن تشكل العمود الفقري للدولة الفلسطينية الموعودة، ناهيك عن رفضه المطلق أي حديث عن القدس الشرقية المحتلة التي يراها الفلسطينيون عاصمة لدولتهم المستقلة.
فالعدو - كما قلنا - هو الذي استفاد من دون سواه من حالة التصدع والشقاق اللذين ضربا الجسد الوطني الفلسطيني، واستغل الوهن الذي أصاب الجسد الفلسطيني بسبب تلك الخلافات في مواصلة سياسة فرض وقائع مادية على الأرض من شأنها أن تصعب من تحقيق هدف الدولة الفلسطينية المستقلة، كل ذلك وضع القيادة الوطنية الفلسطينية وحركة حماس أيضا أمام اختبار وطني لا يمكن تجاهله، وهو أن التمسك بالمواقف الحزبية وتغليبها على المصالح الوطنية الجامعة، إنما هي مواقف خاطئة وتسدي خدمة مجانية للعدو الصهيوني، وبالتالي لم يكن أمام القادة الفلسطينيين من خيار سوى الولوج في طريق المصالحة الوطنية حفاظا على ما تبقى من انسجام وتماسك وطنيين يقويان من النضال السياسي الذي تقوده السلطة الوطنية الفلسطينية على الساحة الدولية.
فالتقارب الحاصل حاليا بين حركتي فتح وحماس واستعدادهما لفتح صفحة جديدة وإعلانهما الصريح تغليب المصلحة الوطنية للشعب الفلسطيني على مصالحهما الحزبية، سوف تواجه - بكل تأكيد - بعمليات تخريب من جانب الكيان الصهيوني وسترفع الولايات المتحدة الأمريكية من وتيرة ضغطها على السلطة الوطنية الفلسطينية لمنعها من مواصلة طريق المصالحة، وهذا هو امتحان حقيقي أمام السلطة الفلسطينية وأمام حركة حماس أيضا، فهما مطالبتان بأن تترجما تغليبهما المصلحة الوطنية على مصالحهما الحزبية، على أرض الواقع ومن خلال الممارسة العملية ورفض أي ضغوط أمريكية لتخريب المصالحة مهما يكن الثمن، لأن مصالح الشعب الفلسطيني لا يمكن أن تكون سلعة للتداول في سوق المزايدات السياسية.